المحرر موضوع: العراق حفلة مجانين طائفية  (زيارة 269 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31875
    • مشاهدة الملف الشخصي
العراق حفلة مجانين طائفية
ما العودة إلى يوم الغدير إلا محاولة لإذلال العقل العراقي من خلال استباحته بحدث لا قيمة له في الحياة المعاصرة.
فاروق يوسف

يوم الغدير مسرحية تستبدل الوعي المعاصر بفتنة تاريخية
ليست عطلة يوم الغدير التي أقرها مجلس النواب العراقي بداية الطوفان الطائفي الذي ضرب العراق منذ احتلاله عام 2003، ولكنها تمثل لحظة انتصار في طريق تطبيع الطائفية اجتماعيا، بحيث تهيمن لغة الصراع المصيري القائم على فراغ تاريخي على المجتمع العراقي لتجره إلى مزيد من الضياع في دروب متاهة لا خروج منها.

كان المطلوب دائما أن تخوض فئات المجتمع غمار نقاش لا علاقة له بحياتها اليومية ولا بالمصير الذي ستنتهي إليه أجيالها المقبلة في ظل تمدد وانتشار حالات الفساد والأمية وانهيار القيم الأخلاقية. هناك زمن فائض يجب على العراقيين أن يرحلوا في آلته بعيدا عن الحاضر ليكونوا ضيوفا دائميين على ماض، حتى لو كانت مروياته صحيحة فإنه غير قابل للتعديل وليس من مصلحة العقل البشري أن يقضي وقتا في تفكيك تفاصيله.

الماضي هو مُلك الذاكرة التي لم يبخل المفكرون في التصدي لعناصرها فكان أن وضعت الفتنة الكبرى التي عاشها العرب المسلمون قبل أكثر من ألف وأربعمئة سنة على طاولة التشريح تحت مباضع المفكرين الذين لم يتركوا شيئا من تفاصيلها إلا وسلطوا عليه الضوء. لذلك يمكن القول إن أي حديث يعيدنا إلى تلك اللحظة الغابرة انما هو محض هراء ومحاولة لسرقة الحاضر والهرب من استحقاقاته.

ذلك فعلا ما تجيد الأحزاب والميليشيات الحاكمة في العراق القيام به في ظل شعور شعبي عظيم باليأس والاحباط بعد أن هُزمت الاحتجاجات الشبابية عام 2019 وعاد النظام الطائفي الفاسد إلى سيرته الأولى مستفيدا من درس الانتفاضة التي تصدى لها بالقتل في ظل صمت دولي. لقد تحقق النظام يومها أن تبنيه من قبل الولايات المتحدة لن يتعرض لأي نوع من الاهتزاز أو الضعف ما دام ملتزما بمبدأ المحاصصة الحزبية بغطائها الطائفي.

لقد اعتبر أنصار مقتدى الصدر إقرار عطلة يوم الغدير انتصارا ولكن على مَن؟ في الميزان الطائفي المتاح يمكن النظر إلى المكون السني باعتباره عدوا رافضا لواقعة مشكوك فيها تاريخيا. ولكن ما علاقة العراقيين من أتباع المذهب السني بخلافات سياسية جرت أصلا قبل اختراع المذاهب الفقهية؟ ذلك سؤال سهل يمكن أن يُطرح لينهي كل نقاش. ولكن الكثيرين من رافعي لواء الطائفية ما زالوا يطالبون بإعادة الخلافة المغتصبة إلى الإمام علي بن أبي طالب مثلما يطالبون بالثأر من قتلة الحسين. تلك أزمة لا يمكن حلها فهي لا تنتمي إلى عالم العقل السليم. الطائفيون يسيرون بالعربة بالمقلوب حين يذهبون بها إلى الماضي بدلا من الذهاب بها إلى المستقبل.

الطائفية في العراق لا توزع شعبه بين مذهبين فقهيين، شيعي جعفري وسني حنفي، بل هي تضعه في جبهتين "جبهة السقيفة" و"جبهة الغدير" وعليهما اليوم أن يثبتا من كان على حق ولا يمكن في حالة كهذه إثبات أي شيء عن طريق العقل. فالأمر انتهى وذهب كل ذي حق إلى قبره ومن المضحك إيقاظ الموتى كي يكونوا شهودا على وقائع مضى عليها أكثر من ألف وأربعمئة سنة. سيكون مضحكا أكثر أن تكون وسائل الاتصال الاجتماعي التي موقعها الانترنت هي المجال الحيوي لتصفية تلك الحسابات. شيء من اللامعقول سقط فيه العراقيون وهو ما يُخشى أن يكون مقدمة لجنون جماعي. فلا يوم الغدير ولا يوم السقيفة يمكن أن يطعما جائعا سُرقت ثروة بلاده وهما لا يقنعان المشردين داخل وطنهم وقد فاق عددهم المليون إنسانا بأن عودتهم إلى بيوتهم رهينة بحل خلاف وقع فيه مجانين.

ما تحقق في العراق يفوق ما حلم به الأميركان يوم غزوه. لقد تحول العراق إلى حفلة مجانين مزروعة أرضها ألغاما. ما أن تمشي خارج الخطوط المرسومة سينفجر بك لغم، كان عليك أن تتوقعه. العراق في هذه الحالة ليس وطنا لإبنائه بقدر ما هو قاعة محكمة، يحاكم فيها القوي الضعيف ويحكم عليه بالموت لأسباب قد تم فرض وراثتها عليه. أما "لا تزر وازرة وزر أخرى" فقد وُضعت على الرف. لطالما رُفع شعار "يالثارات الحسين" باعتباره واحدا من أهم شعارات المقاومة الإسلامية التابعة لإيران.

لقد استولى الطائفيون على ثروة العراقيين، غير أنهم أرادوا أن يدعموا لصوصيتهم بالاستيلاء على عقولهم. وما العودة إلى يوم الغدير إلا محاولة لإذلال العقل العراقي من خلال استباحته بحدث لا قيمة له في الحياة المعاصرة.