المحرر موضوع: قصة لوحة شجرة اليوكالبتوس  (زيارة 562 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل بولص آدم

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1185
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني



قصة لوحة شجرة اليوكالبتوس

  بولص آدم

.. بموازاة عراق ينزف تحت سياط الجلد على يد الظالمين والفاسدين، نَزَفَ زهوراَ عراقية مُرَمّمة، ربط سيقانها المُكتسحة بأربطة المعجزة وأحياها بالعزف اللوني لفرشاة الأمل، فمن ذا الذي غيره آمن بخلاص بلاده بالفن و خَلّد الشهداء بالفن وعلم الأطفال والكبار المحبة بالفن وصبح ومَسّى على النهرين بالفن؟ ومن ذا الذي غيره راسم أغلفة عشرات المؤلفات الأدبية العراقية؟.. بدأ بالتجريد والبحث عن الجوهر وودع بالنص البصري، شاعرا في التخطيط، حالماً في المائية، آثارياً سارداً يستخرج الدهشة من رحم المفاجأة في الزيت..غزيرا كان في محبته وانعكس ذلك في فنه. بدأ يرسم مثل الكبار وأنتهى فناناً عالمياً مغموراً! أرسل للعرض عالمياً، لوحات يتربع أسم العراق على عرشها، إنه الفنان التشكيلي العراقي لوثر إيشو آدم، إبن قرية ديري العراقية (1955-2011) التي ووري الثرى فيها أيضاً تحت شجرة البلوط إلى جوار أبيه (أرسم ياولدي شتلة اليوكالبتوس التي زرعتُها للتو. – نعم يا بابا، سأرسمها عندما كلانا يكبر!) رحل الوالد مع بدء الحرب الثمانية بعمر مبكر مثل أبنه الفنان تماماً. رسام اليوكالبتوس في أواخر سنوات الحصارعلى عراقنا، الشجرة يبست من العطش، سقاها فناننا الراحل لوناً وقال (الفن صناعة المستحيل).. فجر الثامن عشر من حزيران 2011 رحل بالسكتة القلبية، راهب فن صومعته فضاء العراق، آخر كلماته رحمه الله : هواء.. هواء.. ه…
 عندما عندنا الى الموصل من اربيل، في شتاء 1969، بدأنا السكن في دور السكك كالعادة، شتل ابي في حديقتنا الخلفية شتلتي يوكالبتوس طريتين بقامة رجل، كل منها بمحاذات الممشى الى الباب الخارجي، واحدة منها لم يُكتب لها الحياة، فعند تنضيف المدفأة علاء الدين، تسرب الغيروسين اليها وجفت بلاتعمد .. اما الشجرة الأخرى فقد كبرت العائلة معها وهي سجل طبيعي لكل ماعشناه في ذلك البيت لأعوام طويلة.. ارتفعت الشجرة بعلو غير اعتيادي حقيقة، وكانت الأوراق الجافة تسقط بغزارة في حوش البيت الشرقي.. تلك الباسقة المتباهية بجذعها الصلد واغصانها المعطرة بالورق الزيتي لليوكالبتوس، كانت واحدة من ضحايا الحصار على العراق ولشحة المياه وكون ماء الشرب نفسه صار يُجمع بصعوبة، فقد ضرب الجفاف شجرتنا العزيزة.. لكن اغصاناً ووريقات خضراء ظلت صامدة تشهد على ان الأمل يتضائل لكنه لايموت، في نهاية التسعينيات رسمها الراحل لوثر وها هي لوحة اليوكالبتوس التي تمنى الأب أن يرسمها الأبن عندما يكبر وتكبر معه الشجرة!