المحرر موضوع: المجتمع العربي رهين المحبسين الإستبداد الديني والسياسي  (زيارة 655 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عمانويل ريكاني

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 147
    • مشاهدة الملف الشخصي
            المجتمع العربي رهين المحبسين
                الأستبداد الديني والسياسي
                  عمانوئيل يونان الريكاني/ العراق/سدني
عانت المجتمعات القديمة والشعوب السالفة في الشرق والغرب بأشكال مختلفة وبدرجات متفاوتة من شتى أنواع القهر والظلم والجور وكل أصناف الأستعباد والذل والخنوع نتيجة أسوء تحالف وأردء تعاقد لف حبل الأستبداد والطغيان والأضطهاد حول رقبة الناس وهو بين الفقهاء والخلفاء وبين الوعاظ والسلاطين.
أستغل بعض رجال الدين (بدون تعميم طبعاً) سلطتهم بشكل سيء من خدام الناس إلى سيف مسلط على رقابهم، وذلك من خلال أحتكارهم تفسير النصوص الدينية والتلاعب بها حسب أهواءهم وبما يخدم مصلحتهم الشخصية ويحقق أهداف سادتهم. وفي الأدعاء كذباً في التكلم بأسم الله وإنهم نواب السماء على الأرض وبالتالي في السيطرة على عقول ونفوس الناس وسرقة أموال الفقراء وسلب منهم الطاعة العمياء.
ومن على منابرهم الدنسة يكيلون المديح والتبجيل والتمجيد للزعيم (بكل مسمياته) تصل الى درجة التأليه، ويطلقون عليهم ألقاب مقدسة ما أنزل بها الله من سلطان مثل: ظل الله على الأرض وناصر لدين الله أو خليفة الله …ألخ .ويحرمون الخروج على الحاكم الجائر حتى لو ظلم الرعية وسرق أموالهم تحت يافطة "سلطان ظلوم خير من فتنة تدوم" . وقد جاء في كتاب الفقيه والسلطان الكوثراني ،وجيه ، 2015: "السلطان ظل الله في أرضه، يأوى اليه كل مظلوم من عباده، فإذا عدل كان له الأجر وعلى الرعية الشكر، وإذا جار كان له الأمر وعلى الرعية الصبر (ص28)".
بهذه المؤامرة القذرة والسياسة الرعناء بين رجال الدين والحكام المستبدين المدفوعة الثمن تم تبرير مظالمهم ومفاسدهم وإنحرافاتهم وأجهاض جنين الثورة والأنتفاضة من رحم (الرعية) . وبالتالي زعزعة الثقة بالنفس في القدرة والأمكانية الفردية والجماعية بتقرير المصير وتحسين الأوضاع.
على أعتبار أن المصائب والكوارث والنوائب حلت بهم أما قدر مكتوب او مصير محتوم او ابتلاء من رب العالمين لأختبار أيمانكم هكذا يتم تسكيت الناس. لكن يبقى لكل ظالم يوم والظلم مهما طال له نهاية هذه هي الدروس والعبر الذي تعلمناها من تاريخ كل الأمم.
وفي الغرب الصناعي أستفاق العقل من غفلته بعد سبات طويل وقامت ثورات علمية وصناعية في فترات متتالية فجرها عقول كبيرة وأدمغة جبارة من علماء وفلاسفة ومفكرين خاصة القرن السابع عشر الذي يعتبر بحق قرن العباقرة. وعلى رأسهم بيكون، نيوتن، غاليليو، كوبرنيكوس، ديكارت ، فولتير، روسو ، الذين مهدوا للثورة الفرنسية والأمريكية دون تجاهل دور الأصلاح الديني في القرن السادس عشر. بقلب الأوضاع رأساً على عقب وتغيير مجرى التاريخ وذلك في تحطيم بنى الأقطاع ومرجعية الكنيسة والحكم الألهي الأستبدادي.
وأحداث نقلة نوعية في حياة الشعوب من ظلمة العصور الوسطى الى عصر التنوير.
ورسموا بفرشاة العقل العلمي لوحة العالم الجديد ذي ألوان الفردية والديمقراطية والعلمانية والتسامح الديني وحقوق الأنسان الزاهية بعد طمس عالم الخرافات والشعوذات والخزعبلات القديم.
بالرغم من كل هذه الأنقلابات التاريخية والتحولات الحضارية  التي أتت مع رياح العولمة والتكنولوجيا محدثة تغييراً في البنى  الأقتصادية والأجتماعية والسياسية والدينية والأخلاقية والتي أرتقت بالأنسان والأنسانية لكن ما زال مجتمعنا العربي تتلاطمه أمواج الأضطهاد الديني والأستبداد السياسي ويعيش في غياهب القرون الوسطى ويأبى أن يخلع ثياب الماضي الرثى . فبالرغم من مظاهر التمدن الحياتية فهو لم يأخذ من الحداثة غير قشورها دون الفكر. والسبب الرئيسي هو البنى العميقة الراسخة للعقل العربي تتحكم به النزعة العصبية بكل تجلياتها القبلية والطائفية والمذهبية والدينية والتي تنخر كيانه وتتقيأ أي قيم حضارية معاصرة لذلك هناك أشكالية في تأقلم هذه الذهنية مع الحداثة.
لأن من خصائص تفكير العصبية ضيق الأفق والقطعية الأطلاقية والتحيز والأحكام المسبقة والطاعة العمياء للزعيم والولاء للأمة. لا يعترفون بكيان أسمه الوطن  والدولة فهي في عرفهم بضاعة مستوردة من (الغرب الكافر). يعيشون في وطن دون ان ينتمون اليه إلا شكلياً ولا يعيش في داخلهم أما الهوية الوطنية فهي هبل في ثوب جديد.
وكلنا نتذكر مقولة مهدي عاكف ( مرشد الأخوان المسلمين السابق) الشهيرة " طز في مصر وأبو مصر واللي في مصر". وأضاف إليه تصريح أخر لا يقل بجاحة عن الأول وهو أنه يفضل أن يحكم مصر مسلم من ماليزيا على أن يحكمها مصري قبطي.
 " تصبح النحن العصبية هي حدود أفقه الضيق ، وكل ما عداه غريب. إنها الخير المطلق والحق الذي لا يناقش ، والمثانة المثلثة ( الزعيم، الأعضاء، والنحت الجامعة) . وهو ما يفجر حالة النرجسية ( الافتتان بالذات) ، والهوية المغلقة ذات الطابع الواحدي الذي يخلو من كل تنوع. وهي ذاتها الهوية القاتلة ، التي تتجلى في أقصى حالات الأصولية والعنصرية والفاشية ".(الحجازي، العصبيات وآفاتها،2019 ص86 ).
وفي الختام لا يمكن ان ينهض المجتمع العربي ويقف على قدميه مسايراً بقية الشعوب المتقدمة إلا بأصلاح ديني وسياسي جذري وحقيقي لا شكلي وسطحي يكون فيها الدين والسياسة في خدمة الأنسان وليس العكس . كل فرد يحتاج الى دين الحب والأنسانية لا دين التسلط والتعسف والقهر ونظام سياسي معاصر نكون فيها مواطنين لا رعايا كما في الأنظمة الديكتاتوريةعندنا .هذا لن يتم إلا بالثورة على اللاوعي الجمعي وتطهيره من حمولته الفكرية العفنة وتركته التالفة الأتية من عصور الظلام " الخمر الجديدة لا توضع في زقاق عتيقة" وبعد ذلك إعادة بناء الذات الفردية والجماعية بأحجار الحرية والديمقراطية والمساواة والأخاء والمواطنة والتسامح.