الاخوة القرّاء الكرام
ردّا على من يعتبر نفسه باحثاً في كريستولوجي كنيسة المشرق. الذي لايُجيد اللغة السريانية واليونانية وبيئَتَيهما، اضافة الى بيئة كنيسة المشرق قبل ١٦٠٠ سنة، لا يمكن له ان يكتب في الكريستولوجي، لماذا ؟؟ التوضيح في أدناه:
مايلي مقتبس من مقالة البطريرك الكردينال مار ساكو: كنيسة المشرق ليست نسطورية !!
كريستولوجيا كنيسة المشرق (7)
الكريستولوجيا Christology (الكلام اللاهوتي عن المسيح) مرتبطة أساسا بالإيمان بالمسيح" الألف والياء، والبداية والنهاية" (رؤيا 22/13). وعندما نقول المسيح نعني شخصه الكامل الذي فيه تتحقق وحدة الجنس البشري والخلاص.
كريستولوجيا كنيسة المشرق كتابيَّة معبرة ومفهومة، وليس فيها مغالاة، وتشجع المؤمن على تحقيقها، وبإمكانها أن تغدو معاصرة إذا اجري عليها بعض ترتيبات، وادخل إليها بعض مصطلحات حديثة ملائمة. إنها كرستولوجيا الأناجيل الإزائية (متى ومرقس ولوقا) ذات الاتجاه التصاعدي: من الإنسان إلى الله على عكس الاتجاه الإسكندري التنازلي من الإله إلى الإنسان، نسبة إلى الكلمة logos كما جاء في مقدمة إنجيل يوحنا. هذه الكريستولوجيا تبناها مجمعا بيث لافاط (484) وساليق- قطيسفون (486). هذه الكنيسة وجدت قبل نسطوريوس بزمن طويل، ولم تبنِ عقيدتها على كتاباته.
كنيسة المشرق (ونسطوريوس) تؤمن بشخص واحد في المسيح، هو ابن الله الوحيد، ولا تؤمن بشخصين منفصلين. وإسناد مذهب ازدواجية الشخص إلى كنيسة الشرق خاطئ ومضحك! فذكر "طبيعتين" أو "اقنومين" إلهية وإنسانية في المسيح مقرون دوما بذكر “الشخص الواحد- يسوع المسيح-، وهو نفسه موضوع العبادة والسجود. اذاً مشكلة الكريستولوجية المشرقية تكمن في اللغة والمصطلحات، التي ترجمت كمرادفات للمصطلحات اليونانية واللاتينية. وهذا خطأ مبين!
ينظر الآباء المشرقيون الى المسيح، ابن الله، نظرة خلاصية- التدبير-، نابعة من واقع خبرتهم الشخصية وليس من نظرة فلسفية ما ورائية. هذا الخلاص أساسي وهو تصميم الهيٌّ. ونقطة الانطلاق والركز فيه هو المسيح، إلى حدٍّ سمّوه شخص التدبير (باباي الكبير).
افراهاط الحكيم 370-34: "نسجد للمسيح لأننا نؤمن بان الله حاضر فيه" (البينة 17/6). والتجسد لا يعني تقمصاً، "انما يصير الله إنساناً ليرتقي به اليه" (البينة 23(/50).
مار افرام 306-373: شارحًا نص الرسالة الى فيليبي (1/15) يقول: "إنه صورة حقيقية للآب، ومساو له ومولود منه، وليس له من إرادة سوى إرادة الآب" (الكنيسة 27/9) " ولبس جسداً ليضمنا إلى ما هو له " (الميلاد 21/12).
اللاهوتي باباي الكبير (550-628): لقد قدم باباي الكبير رسميا كريستولوجيا كنيسة المشرق في كتابه (الاتحاد)(
. يقول: “ثمة طبيعتان إلهية وإنسانية متحدتان في المسيح. ولذلك لا يوجد سوى ابن واحد وشخص واحد في الاتحاد.. كلمة الله متساو مع الآب، وبسبب الاتحاد تسمى مريم الطوباوية أم الله وأم الإنسان، أم الإنسان وفقًا لطبيعة خاصة بها، وأم الله بسبب الاتحاد الذي كان لديه مع إنسانيته… ولأن اسم "المسيح" يشير إلى طبيعتيه في حالة الاتحاد [أي الله كلمة] بالوهيته وإنسانيته، والكتاب المقدس يقول أن مريم الطوباوية ولدت "المسيح"، وليس ابن الله بطريقة متفرقة، وهو ليس مجرد إنسان مفصول عن الله الكلمة"(9).
في الواقع ان الخلاف هو في سوء فهم تبادل الصفات idiomatum Communicatio أي تعيين كل فعل لأي طبيعة يتصل: أن يقال ان "الله تألم وصلب" فالصلب والألم لا يتماشيان تعبيريا الا مع الطبيعة البشرية فقط، وصعوبة تسمية Théotokos العذراء (والدة الله) لأنها والدة الإنسان يسوع المسيح ابن الله.
شهادة لاهوتيين سريانيين ارثوذكسيين:
علي بن داود الارفادي وهو من القرن الحادي عشر:" فلما وجدت هذا الاختلاف حول اتحاد لاهوت المسيح سيدنا بناسوته، الذي فرق بينهم_ النساطرة واليعاقبة والملكية – وهو الذي ميز بعضهم من بعض.. نظرت في ذلك بحقيقة النظر دون الهوى والعصبية. فلم أجد في ذلك فرقاً بينهم في حال من الأحوال. وذلك انهم اجتمعوا على تصحيح لاهوت المسيح سيدنا، وأقروا باتحاده وانه لا انفصال بين اللاهوت والناسوت (10).
ابن العبري اللاهوتي الكبير، مفريان كنيسة السريان الأرثوذكس في القرن الثالث عشر: "ان النساطرة، واليعاقبة والخلقدونيين يتقاتلون فقط لتسمية "الاتحاد" ولكن تعليمهم عن الثالوث والحفاظ على الطبيعتين للمسيح من دون خلط واحد" (11). ثمة نحو عشرين مقالة تقول الشيء نفسه (12).
مجامع كنيسة المشرق
مجمع اسحق سنة 410: “نؤمن بالربّ يسوع المسيح، ابن الله الوحيد، المولود من الآب، أي من نفس جوهر الآب، إله من إله، نور من نور، إله حق من إله حق… من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا صار إنسانًا" (13).
ومجمع أقاق سنة 486: "إذا لم يصن أحد شخص مخلصنا الواحد بالاعتراف بأنه إله كامل وإنسان كامل، فليكن محروما" (14).
ومجمع يوسف (554) يؤكد وحدة الشخص:" كل من يعتقد بوجود مسيحين، أو إبنين، لأيّ سببٍ كان، أو يدخل بأي شكل من الأشكال رباعية الأشخاص في (الثالوث)، فليكن محرومًا" (15).
واجتماع سنة 612 الذي دار بين لاهوتيين من كنيسة المشرق ولاهوتيين من كنيسة السريان الارثوذكس امام كسرى انوشروان. عبًّرَ المشارقة عن عقيدتهم بهذه الكلمات: "لهذا نحن نؤمن بقلبنا ونعترف على شفاهنا أن الرب يسوع المسيح ابن الله الذي لا تختلط الوهيته ولا تزول انسانيته، بل هو الله كامل وإنسان كامل"(16)..
ويشرح ايشوعياب الجدالي (توفي 646) ما يسمّى في اللاهوت بتبادل الصفات Communicatio idiomatum))، أي أننا ننسب إلى شخص المسيح ما هو خاص بإحدى طبيعتيه، وإن كانت هذه النسبة لا تقوم على المستوى نفسه، لكن الفاعل – الأنا هو واحد: " أما المسيح فمنذ الحبل به، اتحد لاهوته بناسوته، واستقبل الناسوت اللاهوت من دونما انتقال.. واتحدت الطبيعتان اتحاداً وثيقاً في الشخص، وكل الآلام التي تخص البشرية طبيعيا تنسب إلى الشخص الواحد، ومنذ ذلك الوقت والى الأبد تظهر الطبيعة الواحدة في الثانية من دون تحول. وكلما شاهدنا بشرية ربنا، إن كان في الرحم أو في المغارة، أو في نهر الأردن.. في القبر أو ناهضا وسط التلاميذ، نفهم انه واحد، وان لاهوته معه. كذلك عندما نتكلم عن لاهوته فنقول في حضن الاب، او جاء الى العالم.. اننا نجد ناسوته معه. وعموما كل الالام التي تخص البشرية طبيعيا – من دون ان يحصل تغيير في الالوهية- كيف يمكن نسبها الى الالوهية من دون ان يصير انسانا؟ كذلك الصفات السامية التي تخص الالوهية كيف يمكن نسبها الى البشرية لو لم يتجسد الشخص الإلهي "(17).
كذلك ثمة ترتيلة جميلة في الحوذرا(الصلاة الطقسية- ) لعيد ميلاد المسيح تفسر تماما تبادل الصفات: "من كان من البداية في حضن الآب، هو الله الحقيقي الذي جاء إلينا في ملء الزمن وتجسد وصار إنسانا كاملا.. "(18).
وقد أظهر الحوار المسكوني بين كنيسة المشرق الأشورية والكنيسة الكاثوليكية أن الايمان مشترك فيما يتعلق بالمسيح، ابن الله الوحيد، وان وجه الخلاف هو لغوي- تعبيري فلسفي.. شخص المسيح (– شخص التدبير- كما قال باباي الكبير) هو الأساس.
ومن منطلق هذا اللاهوت التدبيري الكريستولوجي يغدو المسيح، بالنسبة للمؤمن المشرقي قدوة، في طريق الألم والموت والانبعاث في جو من المجد والنور والفرح. هذا اللاهوت قد ساعد الكنيسة الكاثوليكية الرومانية والكنيسة الآشورية في الشرق على إصدار البيان الكريستولوجي المشترك الذي وقعه البابا يوحنا بولس الثاني والبطريرك مار دنحا الرابع في روما بتاريخ 22 تشرين الثاني 1994.
"إن كلمة الله" الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس، تجسد بقوة الروح القدس، متخذاً من مريم العذراء القديسة، جسدا حيا بنفس ناطقة، متحدا معه بنوع غير قابل الانفصام منذ لحظة الحبل به. لهذا فان سيدنا يسوع المسيح، هو اله حق وانسان حق كامل، في لاهوته، وكامل في ناسوته، واحد في الجوهر مع الاب، وواحد معنا في كل شيء، عدا الخطيئة. ان لاهوته وناسوته متحدان في شخص واحد، بلا بلبلة ولا تغيير، دون انقسام ولا انفصال. حفظ التمايز فيه بين الطبيعتين الالهية والبشرية. مع كل خواصهما وقواهما وافعالهما، دون ان يكون ((واحدا أو أخر)) فان اللاهوت والناسوت هما متحدان في ذات شخص ابن الله الوحيد، والرب يسوع المسيح، الذي هو موضوع سجود واحد. لذا فان المسيح ليس انسانا اعتياديا، تبناه الله ليحل فيه ويلهمه، كما في الابرار والانبياء. لكن الله نفسه، الكلمة المولود من ابيه قبل كل الدهور، دون بداية حسب لاهوته، ولد من ام بلا اب، في الازمنة الاخيرة حسب ناسوته. ان البشرية التي ولدتها العذراء المباركة مريم، ((كأم المسيح الهنا ومخلصنا)). وعلى ضوء الإيمان نفسه، يصلي التقليد الكاثوليكي الى العذراء مريم ((كأم الله)) وأيضا كأم المسيح" (19)
وعلى وجه الدقة بعد ألف وخمسمائة سنة، اعترفت الكنيسة الكاثوليكية في شخص البابا بصحة مصطلح "كريستوتوكوس- ام المسيح"، والذي استخدمته كنيسة المشرق على مدى قرون وكان مجمع أفسس 431 قد رفضه!
4. تحديد المصطلحات اللاهوتية (20)
انصب اهتمام الآباء على شرح لرعاياهم، الوحدة التامة بين الإلهي والإنساني، بين الكلمة والإنسان يسوع، والتمييز بينهما، لذلك ابتكروا أسلوبا system تقنيًّا يصون وحدة الحقيقتين ويميزهما في آن معا.
1 – كيان، هو فكرة مجردة عائمة، أي السمات المشتركة التي نصف بها طبيعة ما، مثلا الطبيعة البشرية. وهي واحدة مشتركة بين بطرس وبولس، ولهذا السبب يسمونها: اي الجوهر العام.
2 – اقنوم، هو المفهوم الخاص بالكائن في ذاتيِّته الفرديّة، أي في كيانه العميق، فاقنوم بولس يختلف عن اقنوم بطرس، لذا سموه أي الجوهر الفرد. وفي السياق المسيحاني المشرقي يكون الاقنوم اقرب الى الطبيعة منه الى الشخص، تماما عكس السياق الغربي حيث يرادف الأقنوم الشخص. وفي هذا الصدد يقول البطريرك ايشوعياب الثالث الحديابي (توفي 659) في رسالته الى سهدونا:" كيف تجرو على خلط لفظة " شخص – بلفطة اقنوم.. ان الشخص هو الذي يبلور الاقنوم. وان الاقنوم لا يحتوي على معنى آخر غير الطبيعة" (21).
3 – Prosopon لفظة يونانية متسرينة، تعني القناع الذي يلبسه الممثل المسرحي كي يظهر فيه الدلائل الخاصة المتميزة للشخص الذي يمثله. الشخص أو الوجه- لا يعني الهيئة الظاهرة فحسب، بل الصفات الأساسية "الجوهر غير المنظور" التي بها يظهر الفرد "الانا" للخارج واليه تنسب كل الأفعال. كما استعملوا لفظة ، – الوجه، اي المظهر الخارجي الذي يميزه عن غيره، ولفظة (Schema – الشكل) أي ما تراه العين للدلالة على لحم وجسد المسيح الواحد.
وفقًا لهذا المنهج، يكون للمسيح طبيعتان واقنومان وشخص واحد، يتم من خلاله تبادل خواص الطبيعتين: البشرية والإلهية معًا. والوحدة فيه ليست كونفدرالية ولا أدبية، بل جوهرية، ويحتفظ كل أقنوم بخواصه الطبيعية ، يتم تبادلها من خلال الشخص الواحد: شخص الابن -الكلمة، في حين إستعمل اللاهوتيون السريان الأرثوذكس مصطلح: طبيعة وأقنوم hypostasis بالمعنى الواحد نفسه (22)، بينما استعمل الغربيون الكاثوليك أقنوم hypostasis وشخصprosopon كمرادفين.
وبخصوص الثالوث الأقدس استخدم المشرقيون مصطلح "الاقنوم" بدل "الشخص" لملاءمته.
4. الخاتمة
الروحانية المشرقية (23) مبنية على تدبير الخلاص "oikonomia الذي رأسه يسوع المسيح، ويتحقق في الكنيسة(الجماعة) ومن ثمّ في نفس الإنسان المؤمن. ويتم هذه التطابق خصوصا من خلال السنة الطقسية، حيث تعرض علينا مراحل تاريخ الخلاص المختلفة من البشارة إلى تقديس الكنيسة بشكل واقعي وعملـي (المعنى اللاهوتي والأخلاقي) ويتكلل تدريجيا بتقديس الكنيسة (البعد الأواخري)، ومن خلال التأمّل المستمر، شخصيًا وجماعيًا، في سرّ المسيح، يسعى المؤمن المشرقي ان يأخذ شيئا من المسيح ويضعه عليه حتى يندمج فيه. إنه برنامج تنشئة على التفكير والتأمل في المواضيع الأساسية والمصيرية المكوِّنة للجماعة المسيحية ووعيها لسرّ دعوتها، وتوجّه صلاتها ومسيرتها.
مسيحية من دون خبرة صوفية – روحية لا طعم فيها. كل مسيحي يلزم أن يكون له شيء من الخبرة الصوفية التي ليست حالة إستثنائية، بل على الكلّ ان يختبروها. من هذا المنطلق يضع طقسنا المشرقي قنديلاً مشتعلاً في وسط الهيكل ليسلّط الضوء على مائدتي الافخارستيا والكتاب المقدس، اي على المسيح لنكرمه ونقتدي به.