المحرر موضوع: أيّها المتحدثون العرب ,كفاكم تشبثاً بالوسطيّة!  (زيارة 623 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل رعد الحافظ

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 673
    • مشاهدة الملف الشخصي
أيّها المتحدثون العرب ,كفاكم تشبثاً بالوسطيّة!

مقدمة :
طالما كنتُ أمقت ما يسمونهُ الوسطيّة ,لذا إتهمنّي المخالفون بالتطرّف ,والمحبّون بالقسوة والصرامة والعدائية في إتخاذ المواقف بين ما أعتبرهُ مجازاً (خير وشرّ), على أنّ كلامي يُنفّر حتى أقرب الناس!
كنتُ مُعجب بأفكار وأقوال صريحة واضحة بطريقة (يا أبيض يا أسود) .لا أحبّ أنصاف الحلول والمجاملة على حساب الواقع على الأرض!
طالما اُعجبتُ بقول المفكر الإيرلندي (إدموند بيرك) :
[كلّما يحتاجهُ الشرّ لينتصر أن يقف الأخيار على الحياد لا يُحرّكونَ ساكناً]!
أعجبتني فكرة ميخائيل نعيمة عن الحياد السلبي :
[عدم الكره ليس محبّة ,المحبّة قوّة إيجابية فعّالة ,ما لَم تكن قائدة لخطاك ضللتَ طريقك]!
***
صورة :
 
***
الإسلامويّون يظنّون أنّهم اُمّة وسط !
طالما رفعَ المشتغلون في (الإسلام السياسي) شعار الوسطيّة في الإسلام ,حتى كدنا نصدقهم .تحدّث بعضهم ونظّرَ كثيراً عن زمن الإسلام الوسطي الجميل!
لكن هذا القول لم يُطابق الواقع سوى في أوقات ضعف البلاد والولايات الإسلاميّة عموماً .عندما يضعفون كانوا يرفعون شعار الوسطيّة والتعايش السلمي .بينهم يقولون الحرب خدعة /الحرب كرٌّ وفرّ /والمثل المصري (إتمسكن حتى تتمكن)!
كمثالٍ حيّ بيننا نعيشه اليوم ,أشيرُ الى (الإسلامويين) المهاجرين الى الغرب (الكافر) ,أسأل وأغصُّ بسؤالي :هل كانوا ليبقوا وسطيين مُسالمين كما يعتبرون أنفسهم ,لو كانت القوّة والسُلطة في أيديهم؟
أم أنّ (داعش) ستكون الصورة الغالبة لمعظمهم؟
كيف يريدون إقناعنا بوسطيّة (الإسلام السياسي) ,في الوقت الذي نرى قطع الرؤوس على الشاشات يتبعها التهليل والتكبير من الكثيرين .
يعتبرون المرأة كتلة من اللحم لإستغلالها و(برقعتها) ,والإنتفاع بها لتوفير ذريّة صالحة حسب طريقتهم .يجوز حتى مضاجعتها بعد وفاتها على سبيل الوداع!
كيف نصدّق وسطيّة (الإسلامويين) ,إذا كانوا يتدخلون في جميع تفاصيل حياتنا ويصدرون فتاوي القتل والتكفير حتى لداعية إسلامي مثل (إسلام بحيري) كونه يدعو لتنظيف التراث المتخلف ممّا يخالف العقل والفطرة الإنسانية السليمة؟
***
ماذا يقول الزاوي عن الوسطيّة:
المفكر الجزائري (أمين الزاوي) صريح غالباً ,يضع الكلمات في سياقها ,يعرض وينقد الواقع كما يراه ,بهدف النهوض ومشاركة الشعوب العربية (والمغاربيّة يضيف دوماً للتفريق) في الحضارة الإنسانية العالمية!
مقاله عن هذا الموضوع (الرابط أدناه) ,جدير أن يُقرأ ويعاد نشره مراراً ليصل الى الجميع!
يقول : الوسطيّة تُعد آلة جهنميّة ,لإنتاج ثقافةِ الخنوع ,الذي يرتدي ثوبَ الإحترام الزائف حيال السياسي والفقيه والمثقف!
يقول : في الفكر النقدي المؤسس على رؤية فلسفية عقلانية لا توجد منطقة رمادية .جميع المناطق يجب أن تكون مُضاءة تحت الشمس ,بألوانها المُختلفة المتميزة!
يقول : الإختلاف هو الأصل في التفكير الإنساني الحُر الفاعل الإيجابي ,لأنّ الحقيقة مُتعددة ,وزوايا النظر إلى الأمور مُختلفة ومتعامدة .نعم الإختلاف هو أصل الحياة المشتركة!
يقول : ظهرت الوسطية كطريق لجرّ الفكر العقلاني نحو التلفيق والترقيع والتمويه .الوسطية هي توأم التلفيقيّة ,تعتصم الجماعات والأفراد بها كآليّة لستر مرض الإنتهازيّة .بهذا فالوسطيّة هي أيضاً أخت الإنتهازية الناعمة ,هي ذرُّ الرمادِ في عيونِ العوام!
يقول : الوسطيّة هي التوّجس الكبير من قولِ الحقيقة كما يراها العقل في مرحلة زمنية معينة .إنّها الوسيلة لإقناع القطيع بطمأنينة كاذبة خادعة ,سياسية كانت أو إجتماعية أو دينية .هي إسعادٌ للدماغ الكسول وبهجةٌ للخمولِ الفردي والجمعي!
الوسطية هي إغتيال القناعة الفكرية!
هي مصرع السؤال المُحرِج الذي يَحفر في المناطق الخطرة والممنوعة!
هي جمع ما لا يجتمع في طبخة لا طعم لها ,ولا رائحة!
هي الموقف الثقافي لمن لا موقف له!
هي التخندق السياسي لمن لا خندقَ له!
هي الرأيّ الديني لمن لا رأي له!
الوسطية ليست مُحاربة التطرّف كما يروّج لذلك حُراس معبدها ,إنّها حربٌ باردة ضدّ النقاش الجاد وصراع الأفكار المُثمر!
تحت قناعِ المحافظة على الوطن والحفاظ على الأمن والإستقرار ,وما إلى ذلك من بلاغةِ التدجين السياسي والتدين المظهري ,تمارس (الوسطيّة) وأنصارها إستخفافاً بالوضوح الفاعل وفرض (الرمادي) في الحوار والسلوك واللغة!
الوسطية هي دفنُ رأس العقلِ في رمالِ المتاهة ,هي ليست المُناقض للتطرف .
إنّها الإكتفاء بكنس التطرف تحت السجاد!
الوسطية هي أكبر كذبة فكرية مُعمرة في تأريخ الفكر العربي .يصدقها المثقف والسياسي ورجل الدين .يصدقها المثقف الإنتهازي والسياسي الذي لا يؤمن بفكر التناوب ,ورجل الدين الذي يسعى لخدمة السلطان مهما كان لونه وفكره!
الوسطية أخطر على صحة الفكر وسلامة البلد ,لأنّها تؤجل ما يجب القيام به اليوم ,إلى غدٍ لا يجيء!
هي مثل رجال المطافئ تلقي بالماء على النار لكنّها تنسى أنّ التاريخ مثل العنقاء يقوم من رمادهِ!   
الوسطية هي (فلاحة الخوف) في النفوس ,الخوف من الفكر الواضح الجريء, فهي تؤلب المواطن البسيط الساذج ضدّ كل من يقف مدافعاً عن مصالحه بتلفيق تُهم ونعوت تلحق به!
الوسطية تشيطن المختلف الواضح الذي يعيش بيننا وتصوره كائناً يريد الفتنة!
تُخوّن الوطني الناقد وتُقدّمه بشكلِ عدو يجب عزله!
تُكفّر المؤمن الذي يُعمل العقل في إيمانه ,ويرفض العقيدة بالوراثة كما يرفض التوريث في الخلافة!
الوسطيّة عند السياسي هي محاولة ممارسة لعبة البهلوان على الحبل .المهم التوازن كي لا يسقط .إنّها حبل النجاة للسلطة الحاكمة الآيلة للسقوط والإنهيار!
أمّا على المستوى الفلسفي ,فالفكر الصادق الجريء هو الذي يعتصم بموقعه من دون خوف أو تردد أو تلكؤ .ينحاز إلى موقف ,يبرر إنحيازه ولا يخفي قناعته. دون إدعاء إمتلاك الحقيقة المُطلقة .إنّهُ خصم الوسطية لأنه يريد أن يكون اللون الأصلي في ضمّهِ الألوان الأساسية ,بينما تكون الوسطية خلطة ألوان باهتة كاذبة غير منسجمة ولا متناغمة!
كلّما تحرّرَ السياسي والمثقف النقدي ورجل الدين من الوسطية ,وتعاملوا بصدقٍ وشفافية وإنسجام مع مواقفهم ,تمّكن المجتمع من التقدم بثبات ,وأصبحت الحياة السياسية والثقافية والدينية في صحة جيدة .مُعافاة من النفاق والمراوغة والفساد بكل أنواعهِ!
***
الخلاصة :
عندما تعني الوسطيّة في الحياة والعلاقات البشرية الإعتدال ,فهذا بالتأكيد شيء عظيم مُرحب به ,ينفع القائم به والآخر المقابل له .كأن يكون الإعتدال في المحبّة والبغض,فلا يتعلق المرء بالآخر لدرجة الجنون ,ولا يتجاهله لدرجة التحقير!
الإعتدال في الكرم بين البُخل والإسراف .الإعتدال في الشجاعة بين الجُبن والتهوّر .الإعتدال في تقدير الذات بين الفرح والفخر والغرور المكروه .
وهكذا في باقي اُمور الحياة بما فيها الأكل والشرب والجنس وماشابه!
هذه وسطيّة مطلوبة مفيدة نافعة للمجتمع!
أمّا الوسطيّة التي تحدّث عنها (الزاوي) لدى الساسة والفقهاء والمتحدثين ,
فهي سلبية ,شماعة ,صورة للكذب والدجل والنفاق والرقص على الحبال!
***
الرابط :
مقال أمين الزاوي في الإنديبيندنت العربية / الوسطيّة خطر على الفكر النقدي!
https://www.independentarabia.com/node/381321/%D8%A2%D8%B1%D8%A7%D8%A1/%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D8%A9-%D8%AE%D8%B7%D8%B1-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%83%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%82%D8%AF%D9%8A

رعد الحافظ
15 أكتوبر 2022