المحرر موضوع: الأزهر يتحدى السيسي برفض إصلاحات قانون الأحوال الشخصية  (زيارة 65 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31670
    • مشاهدة الملف الشخصي
الأزهر يتحدى السيسي برفض إصلاحات قانون الأحوال الشخصية
تعنت الأزهر ناتج عن شعوره بأنه استُبعد من المشاركة في إيجاد حل لأكبر الأزمات الأسرية المشمولة بالشرع.
العرب

صدام من أجل النفوذ
القاهرة – تترقب الأوساط السياسية في مصر ما يمكن اعتباره صداما محتدما بين الحكومة والأزهر، على خلفية رفض الأخير مشروع قانون الأحوال الشخصية الذي طالب الرئيس عبدالفتاح السيسي بسرعة إنجازه للفصل في القضايا المرتبطة بالشؤون الأسرية، على مستوى الخطبة والزواج والطلاق والنفقة وحضانة الأطفال والولاية التعليمية وحق الرؤية.

وأكد عضو اللجنة التشريعية والدستورية بمجلس النواب عاطف المغاوري أن الأزهر اعترض على مشروع قانون الأحوال الشخصية المقدم من قبل الحكومة، وقدّم إلى البرلمان صيغة تتضمن وجهة نظره حيال مشروع القانون، مع أنه ليس من الجهات المنوط بها تقديم مشاريع قوانين إلى مجلس النواب.

ويريد النظام المصري إعداد قانون عصري يحكم العلاقات الأسرية والاجتماعية، ولا تخضع نصوصه للحلال والحرام، بما يكرس الحقوق المدنية، لأن التشريع القائم والمطبق منذ سنوات طويلة ينتصر للرأي الديني في كل ما يرتبط بالشؤون العائلية، وأصبح استمرار العلاقة بين الشريكين أو انهيارها محكوميْن بفتوى.

تمسك الحكومة بتمرير قانون الأحوال الشخصية، سواء وافق الأزهر أم رفض، لا ينفصل عن إدراكها لحتمية وضع حد لنفوذه الاجتماعي والسياسي

ويبدو أن تعنت الأزهر وإصراره على الصدام مع النظام بشأن قانون الأحوال الشخصية مرتبطان بشعوره بأنه تعرّض للإزاحة الجبرية عن المشاركة في إيجاد حل لأكبر الأزمات الأسرية المصرية المشمولة بالشرع، ومن غير المتوقع الاستجابة له، لأن السيسي نفسه يتمسك بإقرار تشريع مدني يواكب العصر، بقطع النظر عن التبعات السياسية.

ولا ينفصل تمسك الحكومة بتمرير قانون الأحوال الشخصية، سواء وافق الأزهر أم رفض، عن إدراكها لحتمية وضع حد لنفوذه الاجتماعي والسياسي، وإصراره على تقييد يد السلطة في إقرار تشريعات عصرية.

ويرتبط الخلاف الراهن بميراث قديم بين السلطتين التنفيذية والدينية، حيث يرغب كل طرف في فرض كلمته، لكن الظروف السياسية والأمنية لم تكن تسمح للحكومة بالصدام العلني مع الأزهر في السنوات الماضية، لأن الهدف الأكبر هو تثبيت أركان الأمن والاستقرار في الدولة وليس تبني سياسات تتسبب في توترات سياسية.

واصطدم الأزهر مع الرئيس السيسي أكثر من مرة، جميعها على صلة بقضايا لها علاقة بالأحوال الشخصية، خاصة مسألة الاعتراف بالطلاق الشفهي؛ فالرئيس المصري يرغب في وقوع الطلاق عندما يتم توثيقه فقط، وهو ما رفضه الأزهر بحجة أن ذلك يتناقض مع نصوص الشريعة.

ويتمسك الأزهر بأن يكون وحده الجهة المسؤولة عن إعداد قانون الأحوال الشخصية بذريعة أن نصوصه لا بد أن يكون مصدرها الشريعة الإسلامية، في حين يرى الكثير من نواب البرلمان أن هذا التعنت يمثّل اعتداء صارخا على السلطة التشريعية، ويقود إلى تعطيل تحول مصر إلى دولة مدنية كالتزام دستوري واجب على كل الجهات.

وتقدم الأزهر من قبل بمقترح قانون للأحوال الشخصية إلى مجلس النواب، لكنه لم يُناقش، حيث لا يحق له إعداد تشريعات، وهذا الأمر يقتصر على أعضاء البرلمان والحكومة ورئيس الدولة، ما يوحي بوجود نية للدخول في صدام هدفه الظاهر الحفاظ على أن يكون التشريع مطابقا للشريعة، والغرض الخفي يتعلق بالحفاظ على نفوذه.
وأكدت مصادر برلمانية لـ”العرب” أن استطلاع رأي الأزهر في قانون يلامس الشريعة “إجراء وجوبي على البرلمان”، لكن الأخذ برأيه غير وجوبي، إذ لا يحق له التمسك بوضع بنود قانونية محددة، وتكمن المشكلة في مدى تقبل المواطنين لقانون يتحفظ عليه الأزهر، بذريعة أن هذا القانون محاط بشبهة التحريم.

ويقود ذلك إلى أن الحكومة والبرلمان سوف يمضيان قدما في تمرير قانون الأحوال الشخصية دون اكتراث بوجهة نظر الأزهر، لتكون الكلمة الأخيرة للقضاء، حال تم الطعن في مشروعية القانون دينيّا، وهو ما يمهد لخلاف قد يتسبب في نشوب أزمة سياسية.

ويرى معارضون لموقف الأزهر أن إصراره على خوض معارك ذات صبغة دينية جزء من عقيدته في الحفاظ على نفوذه، لأن إقرار تشريع مدني يخص المعاملات الشخصية يزيح رجال الدين عن الواجهة، وهم من مصلحتهم بقاء نصوص القانون بحاجة إلى فتاوى طوال الوقت، كجزء من البقاء في المشهد.

ويعتقد المعارضون أن الحرب التي يبادر بها الأزهر ضد الحكومة متعمدة، كي يكسب المزيد من الشعبية، وينأى بنفسه عن الدخول في جدل يرتبط بتجديد الخطاب الديني وتنقيح التراث وتطهير مشيخته من المتشددين، مقابل بناء قاعدة جماهيرية عبر قانون يلامس حياة الناس مباشرة، وتبدو الحكومة كأنها تريد تمرير قانون يخالف الشرع.

الأزمة تشكل اختبارا قويا لإرادة النظام المصري في مواجهة الانغلاق الفكري، ومن الصعب أن يسمح للأزهر بجر الدولة إلى معركة طويلة الأمد وحساسة

وقال سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأميركية في القاهرة، إن إقرار تشريع مدني للعلاقات الشخصية خطوة إيجابية، لكنها بحاجة إلى المزيد من الإرادة السياسية والجرأة في مواجهة “سَلْفنة” مجتمعية، لافتا إلى أن الظرف السياسي والتحديات المحيطة بالدولة يحتاجان إلى حكمة، لأن المتشددين يجيدون تجييش الناس.

وأضاف لـ”العرب” أن “تمرير أي قانون متحفظ عليه من المؤسسة الدينية يحتاج إلى سيناريو يجنب الحكومة الدخول في صدام مع الشارع أو أي جهة أخرى، لأن الخشونة قد تتسبب في استقطاب ديني يصعب تجاوزه بسهولة، في حين أن هناك تحديات معقدة تفرض على النظام سد كل ثغرة ينفذ من خلالها صراع على أساس فقهي”.

وتراهن فئات من المثقفين والمفكرين والكتاب والإعلاميين على صرامة الرئيس السيسي في وضع قانون جيد للأحوال الشخصية، بينما يحتمي الأزهر بدعم السلفيين والإخوان ومنابرهم الإعلامية وعناصرهم النشطة على مواقع التواصل الاجتماعي.

وتكمن مشكلة الأزهر في أن الدولة تدرك أن هناك مسائل اجتماعية وأسرية تتجاوز فكرة التدين وتحتاج إلى حلول واقعية دون استسلام لنصوص تجاوزها الزمن، وهو ما يرفضه الأزهر دون اقتناع بفكرة أن الحكومة إذا ضاق بها الحال فسوف تستعين برؤية دار الإفتاء الأكثر انفتاحا وتدعم مدنية نصوص الأحوال الشخصية.

وتشكل هذه الأزمة اختبارا قويا لإرادة النظام المصري في مواجهة الانغلاق الفكري، ومن الصعب أن يسمح للأزهر بجر الدولة إلى معركة طويلة الأمد وحساسة، وقد يكون من السهل على الحكومة تمرير قانون يزيد الأعباء الاقتصادية، لكن يصعب إجبار الناس على تقبل تشريع مجتمعي لا يحظى بتوافق ديني واضح.