المحرر موضوع: العراق الحائر بين السقيفة والغدير  (زيارة 183 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31770
    • مشاهدة الملف الشخصي
العراق الحائر بين السقيفة والغدير

بقلم:فاروق يوسف
يتداول العراقيون نكاتا غالبا ما تكون خشنة. ليست الرقة من طبعهم كما يُشاع عنهم. لا أحد يدري مَن هو المسؤول عن ذلك الخطأ. ربما لأن العراقي يظهر قدرا من الرقة حين يكون غريبا. وهو ما ليس من طبعه دائما. والعراقيون يصفون حياتهم بأنها “سينما” لما تتضمنه من تناقضات. ذلك ما استفاد منه الأميركان حين احتلوا العراق. لقد استنهضوا كل العناصر التاريخية التي في إمكانها أن تحول حياة العراقيين إلى “سينما”.
وكم كان بعض المثقفين التابعين للمحتل ظريفا بالطريقة العراقية حين أعان سلطة الاحتلال على الانفتاح على ثقافة فلكلورية، كان العراقيون قد غادروها منذ أن استقرت أحوال الدولة المدنية في بلادهم. ما فعله مثقفو الاحتلال أنهم مرروا الكثير من مفردات التخلف بحجج ذرائعية، كان من أهمها استحضار الهوية العراقية والتخلص من الهوية العربية ولم تكن تلك الهوية إلا مزيجا من الأعراف العشائرية والمرويات الطائفية التي ليس لها سند في التاريخ. ليس العراقيون هم الشعب الوحيد الذي يميل إلى الخرافة. غير أنهم ألغوا صلتهم بالعصر حين وضعوا خرافاتهم في مكان لا يُمس وأضفوا عليها هالات القداسة.
مضت عشرون سنة تقريبا على الاحتلال الأميركي الذي قضى على الدولة العراقية التي أقيمت في عشرينات القرن العشرين. عبر تلك السنوات المريرة لم يتمكن العراقيون من أن يبنوا دولتهم الجديدة. كانوا ينتظرون من سلطة الاحتلال أن تبني لهم تلك الدولة. وتلك عادتهم. بريطانيا بنت دولتهم الأولى. غير أن الولايات المتحدة لم تتعهد ببناء دولة على أنقاض الدولة التي هدمتها. كان مشروعها يقوم على تدمير دولة اسمها العراق. لم تكن محاولات مثقفي الاحتلال إلا جزءا من ذلك المشروع.
كشفت الأحزاب الحاكمة في العراق عن واحد من أهم مظاهر إفلاسها السياسي حين وزعت فئات الدولة المغدورة بين العشائر والطوائف بما يخدم الهدف الذي عملت على ترسيخه وهو تغييب العقل. وبدلا من أن تنفق الدولة العراقية الناشئة الأموال على التعليم، صارت تنفق أضعاف ما يحتاجه التعليم من أموال على التجهيل، فصار العراقيون يقضون أكثر من نصف سنتهم وهم يؤدون طقوسا ينتمي الجزء الأكبر منها إلى المرويات الطائفية التي لا تمت إلى الدين بصلة.
وإذا ما كانت ذاكرة العراقيين قد اكتظت بمآسي الحرب الأهلية التي وقعت بين عامي 2006 و2008 فإن الأحزاب الطائفية عملت على تجذير أسباب الفتنة من أجل تطبيع الطائفية اجتماعيا لا حبا في المذهب الغالب، بل لضمان الاستمرار للنظام الطائفي الذي فرضه الأميركان خيارا وحيدا.ولأن أسباب الفتنة الطائفية تعود إلى ما قبل ألف وأربعمئة سنة فقد كان استحضارها يتم بطريقة تدعو إلى الضحك كما جرى في المحاكمات التي شهدتها النجف للخليفة الأموي يزيد بن معاوية وكبار ضباطه بسبب تورطهم في مقتل الإمام الحسين بن علي في واقعة الطف المشهورة التي حدثت في كربلاء عام 680. كانت تلك المحاكمات المضحكة مسرحيات رثة، ليس الغرض منها البحث عن الحقيقة وقد صارت ملك التاريخ، بل كان الهدف منها الارتفاع بمنسوب الكراهية تحت شعار “أتباع الحسين وأتباع يزيد”. ذلك شعار مضلل رفعه الفاسدون من أجل أن يمرروا عمليات فسادهم في ظل فوضى “مَن قتل مَن؟”.
لن يتمكن العراق من الخروج من المغطس الطائفي إلا بإرادة وطنية عمل الأميركان على طمسها. لذلك فإن التجاذبات الطائفية ستكون بمثابة درس مفتوح على الكثير من المفاجآت المضحكة التي تنطوي على قدر لا يستهان به من الحزن لما يتعرض له العقل البشري من اعتداءات فظة. وما تفتقت عنه عبقرية مقتدى الصدر في الدعوة إلى اعتبار “يوم الغدير” عطلة رسمية لا يخرج عن ذلك الإطار. إضافة يوم عطلة إلى العطلات التي يتمتع بها العراقيون لا يضر في شيء لولا أن ذلك اليوم يزيد من منسوب الفتنة الطائفية.سيضحك مَن لا يزال يملك عقلا. فسواء كان الأمام علي أول الخلفاء الراشدين أو غيرهم فإن المسألة باتت في ذمة التاريخ. غير أن النظام الطائفي يحتاج إلى رافعة تاريخية تعلي من شأنه. لذلك طالب آخرون أن يكون يوم السقيفة عطلة رسمية أيضا. حوار بائس، هو ما لا يستحقه العراق. جدل مهين للعقل العراقي الذي جرى سحقه.الطائفيون يتسابقون على الضحالة والرثاثة فيما يكتفي الشعب العراقي بدور المتفرج الذي لا حول له ولا قوة.