المحرر موضوع: إنسانية فوق العادة!  (زيارة 457 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل محمد المفتي

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 39
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
إنسانية فوق العادة!
« في: 20:41 26/03/2022 »
إنسانية فوق العادة!
محمد سيف المفتي
أخبر السيد م ع م الذي اتعبه السهر إمّا بوقوفه بجانب سرير زوجته السيدة ب م مجيد في المستشفى  أو لقلقه عليها وهو في بيته خلال الأيام الأخيرة، بينما كانت مستلقية أمامه علا الاريكة في صالة بيتهم.
- شراء الكلية في العراق أمر معقد، وسيكون آخر الحلول اذا طال الانتظار. قالها بصوت هامس.
نظرت في وجهه ولم تقل أكثر من " الله كريم"
كانت كليتها قد أعلنت اضرابها عن العمل، والذي ابتدأته بتخفيض فعاليتها تدريجيا خلال الأشهر الماضية. خرجت من المستشفى قبل ثلاثة ايام وجلست مع الطبيب المختص قبل مغادرتها والذي أعلمها " لا يوجد علاج سوى زراعة الكلية". لم يكن الخبر هينا على العائلة فلم يتردد السيد محسن بتقدمه كمتبرع لزوجته. إلا أن الطبيب وبصراحة الأطباء النرويجيين المعتادة قال له "لا، ربما تحتاجها لأولادك" ، فتح السيد م عينيه مستغربا إلا أن الطبيب استكمل حديثه غير مبال بدهشته قائلا: " ونحتاج أن نجد كلية فيها تطابق نسيجي مع كليتك يا سيدتي، وهذا الأمر يأخذ وقتا قد يطول وقد يقصر".
سأله السيد م باحتجاج – لكن اولادي لا يحتاجونها اليوم. اجابه الطبيب - هناك إشكالية جينية يجب أن تأخذ بنظر الاعتبار.. تتركها للشباب.
أمام تصميم الزوج قال الطبيب موضحاً " لا تستعجل! في أسوأ الظروف سنلجأ الى غسل الكلية، وخرجا يرافقهما القلق المرتبط بطول مدة الانتظار.   
سقطت الثلوج في الليلة الثالثة بعد خروجها من المستشفى بكثافة ودفع الهواء نتف الثلج في كل الاتجاهات، وصوت الخشب المحترق في الموقد ملأ الصالة بالحميمية، نامت زوجته على الاريكة أمام التلفاز،  بينما رحلت أفكار السيد م بعيدا، اذ كان يحلل ما سمعه من أهله عن زراعة الكلية في العراق فيما لو احتاج اليها، أولا اللجوء الى سماسرة لا صدق لوعودهم والمبلغ الكبير الذي سيطلبونه ثم ليذهب بائع الكلية الى المحكمة ويقسم أنه متبرع لوجه الله بكليته.  بعد هذا عليه تحضير مبلغ لبقية الرسوم التي ستدفع الى دوائر الدولة المعنية والأمر لا يتم إلا بدفع الرشى، قبل الاتفاق على غرفة في المستشفى وجراح يقوم بالعملية.. سكت وهو يحسب المبلغ المطلوب الذي يفوق إمكانيات ذوي الدخول الطبيعية. ارتفع صوته عفويا وهو يتحوقل. فاستيقظت زوجته ونهضت متثاقلة وسارا معا الى غرفة النوم.
رن تلفون السيد م عند الساعة الخامسة والنصف صباحا وكانت المستشفى، وبادرت الممرضة بالسؤال عن صحة زوجته هل هي مريضة؟ مصابة بالكورونا؟ أي مضاعفات أخرى والسيد م يجيبها بـ " لا"
استيقظت زوجته وهي تسمعه يقول نعم نأخذ تاكسي ونأتي الآن. أخبرها لاحقا أنهم وجدوا لها كلية.
دارت في رأس السيد محسن أفكار مختلفة عن مصدر الكلية، هل هو شخص توفي فجأة بنوبة قلبية، حادث مؤسف، أم مات أثناء العملية وغيرها من الأفكار السوداء عن سيء الحظ هذا.
عندما وصلوا المستشفى أخبرهم الطبيب أنهم وجدوا تطابقا ممتازا بين انسجتها وانسجة المتبرع.
سأل السيد م مستعرضا كل السيناريوهات التعيسة التي دارت في رأسه عن مصدر الكلية.
هز الطبيب أخيرا رأسه نافيا كل التوقعات وقال له:  " كل ما يجب أن تعرفه هو  أنه شاب في الثلاثين من عمره وبكامل قواه العقلية وبصحة ممتازة.
وكان السيد م وزوجته سيسألان عن السبب إلا أن الطبيب أجابهما وهو يهم بالخروج – لأجل الإنسانية. بقيت عيناهما تراقباه وهو يغادر الغرفة وعند الباب التفت الطبيب وسألهما – ألا تعتقدان أن الإنسانية كافية؟
تركهما تستوعبان ما قاله وغادر الغرفة لأن نداء إنسانيا آخر كان بانتظاره.
يقول السيد م فكرت بهذا المتبرع، كيف لم يفكر أن كليته قد تنقذ عدوه أو شخص عنصري يكرهه أو أو كيف استبعد كل مفاهيم الكراهية وفكر بإنقاذ انسان من أي لو لون كان.. يقول قررت بعدها أن أتبرع لأي انسان يمكنني أن أتبرع له حتى لو كانت قطعة من جسمي.