المحرر موضوع: ططيانوس الاشوري  (زيارة 789 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل يوسف شيخالي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 184
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
ططيانوس الاشوري
« في: 08:48 27/06/2021 »
ططيانوس الاشوري والانجيل المختلط

نعرف من مصادر عديدة بأن ططيانوس كان آشورياً، ولا يعرف تاريخ ومكان ولادته بالضبط.(1) ولكن التقديرات تشير إلى إنه ولد سنة (110♰) وتوفي سنة (180♰)؛ ومعظم حياته قضاها يطوف بلداناً عديدة. كان ططيانوس من الفلاسفة الاشوريين الذين اعتنقوا الديانة المسيحية، وربما تعلمها من الشهيد يوسطينوس(2) الذي كان يعتبره صديقاً ومعلماً له. أصبح ططيانوس مدافعاً عن المسيحية أپولوجست(3) "apologetikos". وكانت تعاليمه المسيحية الأساسية نابعة من المسيحية اليونانية.(4) وربما تحول إلى المسيحية عن ديانته الآشورية حوالي سنة (150♰).

في أيامه الأخيرة، عاد إلى أورهي وإستقر فيها. ومن أفضل كتاباته لمسيحيي أورهي وأماكن عديدة كان كتاب طياتسرون “Diatessaron”. فقد جمع الفيلسوف الاشوري ططيانوس الأناجيل الأربعة وسبكها ببعضها سبكاً جيداً بحيث جعل رواية الإنجيليين الأربعة رواية واحدة، تحت كُنيَة (الإنجيل المختلط) أي سياق الأناجيل الأربعة. وأصبح هذا الكتاب المقدس شائعاً ومعتمداً في أورهي وكنائس المشرق خلال القرنين الثالث والرابع وحتى النصف الأول من القرن الخامس،(5) وليس معلوماً فيما إذا كان ططيانوس قد جمع كتاب الطياتسرون من نسـخ أشـــورية آرامية للأناجيل الأربعة، أو بصورة مباشرة من نسخ الأناجيل اليونانية. فقد كان لططيانوس حب عميق لدراسة الأناجيل، التي كانت سبباً لإيمانه بالمسيحية.(6)

في الوقت الذي ظهر فيه كتاب طياتسرون “Diatessaron” بدأ تداوله بصورة إعتيادية في مدينة أورهي، وتُرْجِم إلى اليونانية من قبل يوسيبيوس في بداية القرن الرابع.(7) إختفت النسخة الآشورية من الإنجيل المختلط  ولم تبقى منها إلا مقتطفات في كتاب شرح الإنجيل لإيشوعداد أسقف حدَتّا، وفي مؤلفات غيره من لاهوتيو كنيسة المشرق، ومن ضمنهم مار أپرم الملپان الآشوري. ولم تسلم سوى نسخة الترجمة الأرمنية، ونسختين أخريتين منقحتين، واحدة بالعربية ترجمها أبو الفرج عبد الله بن الطيب الأشوري في أوائل القرن الحادي عشر. وسلمت نسختان كاملتان، ترجمها وطبعها السيد شياسكا سنة (1888♰).(8) النسخة العربية من كتاب الطياتسرون مقسمة إلى 55 جزء أو باب. تشمل أيام الأحاد والأعياد السنوية للكنسية، على نفس الطريقة التي قسم فيها اليهود أسفار العهد القديم الخمسة.(9)

إعتلى ربولا (412-435♰) رئاسة الكنيسة في أورهي، فاستبدل كتاب الطياتسرون بأربعة أناجيل منفصلة جمعها في كتاب واحد. وأمر جميع الكهنة والشمامسة أن تقتني كل كنيسة في أورهي نسخة من الإنجيل المنفصل ܐܘܢܓܠܝܘܢ ܕܡܦܪܫܐ "Evangelion da Mepharreshe".(10) وفي ذلك ونقلاً عن زان Zahn: فإن ربولا أسقف أورهي وضع قوانين للكنيسة ومن ضمنها قانون يقضي: «على الكهنة والشمامسة عهدة بأن يراعوا تقديم وقراءة إنجيل منفصل ܐܘܢܓܠܝܘܢ ܕܡܦܪܫܐ في جميع الكنائس».(11) لذلك بدأ حملة بجمع وإتلاف نسخ الطياتسرون وإبدالها بالنسخ الجديدة التي بدأ ينشرها في الكنائس. وبعد وفاة أسقف أورهي ربولا، إنتهج ثئودور(12) أسقف قورش (سيروس)(13) (423-457♰) نفس سياسة ربولا، وأمر بإزالة أكثر من مئتي نسخة من إنجيل «طياتسرون» من الكنائس في أبرشيته.

يقول ثئودور: «ططيانوس كتب ما يسمى طياتسرون، وأزال نَسَب أو أي شئ يثبت
بأن المسيح كإنسان ولد من نسل داود. وديباجة الأناجيل التي قام بها ططيانوس لم يقتصر تداولها على أتباعه فقط، وإنما على الذين يتبعون سُنَّة رسل المسيح، حيث استعملوا كتاب طياتسرون كمُلَخّص للأناجيل بلا تمييز حِرَفيّ لإسلوب تأليفه. ولكنني عثرت على أكثر من 200 نسخة طياتسرون متداولة في الكنائس التابعة لأبرشيتي، وإسبدلتها بالأناجيل الأربعة المنفصلة.»(14)

ولكن عبدإيشوع الصوباوي(15) لا يذكر بأن ططيانوس أزال أي شئ من الأناجيل، حيث انه يقول: «ططيانوس كان فيلسوفاً معروفاً، أدرك بطريقة فكرية معنى أقوال مؤلفي الأناجيل الأربعة. وحسب إدراكه رتب كتاباتهم المقدسة. فقد جمع الأناجيل الأربعة في عمل رائع، وأسماه طياتسرون، الذي إتبع بعناية تناسق أقوال وأعمال المخلص، ولم يضف حتى جملة واحدة من كلامه الخاص».(16)

يرجع معظم المؤرخون تاريخ مؤلف تعاليم أدّيْ (أنفورا أدي) إلى نهاية القرن الرابع وبداية القرن الخامس. وفيه نجد إشارة إلى تداول طياتسرون في مدينة أورهي، ولا يلمح إلى تداول أي إنجيل آخر في المدينة في تلك الفترة. بذلك يمكن أن نستنتج بأن المعلومات الإنجيلية في تعاليم أدّي لم تأتي من الأناجيل المنفصلة، بل أتت من كتاب إنجيل الطياتسرون.(17)

بصورة عامة كان للرهاويين مجموعة صغيرة من الكتب مقارنة مع المناطق الأخرى. وكانت كتبهم مركزة على الإنجيل، وأعمال الرسل، ورسائل الرسول پولس، وهذه الظاهرة تشير إلى إستقلالية الكنيسة وعزلتها عن باقي الكنائس المسيحية. وما كان يربط كنيسة أورهي مع المسيحية حول البحر الأبيض المتوسط كان بالأساس مع أنطاكيا، التي كانت أشورية (سُريانية) أيضاً. ولكن قابعة تحت تأثير الثقافة واللغة اليونانية. ومع بداية القرن الخامس، أصبحت أورهي في إتصال وثيق مع المسيحية اليونانية، وإلى حد ما فقد أُدخلت عنوة في خلافاتها اللاهوتية.(18)

يتساءل كثير من الناس، لماذا يحتوي العهد الجديد على أربعة أناجيل فقط، في حين أن معظم حواري وتلاميذ المسيح كتبوا أناجيلهم؟ الجواب على ذلك، ربما يكون كتاب الطياتسرون الإنجيل الوحيد الذي كان المسيحيون يستخدمونه في القرون الميلادية الأربعة الأولى.

يقول عنه أوسابيوس القيصري: بأن ططيانوس كتب العديد من المؤلفات، ولم ينجِ منها إلا مؤلفين. واحدة كتاب«طياتسرون» والأخرى رسالته إلى اليونانيين التي أسماها Oratio ad Graecos، وفيها يدافع عن الديانة المسيحية، التي كان قد كتبها بعد وفاة معلمه الشهيد يوسطينوس.(19) ويستعمل ططيانوس في رسالته إلى اليونانيين لهجة يعبر عن معتقداته ويندد بالفلسفة اليونانية وآدابها.

 
(1) Tatianus, et al. The Writings of Tatian and Theophilus; and the Clementine Recognitions. Edinburg: T & T Clark, 1867. P.3
(2) يسطس أو يستينوس يعتبر قديساً في الكنائس الكاثوليكية، والإنجيلية، والأورثوذكسية المشرقية. فقد كان قد أستشهد هو وبعضاً من تلامذته في عهد الإمبراطور أنتونان. ويعتبر من مفسري القرن الثاني الأوائل في شرح فلسفة «كلمة الله المتجسدة».
(3) أپولوجست، هي صفة لاهوتية يونانية تعني «شرح ودفاع عن المسيحية».
(4) Aytoun, Robert Alexander. City Centres of Early Christianity. London: Hodder and Stoughton, 1915. P. 142
(5) المطران أدّي شير. تاريخ كلدو وآثور. ج2. بيروت: مطبعة الآباء اليسوعيين، 1913. ص.42
(6) Aytoun, City Centres of Early Christianity. 1915. P. 142
(7) Harris, J. Rendel. The Diatessaron of Tatian; a Preliminary Study. London: C.J. Clay, 1890. P. 10
 (8) المطران أدّي شير. تاريخ كلدو وآثور. ج2. 1913. ص.42
(9) Harris, The Diatessaron of Tatian, 1890. P. 12
(10) المطران أدّي شير. تاريخ كلدو وآثور. ج2. 1913. ص.42
(11) Harris, The Diatessaron of Tatian, 1890. P. 12
(12) ثئودور القورشي: ولد في نهاية القرن الرابع، ربما سنة (393♰) وتوفي في سنة (457♰) في (سيروس). تلقى تئودور تعليمه في مدينة أنطاكيا كتلميذ لديودورس الطرسوسي وثيودور المصيصي (موبستيسيا). وانتخب أسقفاً على قورش في سنة (423♰) التي كانت في أبرشيه حوالي 800 كنيسة.  (Harris, The Diatessaron. P. 16) وشارك ثيودور في مجمع أفسُسْ سنة (431♰). وكان من ضمن الأقلية المعارضة لقورلس (كيرلس)، وفي مجمع خلقدونية (449♰) تم نفيه الى دير في أباميا. ولكن في مجمع خلقدونية سنة 451 أعيد الى منصبه مرة أخرى.
(13) في الخرائط القديمة تظهر قورش (سيروس) على شكل ثلاثة مدن متجاورة منقرضة. تم تعمير وبناء هذه المنطقة من قبل أنطيوخوس، وسميت على اسم زوجته. وعرفت هذه المدينة أيضاً (قورش أو حورس) على إسم الملك الفارسي.
(14) Harris, The Diatessaron of Tatian, 1890. P. 13
(15) هو مار عبدإيشوع بن بريخا بن يوسف بن داود الجزري. ولد في منتصف القرن الثالث عشر. رُسِمَ أسقفاً على أبرشية سنجار وبيت عرباي سنة (1285♰). ورقاه البطريرك مار يهبآلاها المغولي إلى رتبة مطرابوليط على كرسي نصيبين وأرمينيا سنة (1290م). لذلك لُقّب بـ (الصوباوي) نسبة إلى مدينة نصيبين. له كتابات كثيرة، أهمها كتاب ماركانيتا (الجوهرة). توفي مار عبديشوع سنة (1318♰). عن كتاب الجوهرة. ترجمة مار لويس ساكو. ص2
(16) Harris, The Diatessaron of Tatian, 1890. P. 16
(17) Ibid. P. 17
(18) Aytoun, City Centres of Early Christianity. 1915. P. 143
(19) المطران أدّي شير. تاريخ كلدو وآثور. ج2. 1913. ص.42