المحرر موضوع: الحلقة الثالثة والاخيرة... إنه زمن الصدقة  (زيارة 510 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل المونسـنيور بيوس قاشا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 242
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الحلقة الثالثة والاخيرة... إنه زمن الصدقة
بقلم/ المونسنيور د. بيوس قاشا
   يقول الرب يسوع "احترزوا من أن تصنعوا صدقتكم قدّام الناس... فمتى صنعتَ صدقة فلا تصوّت قدّامك بالبوق... بل لا تعرّف شمالك ما تفعل يمينك لكي تكون صدقتك في الخفاء فأبوك الذي يرى في الخفاء هو يجازيك علانية" (متى 1:6). نعم، إن الصوم والصلاة والصدقة، المعروفة بهذه الكلمـــــــات الثـــــــلاث
المتكاملة والتي تبدأ بحرف (الصاد) تمثّل ركائز الاتّزان الإنساني والروحي من خلال العلاقات الثلاثة المتكاملة في علاقة الإنسان بأخيه الإنسان من خلال الصدقة، وعلاقة الله بالإنسان من خلال الصلاة، وعلاقة الإنسان مع ذاته من خلال الصوم.
   فإذا ما ضاعت البوصلة الحقيقية وأخفق الإنسان بإحدى هذه العلاقات ضاع إتّزانه بل مشروع قداسته وسيرته، فالقديس أوغسطينوس عبّر عن الترابط بين الصدقة والصلاة والصوم قائلاً "إذا تريد أن تصعد صلاتك إلى السماء فامنحها جناحين هما الصوم والصدقة".
   فالصدقة المطلوبة ليست عطاءً سطحياً لبعض الماديات والأموال إنما هي عمل "رحمة" تجاه كل محتاج وأخ في الإنسانية، وهذا يجد أساسه في التعاطي الرحوم من قِبَل الرب مع كل مَن يلتجئ إليه. أما صورة النفخ بالبوق فليست إلا تفخيماً لسلوك لا يبحث عن العلاقة الحميمية مع الله إنما على تقدير من الناس. فالعلاقة في الصدقة مع الله هي نقطة الانطلاق لعمل الخير كما هي نقطة الوصول، بمعنى أن مَن يجب أن يرى هذا العمل هو الله وليس الإنسان، فسفر طوبيا يقول "تصدّق من مالك ولا تحوّل وجهك عن الفقير وحينئذٍ فوجه الرب لا يحوَّل عنك. فالصدقة تنجّي من الموت وتمحو الخطايا وتؤهّل الإنسان لنوال الرحمة والحياة الأبدية" (طوبيا8:12-9) كما قال المزمور "مَن يتصدّق يقرض الله ويكسب ثواباً عظيماً وكنزاً في السماء" (مز2:40) وأيضاً يقول سفر طوبيا "الصدقة تفتدي الخطايا وتهدئ غضب الله وتخفف الدينونة" (طوبيا7:4 و11-12). ففي الصوم والصلاة والصدقة يتجلّى انسحابي من الدنيا في الصوم وانتمائي إلى الله بالصلاة ومحبتي لقريبي بالصدقة، ففي ذلك يقول مار بولس "فإنْ حيينا أو متنا فللرب نحن" (رو7:14-8).
   أخيراً أقول: إن زمن الصوم هو زمن الصدقة بامتياز، أي أنه في العلاقة مع الآخر الذي يعيش معي في بلدي أو في بلدان أخرى، وهنا تنكشف صدق العلاقة وزيفها. فادّعاء الصلاة والصوم شيء وممارسة أعمال التقوى والمحبة الأمينة شيء آخر. فمحبة الله تكنّ عن أعمال ظاهرة وملموسة نحو قريبنا، نحو أخينا الآخر الفقير. فالمسيح الرب لم يضع لا الصلاة أولاً ولا الصوم ثانياً بل جعل الصدقة أولاً لأنها تفتش عن الآخر الذي يربط الإنسان بأخيه، ومار يوحنا يقول في رسالته الأولى "مَن كانت له خيرات الدنيا ورأى بأخيه حاجة فأغلق أحشاؤه دون أخيه فكيف تقيم فيه محبة الله" (1يو17:3).
     الخاتمة
   إن غنى الرب هو في أنه أفرغ ذاته متّخذاً صورتنا. فالملء يكون في العطاء حتى إعطاء الذات في الخروج من تأليهها للاعتراف بالآخر الذي يُغنيني بقدر ما أترك لأنطلق نحوه. لذا ما نحتاجه اليوم ليس فقط الاتّكال على قِوانا ومهاراتنا بل نلتجئ إلى الله بالكفاية وكما ينبغي مستمدّين منه النِعَم الفعّألة للقيام بمهام الحياة والدعة. فزمن الصوم هو زمن نعمة تتعمّق في معرفة وعيش هويتنا المسيحية وقيمتها وهذا ما نراه في مسيرة حياتنا. فخلال الصوم تعيش الكنيسة بعض الالتزامات في مسيرتها الداخلية والروحية ألا وهي الصلاة والصوم والصدقة وفي ذلك نتذوّق وليمة المصالحة مع العريس السماوي وبهذا نخترق كابوس الموت بشعلة الرجاء منشدين سيد الرجاء حيث لا رجاء.
   لذلك أقول: إن عمل بِرّ سواء كان صدقة أو صلاة أو صوماً لا يُمارَس بروح المحبة والتواضع يُحسب نفاقاً وباطلاً، فالذي يعمل الخير طلباً للمديح ونيل الثناء والجزاء والكرامة من الإنسان فذلك عمل باطل وسبيل للخطيئة. لذلك عليك أيها المؤمن الصادق والمسيحي الأمين والمعروف لا تجعل شمالك تعلم ما تفعل يمينك ولا أن يرى الناس أو يعلموا، ولا تخف إنْ لم يقدّموا لك الشكر والتصفيق، ولا تحزن أبداً إن لم يرفعوك عالياً على الأكفّ، ولا تغضب من ذلك إن نكروا ذلك، ومع هذا فاصنع بِرّكَ في الله ولأجل الله وحباً بالله "وأبوك الذي يرى في الخفية يجازيك" (متى4:6).
   نعم، مع النهاية أقول: كفاناً جميعاً أموراً سطحية، فارغة، ظاهرية وعقيمة، فهل تعلم أن تقوى المظاهر يمقتها ربّ السماء؟ نعم، زمننا هو زمن المتبجّحين والمتكبّرين وأصحاب المصالح، إنهم فريسيين وبكل امتياز، فالذين يصومون جسدياً يعتقدون أنهم أفضل من غيرهم ومثل هذا الصوم عبثي ولا تقبله السماء وربّها، وما صومهم إلا جوع وتوفير فقط وينسون أن التقوى الحقيقية هي الصوم عن الخطيئة ولا أكثر.