المحرر موضوع: هل يعيد رحيل رئيسي فتح أزمة النظام الايراني؟  (زيارة 80 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31875
    • مشاهدة الملف الشخصي
هل يعيد رحيل رئيسي فتح أزمة النظام الايراني؟
إيران التي تتحدى النظام العالمي والغرب تتشكى من عدم توفر قطع غيار لطائراتها القديمة.
MEO

مطلوب قطع غيار للكرامة الإيرانية
خلال العقود السابقة تشكلت صورة نمطية لثبات النظام الإيراني وقدرته على الصمود في وجه الهزات الداخلية والضغوط الخارجية على حد سواء، لكن ربما حان الوقت لإعادة النظر في صورة ثباته وديمومته كمعطى أولي لا يتطرق إليه الشك.

وأول الإعتبارات التي تبيح إعادة النظر في رسوخ النظام الإيراني هي انقضاء فترة زمنية طويلة من الحكم دون تغيير جوهري في طبيعة النظام وأدواته، فقد بقي حتى الآن مثلما كان عليه قبل 45 عاما، نظاما ثيوقراطيا شديد التزمت يحكمه رجال الدين برئاسة المرشد الأعلى الذي يجمع بين يديه السلطتين الدينية والزمنية، ومثل تلك الأنظمة لم يعد لها وجود في العالم المتمدن منذ زمن بعيد، ولا يتسع المجال هنا للبحث في العوامل التي أخرجت ذلك النظام من ركام تاريخ طويل ودفعته ليمسك بالسلطة ويتمكن من القبض عليها حتى اليوم، لكن المهم هنا هو حقيقة كونه مغايرا لطبيعة العصر وثقافته.

هذا التناقض أبقى النظام الايراني مأزوما خلال فترة حكمه، فمن فترة إلى أخرى كنا نشهد تحركات شعبية سياسية يقودها الشباب في المدن الايرانية الرئيسية، صحيح أن الأدوات الأمنية التي امتلكها النظام والمرتبطة بالمرشد الأعلى برباط ديني - مذهبي بما في ذلك الحرس الثوري كانت دائما قادرة على سحق التحركات السلمية الشعبية وإعادتها إلى نقطة الصفر، ثم اجتثاث كوادرها بمحاكمات صورية مثل تلك المحاكمات التي ترأسها ابراهيم رئيسي وحكمت بالموت على آلاف المعارضين السياسيين، لكن ذلك لم يكن يعني في أي وقت حل التناقض بين طبيعة النظام الايراني الثيوقراطية وعموم الشعب الإيراني الذي ظل يتطلع لنظام مدني طبيعي متوافق مع ثقافة العصر.

ومع اعتبار بقاء ذلك التناقض والأزمات التي يولدها النظام الملازمة لتكوينه الداخلي مثل حاجته لـ"تصدير الثورة" والتي تنتهي بسياسة امبراطورية غير واقعية تقع تكلفتها على عاتق الشعب الايراني، وطموحاته العسكرية التي لا تتطابق مع حاجة ايران الدفاعية، وما انتهت اليه ايران عبر العقود من عزلة دولية وصلت حد فرض العقوبات الاقتصادية القاسية التي ظهرت آثارها جلية عندما اتهم وزير الخارجية الايراني السابق محمد جواد ظريف الولايات المتحدة والغرب بالتسبب في مقتل ابراهيم رئيسي بحجة أن رئيسي كان مجبرا على استخدام طائرة مروحية قديمة قد تكون بحاجة لقطع غيار لم يتم توفيرها بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة على ايران!

ربما يتساءل الايراني العادي: أليست السياسة غير العقلانية لإيران هي التي أوصلتنا للعزلة وفرض العقوبات؟

مثل تلك الأسئلة والتي تعكس واقعا مأزوما للنظام الايراني ستبقى بدون إجابة لتنتهي باتجاه ضرورة التغيير.

هذه الضرورة تتعمق وتتراكم حتى تجد فرصة ما لتعبر عن نفسها بطريقة من الطرق. وكلما طال الزمن كلما تعمقت أكثر وامتدت لتصبح قناعة لمختلف شرائح المجتمع وصولا إلى حاضنة النظام.

أخلص للقول: ليس النظام الايراني اليوم كما كان عليه قبل عقود، وكونه قد أثبت عجزه عن إصلاح نفسه وارتاح لاستعمال القوة والعنف في وجه أي دعوة للتغيير وبدلا من أن يدعم جناح الإصلاحيين داخله فقد شجع صعود الأجنحة الأكثر تطرفا وتشددا، كل ذلك أدى في المحصلة لزيادة عزلته الداخلية والخارجية واهتراء عوامل شرعيته.

وحين يعاني فجأة ضربة غير متوقعة بفقدان أحد أهم قياداته السياسية المرشح لخلافة المرشد الأعلى البالغ من العمر85 عاما، مما يفتح الباب أمام تنافس ممكن على قمة السلطة بعد أن تقلص حضور جناح الصقور بفقدان كل من سليماني ورئيسي وشيخوخة خامنئي التي لا تساعده على لعب دور فعال في قيادة النظام كما اعتاد أن يفعل حتى وقت قريب. فإن وقع الضربة بوفاة رئيسي لن يكون سهل الاحتواء كما قد يتبادر للذهن.

فالضربة هنا لا تقاس فقط بفعلها الذاتي، ولكن بحالة النظام التي يتعرض لها، وكما أن إصابة كبار السن بمرض كوفيد 19 قد تودي بحياتهم في حين لا تكون خطرا لدى من هم في سن الشباب، كذلك ربما تنتج الأزمات المحدودة للأنظمة المأزومة نتائج تختلف عما هو متوقع لأنظمة أخرى أكثر استقرارا.

على أية حال وحتى لو تجاوز النظام إشكالية خلافة رئيسي لكن ذلك لا يمنع من القول إن رئيسي كان أحد دعامات النظام وبالتحديد جناح الصقور فيه وإن غيابه سوف يزيد من ضعف ذلك الجناح.

ليس المرشد الأعلى علي خامنئي من يشيخ اليوم وحده في النظام الثيوقراطي الإيراني، لكنه النظام ذاته الذي بلغ من العمر 45 عاما دون أن يتمكن من إدخال تجديد على بنيته الداخلية، كما لم يتمكن من توفير طائرة مروحية حديثة لتجنيبه كارثة لا مبرر لها هزت البلاد.