لان الفلسفة تقوم على الحواس النظروالسمع والمشاعرالداخلية في الانسان ، وهذه الحواس ضعيفة في تقيم وتقديرالحقيقة ، يقول الفيلسوف " هريوت سبنر " الحواس فى الإنسان ناقصة لا تؤدى إلى الإدراك الحقيقى إلا ما يقوم مقام الفرض الإنسانى الصرف في كثير الحالات ". .
لذلك نجد اختلاف الاراء بين فيلسوف وأخر فى أراءه ونظرياته ولذلك لا يمكن الوصول إلى حقيقة موحدة . وهذا ما جعل ( ديوجين ) الفيلسوف اليوناني أن يمسك بمصباح فى وضح النهار ولما سئل عن السبب فى هذا قال لأننى أبحث عن الحقيقة ... ؟؟؟؟؟
رابي يعكوب ابونا المحترم
هذا الكلام صحيح جدا وهناك امثلة عليه مثل اننا لا نحس بان هناك دوران للكرة الارضية... الا ان هناك مشكلة اخرى يخلقها العلم بنفسه والتي براي تعتبر مشكلة لكل التقسيمات في الاتجاهات الفلسفية التي ذكرتها انت. وهذه ساحاول بقدر امكاني بان ابسط شرحها وسابتعد عن المصطلحات المعقدة بشكل متقصد وذلك لغرض واحد وهو ان يفهم القارئ ما اقوله.
ماذا يقول العلم عن الاشياء؟
الجواب: العلم يقول بان الاشياء ترسل اشارات التي بعدها يحللها الدماغ ويعطي تفسير لها.
مثل ماذا؟
الجواب: مثلا شئ مثل البرتقالة ، فنحن عندما ننظر اليها بحواسنا ونراها بلون اصفر ، فلماذا تبدوا بلون اصفر؟ هي تبدو بلون اصفر لان هذا الشى وهو البرتقالة ترسل موجات التي تقع على العين وبعدها يحللها الدماغ ويقول بان لونها هو اصفر.
سؤال: عظيم، وما هي المشكلة في ذلك؟
الجواب: المشكلة هي ان العلم يقول بان الدماغ هو الذي يقول بان لونها هو اصفر. اذ كيف هو لون البرتقالة خارج دماغنا؟ كيف هي الحقيقة بحد ذاتها؟ كيف هي الحقيقة بغض النظر عن وجودنا؟ هذه الاسئلة هي عويصة للعلم.
سؤال: وما هي اذن التقسيمات التي ينبغي اتباعاها عند حديثنا عن التقسيمات في الفلسفة؟
الجواب: من ناحية الفلسفة النظرية العلمية التي يتم مناقشتها بين العلماء ( وانا عندما اتحدث عن العلماء فاقصد بالطبع من يقومون بوضع نظريات علمية ولهم اسماءهم المشهورة) فهم يتحدثون عن معرفة من الخارج او معرفة من الداخل، اي هل المقابل يتحدث عن المعرفة كيفما يراها الدماغ او يتحدث عن الخارج، عن الاشياء بحد ذاتها، بدوننا.
سؤال: وهل هذا يشمل فقط المثال عن اللون؟
الجواب: كلا ، يشمل كل صفة في ذلك الشئ وهو البرتقالة، فنحن عندما نلسمها بيدنا ونحس بان ملمسها ليس صلد او انها مدورة فهذه كلها عبارة عن ارسال اشارات للدماغ وهو يصفها بتلك الطريقة. فنحن عندما نتحدث عن وجود البرتقالة فنحن نتحدث عن وجودها داخل دماغنا بالصفات التي نمتلكها عنها. وما اكتبه هي ليست رفض لوجود المادة التي تعتمد على الحواس، وانما شرحي يعتمد كليا على الحواس. ولكن لماذا اختفت البرتقالة؟ لان المادية التي تعتمد كليا على الحواس وترفض اي شئ لا يمكن ادراكه بالحواس فانها تقود الى ان تختفي الاشياء ولا نعد بان نتمكن من رؤيتها.
سؤال: هل هذه المشكلة تشمل كل شئ اخر؟
الجواب: نعم ، هي تشمل كل شئ بما فيها الانسان نفسه. فانا عندما انظر الى رابي يعكوب ابونا فان هيئته ترسل اشارات الى حواسي والتي تنقلها الى دماغي ويحللها بكيف ارى رابي يعكوب. اما كيف يبدو رابي يعكوب ابونا خارج ادمغتنا فهذه لا احد يستطيع ان يعرفها.
سؤال: وما معنى ذلك؟
الجواب: معنى ذلك هو اننا اذن لا نستطيع ان نرى رابي يعكوب ابونا ولا نستطيع ان نرى البرتقال...
سؤال: وماذا بعد ذلك؟
الجواب: اذا كنا لا نستطيع ان نرى الجزء المادي من رابي يعكوب ابونا، فماذا سيتبقى منه؟ ما سيتبقى انه ذلك الانسان الذي يضحك ويتالم ويغضب ويبكي ويبتسم ، ولكن هذه ايضا لا نستطيع ان نراها ايضا.
سؤال: وماذا يعني ذلك كله؟
الجواب: ذلك يعني بما اننا لا نستطيع ان نرى رابي يعكوب ابونا ، فاننا بنفس الطريقة لا نستطيع ان نرى الرب. فالرب خلق الانسان على صورته.
وهذه اكتبها للذين ينطلقون من العلم عندما يتحدثون عن الوجود والأشياء، اذ العلم هو الذي يقول باننا لا نستطيع ان نرى اي شئ، العلم هو الذي خلق هذه المشكلة.
واخيرا اقول بان الحوار الذي كتبته اعلاه يمثل لماذا تعمقي بالعلم هو الذي قربني من الدين. فانا عندما كنت سابقا قد درست فقط ما تعلمناه في المدرسة او في الجامعات كنت بعيد جدا عن الدين، ولكني بعد ان تعمقت، وتعمقت اقصد بها بانني اصبحت الان اقراء فقط الكتب التي يكتبها مشاهير العلماء في مناظراتهم الخ، فان العلم خلق لدي الكثير من الشكوك عن ما كنت انا اعتبره حقيقة لا تقبل الشك.
الا ان المعضلة في ذلك ان الشكوك التي يخلقها العلم بنفسه ادت ايضا في ان يظهر انجاه اخر، اتجاه لا يدافع عن الحقيقة العلمية ويرفض الحقيقة الدينية، وانما اتجاه يرفض الحقيقة بحد ذاتها ويدعي بعدم وجود اية حقيقة. وهذه ما كان قد جعل البابا السابق، بابا بندكت الذي كان فيلسوف قبل ان يكون لاهوتي بان يصبح من اكثر المدافعين عن العلم وعن قدرته لكشف الحقائق، وذلك لكي لا ينهار الايمان بوجود الحقيقة بحد ذاتها.
الا ان هذا الاتجاه يعاني ايضا من معضلة اخرى وهي ان دماغ الانسان نفسه مصمم لكيف يفترض وجود المطلق. فانت عندما كتبت مقالتك فانت تعتبر كتابتك هذه عبارة عن حقيقة مطلقة. وانت تعتبرها مطلقة بانها ستبقى حقيقة الى الابد، لماذا؟ لان اذا لم تكن في المستقبل البعيد عبارة عن حقيقة فهي لن تكون في يومنا هذا عبارة عن حقيقة، فدماغنا مصمم على افتراض وجود حقيقة مطلقة ولا مجال للتخلص من ذلك.