المحرر موضوع: الكذبُ ... كذبٌ  (زيارة 338 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل المونسـنيور بيوس قاشا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 242
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الكذبُ ... كذبٌ
« في: 11:18 09/08/2023 »
الكذبُ ... كذبٌ
المونسنيور د. بيوس قاشا
يقول الله في الوصية السادسة من الوصايا العشرة "لا تكذب" ... نعم، لقد انتشر الكذب في هذا الزمان وفي كل حديث حتى كاد أن يكون بضاعة تجارية لدى البعض، وأودى بذلك إلى فقـــدان الثقــــة بيـــن مختلــــف مسمّيـــات المجتمـــع وعلــى أشكالهــــا وأنواعهــــا،
وأصبح الجميع يتعاملون بحذر لكثرة الكذّابين بل والتعامل بينهم بالكذب من أجل مصلحة ما وغاية ما. ولكن لنعلم أن قوة الله هي في قول الصدق، فالكتاب يقول "ملكوتي يطلب الصادقين لا المنافقين ولا المخادعين. شفة الصدق تثبت إلى الأبد، ولسان الكذب إنما هو إلى طرفة عين" (أمثال19:12).
ولنعلم أن الأديان تلفظ الكذب وتدين الكذّابين وتوصي بعدم التعامل معهم وتهددهم بالوعيد والعذاب، وأيضاً كل الثقافات والآيديولوجيات غير الدينية تنحو هذا المنحى في لفظ الكذب والكذابين، لأن الأخلاق إنتاج فكر إنساني يبحث عن حالة سلام وأمان وليس شرائع ساقطة من السماء، ويأتي هذا من إدراك الإنسان أن الكذب مثلاً ينال من بتضليله وغشّه وخداعه تمهيداً لاستغلاله، لذا اعتُبر الكذب سلوك قبيح يجب مقاومته لأنه يقوّض المجتمع وينال من مصالحه وسلامه فرداً أو جماعة، وينزع عن الكاذب المصداقية والثقة ليُفقده احترامه، وينصرف عن التعاطي معه على محمل الجدّ بل سيحيطه دوماً بالتوجس والشكّ، وهذا سلوك أخلاقي سيئ (ولكن هيهات).
في هذا المضمار أردتُ أن أخوض، وإنْ كان مضماراً قد استشرى في نفوس الكثيرين، أصحاب المصالح والأنانيات، فإنني أجد نفسي قد غرقتُ. ولكن عملاً بوصية الرب يسوع الذي يقول في إنجيله "ليكن كلامكم نعم نعم ولا لا وما زاد عن ذلك فهو من الشرير" (متى37:5) ففي ذلك ينهانا الرب تماماً عن الكذب "لا تكذب" (الوصية السادسة من وصايا الله العشرة) واختيار طرقه. وسأعمل أن أكون وفيّاً لأنقل للقرّاء الكرام حقيقة هذا المرض الخبيث الذي أصابنا جميعاً بل الأغلبية منّا، ويكفي لي فخراً أنْ قال لي يوماً البابا الراحل بندكتس السادس عشر في المقابلة العامة ليوم الأربعاء 11 كانون الثاني 2012 وأنا أقدم له" كتاب عن كارثة كنيسة سيدة النجاة" هدية "أنتَ شاهد للحقيقة" فقلتُ لقداسته "أية حقيقة" فقال "هذه" مشيراً إلى الكتاب وإلى حقيقة ما كُتب فيه.
فليعلم الكل أنه سيأتي الوقت الذي فيه سينكشف الكذب مهما طال الزمان فلنتّخذ إذاً من العواقب فقد ورد في سفر الأمثال "هناك ستة يبغضها الرب بل سبعة تمقتها نفسه، عينان متعاليتان، ولسان كاذب ويدان تسفكان الدم البريء وقلب يزرع أفكار الشر وقدمان تسرعان إلى المساوئ وشاهد زور ينشر الكذب ويُلقي الخصام بين الأخوة. احفظ يا ابني وصية أبيك ولا تهمل نصيحة أمّك" (أمثال16:6-20).
فالكذب يظلّ هو الكذب، وسيأتي الوقت الذي ستنكشف فيه الحقيقة بشكل جليّ (لوقا17:8). وإن كان الحق سيظهر إنْ عاجلاً أم آجلاً، فالكذب يأتي بالمزيد من الكذب والخطايا الأخرى الكثيرة، كما يخلق جواً من التذبذب والتردد وعدم الثقة والمصداقية.
فالاستقامة والصراحة والوضوح والأمانة كلها مفاتيح مهمة ومباركة إذا أردنا أن نحيا الحياة الصحيحة ثم التصميم على ضوء هذه القناعة أن يكون الإنسان حاسماً مع نفسه وألا يكذب أبداً مهما تطلّب الأمر أو الموقف الذي اجتازه، وربما حتى قد لا يكون قول الحقيقة اليوم أكثر شيوعاً من أي وقت مضى.
فالناس يحترمون الواضح والصريح، واعترافي بأخطائي وسقطاتي وضعفي سيزيد من ثقتي بنفسي ومن احترام الناس وتقديرهم لي، هذا فضلاً عن مكافأة الله وإحسانه وبركاته لي إنْ أنا كنتُ أميناً له. فالله لا يحب الكذب وهو يساعد مَن يريد أن يرضيه. من هنا مار بولس يقول لي ولكم:"اطرحوا عنكم الكذب وتكلموا بالصدق كل واحد مع قريبه لأننا بعضنا أعضاء بعض" (أفسس25:4).
لذا لنعلم أننا ما نفكر أن نخفيه اليوم أو ربما نهرب منه لا بدّ أننا سندفع ثمنه غداً، هذا هو القانون الطبيعي لا محالة. فليسأل كلٌّ منا نفسه هل تراه مستعداً لذلك اليوم الذي فيه سينكشف وينفضح فيه السر الذي عملنا أن نخفيه ربما لوقت طويل ضنّاً منا أن الأمر سينتهي؟ لذا لا يجب أن نصدق كل ما يقال ولا نحكم دون تحقيق.
لو كنا نعيش في عالم مثالي لأمكن أن نصدق كل ما يقال، ولكن ما دام الكذب موجود في العالم فيجب علينا أن نحقق وندقق قبل أن نصدق فمصدر الخبر الذي يصل إلينا قد يكون جاهلاً حقيقة الأمر أو على غير معرفة وثيقة وأكيدة بما يقول، وإنني ما دمتُ لا أحب أحداً من الناس أن يكذب عليّ فيجدر بي أنا أيضاً ألاّ أكذب على الآخرين وأن أتيقن أن الكذب لن يأتي بخير ولن يُصلح عيباً بأي حال من الأحوال. ومار بولس يقول:"لا تكذبوا بعضكم على بعض إذ خلعتم الإنسان العتيق مع أعماله" (كور9:3)، أما داود فصلّى قائلاً:"يا ربّ، نجِّ نفسي من شفاه الكذب" (مز2:120).
لذا أرجو الاعتذار من جميع القرّاء الكرام إذا ما وقعت كلمة أو فكرة لم تكن بالحسبان فجرحتْ مشاعركم فسامحوني. نعم، سامحوني فأنا لم أقصد ذلك ولكني أردتُ أن أكون بينكم كشاهد للحقيقة ليس إلا!.
فيا رب، اجعلني أقول الحق، فأنت الطريق وأنت الحق وأنت الحياة وأنت المجيب، وأنتَ الذي قلتَ "قولوا الحق وهو يحرركم" (يوحنا32:8)... نعم، قولوا الحق فهو يحرركم و"ابتعدوا عن كلام الكذب" (خروج7:23).