وصلني هذا المقال فوجدت فيه مادة تستحق المطالعة والتأمل
د.صباح قيّاظاهرة مناهضة اللقاحات بين الماضي والحاضر... د. شفيق يازجي
ترافق انتشار وباء كورونا (كوفيد 19)
وما تبعه من تصنيع لقاحات لهذ المرض الذي اجتاح العالم بأسره، بحملة موازية مشككة بحيثياته، ومناهضة لأخذ اللقاحات المضادة له على امتداد طول الأرض وعرضها.
فهل ظاهرة مناهضة اللقاحات حديثة العهد في تاريخ البشرية؟
أم هي خاصة بلقاح (كوفيد 19)؟
وهل هي ظاهرة تاريخية تشترك بها كافة اللقاحات الأخرى؟
وماهي الدوافع لظاهرة مناهضة اللقاحات على مستوى العالم؟
وهل يمكن أن نستنتج من تاريخية هذه الظاهرة قناعاتنا المستقبلية بشأن قبول اللقاح أو رفضه؟.
الحقيقة أن ظاهرة مناهضة اللقاحات تعود إلى أواخر القرن الثامن عشر، عندما اجتاح أوروبا وأمريكا
وباء الجدري، وقتل مئات الآلاف من سكان هاتين القارتين، وترك أعداداً كبيرة من المصابين بتشوهات دائمة ومنها العمى.
بدأت القصة حوالي عام (1798) عندما نجح "ادوارد جينر" في استخلاص جرعة خفيفة من بثور المصابين بالجدري، وحقنها للأشخاص السليمين للوقاية من مرض الجدري. تلك الفرضية التي قامت على ملاحظة "جينر" أن حلابات الأبقار -المصابة بالجدري البقري- لايصبن بالجدري البشري، أو تقتصر اصابتهن على بثور سطحية خفيفة، لا تتجاوز أماكن التماس كاليدين، ولا تلبث أن تشفى سريعاً، وعندما لمس "جينر" نجاحاً في تجاربه الأولى، انتقل في عام (1801) إلى تعميم اللقاح على الشعب البريطاني، ولكن فكرة التطعيم تلك اصطدمت بمعارضة شعبية واسعة جداً، وذلك لأسباب متعددة:
منها دينية، فرأى بعض المتدينين أن اللقاح لا يتناسب مع العقيدة المسيحية.
ومنها صحية، فقد رأى دعاة الأسباب الصحية أن اللقاح خطر، وغير مضمون النتائج، وأن الاهتمام بالصحة العامة كافٍ لدرء الوباء.
يضاف إليها العوامل السياسية، فقد رأى أنصارها نتيجة اهتزاز الثقة بالطبقة الحاكمة، والأطباء غير المؤهلين، أن اللقاح قد يكون مؤامرة على صحتهم وصحة أبنائهم.
وذهب بعضهم أبعد من ذلك فاعتبروا أن اللقاحات تهدف إلى إبادة الجنس البشري بأكمله. وهنالك الأسباب الاقتصادية، فقد ربط بعضهم بين اللقاحات والربح المادي للشركات والدول المنتجة لها.
إلا أن الاحصائيات أثبتت أن تكلفة المرض أكبر بكثير، وأن كل دولار ينفق على التطعيمات يتسبب في توفير (16) دولاراً يمكن أن ينفق في الرعاية الصحية بسبب المرض، وفي تراجع الإنتاجية أو الوفاة.
قامت مظاهرات واحتجاجات شديدة مناوئة لللتطعيم في بريطانيا، وصل بعضها لدرجة العنف، مما جعل الحكومة البريطانية تتمهل، وتتدرج في سن قوانين التلقيح، بين الاختيار والاجبار، وبين التشجيع والعقوبات على من يرفض التلقيح، مع تقديمه مجاناً.
إستغرق قبول الناس لهذا اللقاح العديد من العقود، ومع تشريع اللقاح وانتشاره العالمي، تراجع الجدري, وسجلت منظمة الصحة العالمية آخر حالة اصابة في الجدري، وكانت في الصومال عام (1977)، وأعلنت عام (1980) عن انقراض وباء الجدري في العالم.
أما بالنسبة لمرض
"الحصبة"، فقد تسبب في وفاة (111 ألف شخص) كما ورد في تقرير (WHO) منظمة الصحة العالمية, أغلبهم من الأطفال حول العالم عام (2018)، وعزت المنظمة العالمية ذلك إلى الأخبار الكاذبة والخرافات المرتبطة بالتطعيمات، وإلى ضعف الأنظمة الصحية.
أهم هذه الخرافات التي انتشرت حول لقاح الحصبة، أنه يسبب التوحد لدى الأطفال، وأن الجهاز المناعي للطفل لا يتحمل تعدد الطعوم. وكان طُعم الحصبة قد بدأ بالتطبيق عام (1963) في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد شهدت الاحصائيات تراجعاً كبيراً لهذا المرض بعد ذلك التاريخ في كل دول العالم التي طبقت اللقاح. وأكدت المنظمة أن التراجع في التطعيم قد يتسبب في عودة فوعة المرض وانتشاره، وهذا ما حدث في العالم عام (2018).
هذا ينطبق على لقاح الحصبة الألمانية والنكاف وعلى الكزاز والسعال الديكي والديفتيريا. ومن الاعتقادات الخاطئة المناهضة للقاح شلل الأطفال الوبائي التي انتشرت بكثرة في نيجيريا وباكستان وأفغانستان،( لاحظ الثلاث دول متخلفة وإسلامية) وأدت إلى التراجع في قبول لقاح هذا الوباء، هو أن الغرب يريد من خلال هذا اللقاح تعقيم الفتيات في هذه البلدان، ومنع تكاثرهن، ونشر وباء الإيدز هناك، وهو بالتالي مؤامرة غربية على تلك الشعوب.
ومن أنصار الحركة المناهضة لإعطاء اللقاحات بعض الأطباء الذين يعتمدون دراسات لبعض المراجع أو المراكز البحثية، والتي لم ترقَ إلى الإجماع العالمي الذي تتطلبه اعترافات (Approvals) كما إن بعض الأطباء يميلون إلى ترجيح العامل الصحي كالتغذية والوقاية والنظافة وتحسين شروط العمل والسكن على التلقيح في مقاومة الأوبئة. إلا
أن الاحصائيات تؤكد أهمية العاملين
الصحي والتلقيح معاً في مقاومة الأوبئة والقضاء عليها. وهنالك مناهضون لإلزامية اللقاحات، ويرون في الإلزام خرقاً فاضحاً لمفهوم الحرية الشخصية. لكن منظمة الصحة العالمية وأنصار الإلزام في اللقاحات يرون: أن الفرد قد يكون ناقلاً للوباء دون أن يدري، وبالتالي فإن اللقاح هو ضمان للفرد والمجتمع من انتشار الأوبئة
، فإلزامية اللقاح تحمي الجميع، كما يحمي قانون السير الجميع دون أن يتعارض مع الحرية الشخصية.
وقد
ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي في تزايد شعبية حركة مناهضة اللقاحات، وأضحت هي المنصة الأساسية لمزاعم هذه الحركات، فعلى الرغم من أن أعداد الناشطين من مناهضي اللقاحات قليلة جداً في العالم، إلا أن تلك المواقع تجعلهم يبدون وكأنهم أغلبية ساحقة، فهم يستغلون طبع الإنسان وخوفه من المجهول ومن المغامرة، وتنشر وسائل التواصل الاجتماعي صوراً وفيديوهات عاطفية لأطفال مرضى، وأرقاماً مضخمة عن عدد الوفيات وعن عقابيل اللقاحات، أكثر بكثير مما ينشر الحياديون أوالإيجابيون حول اللقاح.
وقد وصفت منظمة الصحة الدولية التطعيم بأنه واحد من أرقى الإنجازات للصحة العامة التي عرفتها البشرية في القرن العشرين، وأن
التردد في قبول اللقاحات هو من بين أكثر الأخطار التي تواجه الصحة العالمية، على الرغم من أنه لا يوجد تطعيم فعال بنسبة مائة في المائة، لكن التطعيمات الدورية أثبتت فاعليتها بنسبة (85-95%) لدى من يتلقونها.
من كل هذا نستنتج أن
ظاهرة مناهضة اللقاحات هي ظاهرة قديمة، رافقت جميع اللقاحات التي عرفها الإنسان، ولا تقتصر على ما نراه ونسمعه في الوقت الحاضر حول لقاح (كوفيد 19)، وأن
أسباب رفض اللقاحات السابقة تكاد تكون نفسها الحالية التي بموجبها يتم رفض لقاح (كوفيد 19)، فهل يمكن أن نستفيد من تجارب الماضي من أجل قبول اللقاح الجديد؟ سؤال يرسم المستقبل...
أكرر آسفي لطول المقال
ابعد الله عنكم شر هذا الوباء