المحرر موضوع: لا عُمرَ مفتوحا للعملاء  (زيارة 599 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31668
    • مشاهدة الملف الشخصي
لا عُمرَ مفتوحا للعملاء
« في: 16:43 03/01/2023 »
لا عُمرَ مفتوحا للعملاء
نظرية إدارة العملاء المحليين بغض النظر عن هويتهم أو مرجعيتهم السياسية لها قواعد وممارسات وأخلاقيات شاذة تعتمد السرية الشبيهة بتقاليد المافيا في إدارة أتباعها وتصريف مهماتهم لحين انتهاء صلاحيات أعمالهم.
العرب

العملاء المحليون مرعوبون من مصير مفاجئ مجهول
حين يختفي أو يتراجع عن الساحة رجال المبادئ والمسؤوليات التاريخية في الفترات الحرجة والمصيرية للأمم والشعوب، كالتي مر بها بصورة غير مسبوقة العراق من انهيار بسبب الغزو المركب، تتراجع أدوار القيم الوطنية لغياب أصحابها بالقتل أو السجن أو التغييب، وتحضر بدراما كارثية من المأساة العامة خسة ورخص أدوار العملاء والخونة والجواسيس، بتقاليد وطقوس تبدو غريبة ومفاجئة للحياة الاجتماعية والسياسية للبلد. وتصبح تأثيراتها خطيرة في حرف الحياة العامة وتحويل فعالياتها إلى رابح وخاسر، بين مجاميع نفعية محدودة غريبة ليس في المظاهر المادية ومؤسساتها النفعية إنما تنتقل إلى الاستهداف الأخلاقي والقيمي.

هذه من أبرز المخاطر التي يشكلها العملاء حين توفر لهم فرص إدارة الشؤون العامة في البلاد مثلما يحصل فعليا في العراق بعد 2003.

نظرية إدارة العملاء المحليين، بغض النظر عن هوياتهم أو مرجعياتهم السياسية، لها قواعد وممارسات وأخلاقيات شاذة، تعتمد السرّية الشبيهة بتقاليد المافيا في إدارة أتباعها وتصريف مهماتهم لحين انتهاء صلاحيات أعمالهم.

◙ المؤشرات الخارجية لردود أفعال العملاء العراقيين لا تشير إلى استغاثات ذاتية حادة حتى على سبل المناورة التي يفتقدها من يسمون أنفسهم سياسيين حكاما في بغداد

من أهم تلك القواعد اعتماد وسائل الحفاظ على سلامة العملاء، صغارا أم كبارا، طوال فترة شغلهم. هذه الميزة التي يعرفها العملاء أنفسهم، هي واحدة من أسباب راحتهم المؤقتة، وعدم اكتراثهم لما يثار ضدهم خارج محيطهم من قصص الناس، حتى وإن كانت قاسية.

الأكثر سذاجة في لعبة العميل وجود مؤشرات عبر وقائع معينة تضعه في شعور قوي بأنه يحمل صفة العميل المزدوج. ومما يزيد من آمال طول زمن حياته، أن غباءه الإرادي أو اللاإرادي الساذج يدفعه دائما للوقوع في أوهام مكانته، ليكتشف ذلك بعد أن يرميه الجانبان المُشغلان له في سلة المهملات بعد انتهاء الصلاحية.

أهم القواعد المتبعة مع العميل الكبير أو الصغير منحه هامشا من المناورة المحدودة حجما أو زمنا، رغم غيابها لدى العاملين في الشؤون السياسية خوفا من المجهول. هذا ملاحظ لدى العملاء العراقيين، وهو سبب مباشر للمظاهر الغريبة والشاذة في السلوك السياسي العراقي في الحكم. مثال ذلك: رغم أطنان الفساد والسرقة وقسوة تمريرها على الناس والعالم عبر وسائل الإعلام وحضور أسماء متورطة، لا تلاحظ ارتعاب أحد المسؤولين ولجوئه إلى القضاء للاعتراف أو لتبرئة الذمة.

للأسف، في الحالة العراقية هامش مناورة عملاء إيران محدود جدا، وقد يكون معدوما، مع أن زمن وظيفتهم الدنيئة في العمالة أمام الناس أصبح طويلا، وذلك لأسباب كثيرة من بينها سيكولوجية الراعي الإيراني وشعوره بالحرص على استمرار المكاسب المادية، وبأن عملاءه مازالوا يمتلكون فرصة الاستمرار بالخدمة حتى في حدودها الدنيا.

طالما أن المادة الحقيقية للعمالة هي تدفق الدولار من العراق إلى إيران، وهو الأهم، مازالت أعمارهم مستمرة، ولم تنته بعد لا من قبلهم مباشرة، ولا لظروف خارجية محيطة، رغم أن نهايتها باتت قريبة بسبب الحالة الشعبية الثورية الإيرانية المتصاعدة. تبدو هذه الظروف الميدانية الجديدة واحدة من أهم عوامل القلق لدى مسؤولي العملاء في واشنطن وطهران.

يواجه رعاة العملاء المحليين انكشاف الكثير من الأغطية أهمها فضائح السرقات الكبرى لعملائهم، لكن المهم لأصحاب الشأن استمرارها، رغم اقترانها بحالات القلق على المستقبل الذي يحسب في بعض الظروف بالأشهر والأيام. وبسبب سذاجة العميل وتفكيره بما يجلبه له يومه المالي لا يقلق ولا يبادر لوضع حلول طوارئ تجاهها، ولا يكترث لمظاهرها المخزية، فهي من اختصاص الأسياد الذين يعيشون حاليا في ظروف غير طبيعية قاسية. مع ذلك مازالت لدى مسؤولي العملاء الإيرانيين القدرات للمواجهة والحماية قبل تصرف العملاء الشنيع وهو الانقلاب على الراعي والهزيمة بأقل الأثمان.

◙ رغم أطنان الفساد والسرقة وقسوة تمريرها على الناس والعالم عبر وسائل الإعلام وحضور أسماء متورطة، لا تلاحظ ارتعاب أحد المسؤولين ولجوئه إلى القضاء للاعتراف أو لتبرئة الذمة

حكام العراق ليسوا بحاجة إلى إنذارات، حتى ممن يعتبرون أنفسهم أوصياء على مال الشعب العراقي من واردات النفط، لأن مثلها توجه لأصحاب الغفلة وعدم الذكاء وأصحاب قيم الاتعاظ بالنصيحة. حكام العراق الفاسدون منهم وغيرهم لديهم قناعات رسختها تجاربهم الأولى في سلطة 2003 أن قناة النصائح والإرشادات تأتي من مصدر واحد لا غير، عُجن بعناية فائقة بموروثات مذهبية لاهوتية مزيفة ليست غبية، أصحابها الحقيقيون جهزوها بذكاء وخبث ولم يكترثوا بنتائجها على المواطن العراقي، فلعبة سلامة العميل لكي يواصل الخدمة في المقدمة.

هذا الحائط الذي بناه المسؤولون من ممانعة قبول النصيحة أو الإنذار بعواقب المقبل من الأيام، مهما كان قاسيا، لن يصل إلى المساس بجدار الحماية المالي. لقد أثبتت لهم عشرون سنة صحة فكرتهم. الأسباب الحقيقية وراء ذلك بعضها عراقي يتعلق بمزاج ونفسية غالبية أبناء الشعب العراقي المبهمة تجاه أخطار أكثرها قسوة الحرمان من مقومات الحياة الإنسانية، وبعضها الآخر يتعلق بسلوك الرعاية الزائدة من ولاتهم.

المؤشرات الخارجية لردود أفعال العملاء العراقيين لا تشير إلى استغاثات ذاتية حادة، أسباب ذلك قد تكون عدم وصول الحالة إلى حد الانهيار والاستنجاد بالذات، أو أنها قد تكون لعبة خبيثة دائما ما يلجأ إليها الكبار لإبقاء المصالح والمنافع مستمرة.

العملاء المحليون مهما أضفى عليهم الحكم وسلطته حاليا من مظاهر القوة الشكلية؛ أمن، مخابرات، ميليشيات، إلا أنهم مرعوبون من مصير مفاجئ مجهول بعد انتهاء صلاحياتهم القريبة جدا. ويقنعون أنفسهم بأن خصومهم داخل محيطهم، حتى المتضررين من وظيفتهم وهم بالملايين، لا يعرفون شيئا عما اقترفوه من خيانات وضيعة تستحق عقاب الخيانة والعمالة. يعتقدون وهما وسذاجة أن النهاية سهلة، تنتهي بإسدال الستار على عهد، حتى لو اكتسب أوصافا سيئة، لكنها باعتقادهم المريض رحلة وتجربة انتهت وبدء مرحلة جديدة، وعفا الله عما سلف، سيتناسون بعدها مجازا حتى مثال تراث ما سمي باجتثاث البعث، الذي ألغى المواطنة العراقية لمئات الآلاف من العراقيين الأبرياء بسبب مكائدهم وحقدهم على العراقيين وكرههم لهم.

◙ الأكثر سذاجة في لعبة العميل وجود مؤشرات عبر وقائع معينة تضعه في شعور قوي بأنه يحمل صفة العميل المزدوج

ولكن، في ظل الظروف القاسية التي يمر بها حاليا نظام طهران، هل ظلت لديه قدرات للمناورة مع الأميركان، ليس لحماية عملائه الذين اقتربت نهايتهم، إنما لبقاء تدفق ما يمكن من الأموال إليهم؟ وهل إدارة واشنطن الحالية انتقلت حقيقة إلى مناخ قرارات جريئة لحماية المصالح الأميركية قبل مصالح العراقيين، أم أنها لعبة من الألاعيب السياسية الخبيثة للرئيس بايدن؟ هذا يتوقف على ما سنراه خلال الأيام المقبلة.

المؤشرات الخارجية لردود أفعال العملاء العراقيين لا تشير إلى استغاثات ذاتية حادة حتى على سبل المناورة التي يفتقدها من يسمون أنفسهم سياسيين حكاما في بغداد. أسباب ذلك قد تكون عدم وصول الحالة إلى حالة الانهيار للاستنجاد بالذات، أو قد تكون لعبة خبيثة من أسيادهم لحجب الحقائق وإبعاد هول الصدمة، دائما ما يلجأ إليها الكبار لإبقاء المصالح والمنافع مستمرة.

نشك في ظل الظروف القاسية التي يمر بها نظام طهران، أن تكون قد بقيت لديه قدرات عالية على المناورة مع الأميركان، تضمن حماية عملائهم الذين اقتربت نهايتهم. مع ذلك، اللعبة الأميركية الحالية لا تهتم بدرجة صلات العملاء العراقيين بطهران. بالنسبة إلى واشنطن تجربة التعاطي مع العملاء تحتفظ بتاريخ مشين ورخيص، ولا يهمها أن تلتقط أرخصهم من أوحال وساخة الفساد وتحوله إلى سياسي جديد ليواصل مهمة إهانة العراقيين وتجويع أطفالهم.