هل أن منتقدي ومعارضي البطريرك ساكو حقا مصابون بالأمراض النفسية ويقبعون في خانة "الشخصية المريضة"، حسب ادعاء الدكتور عبدالله رابي
أثار الاستدعاء المشؤم وغير المقبول بالمرة ضمن السياقات العراقية والموجه للبطريرك ساكو للمثول امام محكمة تحقيق الكرخ في بغداد الكثير من الشجون.
وقرأنا عددا لا بأس به من مقالات على هذا الموقع وأضم صوتي الى أصوات الإدانة لهذا القرار وطريقة التبليغ والتسريب الإعلامي التي كانت لها غايات سياسية واضحة وبعيدة كل البعد عن تحقيق العدالة.
بيد انني أرى أن المقال الذي كتبه الزميل والصديق د. رابي فيه الكثير من العاطفة وفي رأي الشخصي إنشائي وليس فيه حتى مسحة بسيطة من الأكاديمية والعلمية والمنطق، شأنه شأن أغلب مقالات المديح او النقد التي يسطرها في هذا الموقع.
وفي غياب الميزان العلمي والأكاديمي، يغيب المنطق وإعمال العقل، ونخفق في إثارة أسئلة محددة وعلى الخصوص "كيف ولماذا" حدث ما حدث من أمر مؤسف.
ولهذا، فإن القارئ اللبيب سيخرج بعد قراءة المقال أن الكاتب الموقر بدل المديح، أوقع نفسه والذي يدافع عنه، أي شخصية البطريرك – الذي وقع عليه غبن كبير في حادثة الاستدعاء للمحكمة – في وضع حرج.
وليتسع صدر الزميل العزيز د. رابي، فإنه ليس هناك في مضمار العلم والأكاديمية، ولا سيما في العلوم الاجتماعية، من يقبل تعميما مثل الذي أورده حيث اتهم كل منتقدي ومعارضي البطريرك ساكو بأنهم يعانون من أمراض نفسية.
ويؤسفني القول إن الأسس التي وضعها د. رابي في المقال لتقييم وقياس "الشخصية المريضة" نفسيا و"الشخصية السوية" نفسيا هشة وعامة وحكي جرائد.
هل في الإمكان ان أسأل د. رابي الموقر؛ هل نشرت بحثا في مجلة علمية رصينة ومعتمدة عن "الشخصية المريضة" و"الشخصية السوية"، واستنادا الى هذه الدراسة "القيمة" المنشورة في مطبوع علمي وأكاديمي معتمد استطعت ان تصل الى هذا الفرز الثنائي: إن منتقدي البطريرك يقعون في خانة "الشخصية المريضة" ومداحي البطريرك يقعون في خانة "الشخصية السوية."
مع كل اعتزازي دكتورنا الغالي والعزيز، فإنني أجريت بحثا وكشفا معمقا لمعرفة إن كان هناك ولو مقال يتيم او كتاب يتيم واحد يحمل اسمك في إحدى المجلات العلمية الرصينة او دور نشر أكاديمية معتمدة التي تعني بعلم الاجتماع ولم أعثر عليه. والقائمة بأسماء هذه المجالات المعتمدة ودور النشر متوافرة على الشبكة العنكبوتية (الإنترنت).
وذهبت أيضا الى محركات البحث العلمي المعتمدة دوليا وأكاديميا (أي على مستوى الدول والجامعات) ولم أعثر ليس على مقال لحضرتكم، بل حتى على ذكر اسمكم او اقتباس واحد لكم.
فعن أي أكاديمية وبحث علمي نتحدث؟
وكما تعلم، هذه المجلات ومحركات البحث العلمي هي مقياس العلم والمعرفة الأكاديمية والبحث العلمي الرصين. ووباء كورونا أظن منح حتى الإنسان العادي مقدارا من المعرفة بشؤون البحث العلمي الرصين، حيث لا يتم اعتماد أي دواء او لقاح إن لم يتم نشره أولا في إحدى المجلات العلمية المعتمدة، أي ان يتم تحكيمه وقبوله من علماء ثقاة يشار لهم بالبنان. وهذا هو الدارج في كل فروع ومضامير البحث العلمي والأكاديمي.
الجامعات الرصينة في العالم، شعارها publish or perish . إن كان لدينا نشر علمي في المجلات العلمية المعتمدة ودور النشر الأكاديمية فنحن جزء من البحث العلمي والأكاديمي، أي في خانة publish، وإن لم يكن لدينا نشر علمي أكاديمي فنحن في خانة perish أكاديميا.
ولأنك يا عزيزي وأخي د. رابي حضرتكم في الخانة الثانية – على قدر علمي والبحث والاستقصاء الذي قمت به وإن ظهر لي عكس ذلك فسأعتذر على الملأ – أرجو ان يتسع صدركم مرة أخرى للقول إن ما تكتبه لا يعدو كونه إنشاء يفتقر الى أبسط المعايير الأكاديمية والمعرفية والعلمية.
ولهذا جاء مقالكم الذي نحن بصدده عكس مراده، وأي قراءة متأنية لا بد وأن تخرج بهذا الاستنتاج، بمعنى بدلا من أن تمدح أو تدافع عن البطريرك في محنته والظلم الذي وقع عليه، في ثنايا مقالك هناك إساءة له؛ عن قصد او غير قصد فهنا العلم عند الله.
تعريفك للمرض النفسي والحالة المرضية او الشخصية المريضة – وحضرتك تنقل نصا من نصوص البطريك – تشير أيضا الى الحالات العصبية التي تنتاب بعض الأشخاص وفيها يفتقدون السيطرة على الأمور وتبدر منهم شؤون وأقوال وممارسات لم تكن في الحسبان وقد تكون غير سوية.
ألم تنقل عن البطريرك في مقالك إنه يعترف بأنه "عصبي" المزاج وفي مكان أخر حسب قول البطريرك "إن طبعي سريع الانفعال" و "أسلوبي شخصاني وتلقائي،" أي في مفهوم علم النفس هذه إشارة واضحة الى nervousness syndrome or anxiety syndrome. ولن استطرد لأن الشرط الأول الذي يضعه علماء النفس والباحثون الأكاديميون للذي يعاني من nervousness syndrome or anxiety syndrome هو أنه يجب، لا بل أنه أمر ملزم، عدم منحه دفة القيادة في أي حلقة كانت وتحت أية ظروف.
أنظر يا دكتورنا الغالي والعزيز ماذا يفعل غياب العلمية والأكاديمية وأنظر ما تسببه الكتابات الإنشائية التي طابعها المديح دون إثارة سؤال لماذا وكيف وصلنا الى ما وصلنا إليه – وهنا اقصد مؤسسة الكنيسة الكلدانية – التي ومن تاريخي الطويل معها حيث ولدت وترعرعت ونشأت في أحضانها، تمر في وضع لا يحسد عليه ولم تكن في هكذا حال محزن ابدا.
منتقدو ومعارضو البطريرك – وفي ظني لم يسيئوا الى البطريرك كشخص – لديهم قضايا مهمة تخص أسلوب الإدارة والشفافية والإعلام والسياسة والبيانات والعلاقات وكذلك شؤون مصيرية تخص الكلدان وثقافتهم وتراثهم وطقوسهم ولغتهم وفنونهم وموسيقاهم وآدابهم وشعرهم والتي هي من أرقى ثمار الحضارة الإنسانية وتشكل جوهر الهوية والخصوصية.
فبدلا من انتهاز حدث الاستدعاء الى المحكمة، الذي ندينه أشد إدانة، للم الشمل والتقارب والحوار حول قضايا الاختلاف، تأتي حضرتك وتضع – استنادا الى أبحاث أو دراسات ميدانية تقول إنك أجريتها في نهاية العقد السابع من القرن المنصرم ولكن لا أثر لها – كل من يعارض وينتقد البطريرك في خانة "الشخصية المريضة" نفسيا.
وهذا ما حدث بالضبط مع النهضة الكلدانية بمعية المطران سرهد جمو، حيث كنت حضرتك من المنظرين الكبار لهذه النهضة وأقسمتم على الإنجيل والصليب للبقاء أوفياء لها. هذه النهضة كانت ضحية خطابات مثل التي تكتبها حاليا في مديح البطريرك؛ في حينه في مديح النهضة وأصحابها. ولكن تلك النهضة تحولت بقدرة قادر حسب قلمكم الى "نكسة" بعد ظهور البطريرك على الساحة.
بيد انه حسب رأي الشخصي، نحن نمر الآن في "نكستين" وليس "نكسة" واحدة، وحضرتك أقرب الى الماسك بدفة سفينتنا الغارقة مما كنت عليه مع ماسك دفة نهضتنا الفاشلة السابقة والذي أقسمت امامه على البقاء وفيا لها.
وشكرا لسعة صدركم وأرجو المعذرة ولم يكن بودي الرد والتعقيب، ولكن لاحظت ان حضرتك تكتب مقالات ما هي الا ديباجة مديح ونقد ضمن ثنائية تفرز فيها "المريض" نفسيا عن "السوي" نفسيا دون سند علمي او أكاديمي او منطقي، وفيها إشارات وإيماءات مبطنة كما هو شأن المقال الذي نحن في صدده، لذا استوجب مني التوضيح.
هناك الكثير ما يمكن ان يقال، ولكن اترك ذلك للتفاعل مع التعقيبات.
+++++++++++++++++++++++
رابط مقال د. رابي:
https://ankawa.com/forum/index.php/topic,1016207.0.html