المحرر موضوع: ميليس... والخيارات الصعبة أمام دمشق!  (زيارة 863 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل shosin

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 34
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
ميليس... والخيارات الصعبة أمام دمشق!

سليمان يوسف يوسف
26 سبتمبر, 2005
     
تتجه أنظار العالم هذه الأيام، الى سورية ولبنان، حيث مجريات التحقيق الدولي في أهم وأخطر جريمة "اغتيال سياسي" شهدها القرن الحادي والعشرون حتى الآن، والمتمثلة باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في الرابع عشر من شباط الماضي في وسط العاصمة بيروت، وقد سبقتها ولحقتها سلسلة اغتيالات، طالت العديد من السياسيين والصحافيين اللبنانيين.

وكان قد حمل العديد من الأطراف والجهات اللبنانية والدولية كلاً من النظامين الأمنيين في لبنان وسورية مسؤولية اغتيال (الحريري) والاغتيالات السياسية الأخرى، مستندين باتهاماتهم الى طبيعة العلاقة اللبنانية السورية التي اتسمت طيلة ثلاثة عقود بهيمنة أمنية ووصاية سياسية سورية على لبنان، كذلك الى الخلاف الذي كان قائماً بين رفيق الحريري والنظام السوري من قضية التمديد للرئيس إميل لحود ومن القرار 1559.

ومع ازدياد الاهتمام الدولي بقضية الحريري وتقدم التحقيق بهذه القضية، يرى الكثير من المراقبين والمحللين السياسيين، أن المستقبل السياسي لكل من سورية ولبنان، سيتحدد على ضوء النتائج النهائية لتقرير القاضي ديتليف ميليس، رئيس اللجنة الدولية المكلفة بالتحقيق بالجريمة. وقد بدأ ميليس، قبل أيام تحقيقاته في دمشق، ومن المقرر أن يستمع، كشهود في هذه القضية، الى العديد من القادة الأمنيين السوريين الذين عملوا في لبنان. لكن هذا لا يلغي احتمال توجيه التهم لهم وتوقيف من يشتبه فيه على ذمة التحقيق، على غرار ما حصل لقادة الأجهزة اللبنانية الأربعة.

والبعض يرجح بان لدى ميليس معلومات عن تورط ضباط سوريين في عملية الاغتيال ومهمته في دمشق هي التحقق والتأكد من مدى دقة وصحة هذه المعلومات. ويتوقع هؤلاء بأن تقرير ميليس سيحمل مفاجآت كبيرة خصوصاً بالنسبة لسورية، التي نفت مراراً أي علاقة لها باغتيال الحريري، وأنها ستتعاون مع لجنة التحقيق الدولية في كشف الحقيقة لأنها ستكون في مصلحتها، طبعاً من غير أن تخفي سورية قلقها وشكوكها حيال مهمة ميليس، ومن إمكانية تسييس التحقيق.

وقد لخص الرئيس بشار الأسد موقف سورية الذي يجمع بين التعاون والتشكيك والقلق من مهمة ميليس، في حديث له لمجلة "ديرشبيغل" الألمانية، نشرت في 29 آب الماضي، فقال: "نحن نتعاون من دون أي تحفظ. نحن لنا مصلحة أيضاً في هذه التحقيقات لأنها تزيل التهم الخاطئة.. هذا في حال لم تأت النتائج مزورة ولأهداف سياسية. إن سورية لا علاقة لها إطلاقاً في قضية الاغتيال...".

يبدو واضحاً من كلام الأسد، ان دمشق تركت لنفسها خط الرجعة والباب مفتوحاً لوقف تعاونها مع لجنة التحقيق الدولية، في ما إذا أتضح لها بان شكوكها بتسييس التحقيق كانت في محلها. لكن، وكما يقول المثل الشعبي السوري: "دخول الحمام، ليس كالخروج منه".

فحيال التعقيدات والتشابكات، السياسية والجنائية والقضائية والقانونية، التي تحيط بجريمة اغتيال الحريري وبعملية التحقيق في القضية، أضحى موقف سورية حرجاً للغاية وكل خياراتها صعبة، فبمجرد قبولها بالتعاون مع اللجنة الدولية المكلفة بالتحقيق، يفترض أن تتقبل سورية وتحترم النتائج النهائية للتحقيق وتحمل كل ما يترتب على ذلك، من دون تحفظ وتردد، حتى لو جاءت ضدها وأدينت بهذه الجريمة، وهو احتمال لا يمكن استبعاده. وسورية تدرك جيداً بان إدانة أي ضابط أو مسؤول أمني سوري، أياً كان موقعه في المؤسسة الأمنية، سيحمل المجتمع الدولي المسؤولية كاملة للنظام القائم، نظراً لطبيعة العلاقة القائمة بين السلطة الأمنية "العسكرية" والسلطة السياسية داخل النظام السوري.

أما إذا قررت سورية ايقاف تعاونها مع ميليس عندما تتيقن من حتمية تسييس التحقيق أو نتائج التحقيق ضدها، وهذا غير مستبعد في ظل العلاقة المتوترة بينها وبين أميركا، عندها ستضع سورية نفسها، كدولة "مارقة" بمواجهة المجتمع الدولي، وهذا ما تبحث عنه وتنتظره اميركا لتأخذ منها الذريعة التي تحتاجها للتضييق على النظام السوري واتخاذ الاجراءات الكفيلة بإجباره على تغيير مواقفه وسياساته، أو ربما لتغيير النظام نفسه، لأسباب تتجاوز قضية الحريري وتتصل بالموقف الأميركي من سياسات النظام السوري، وعقاباً له على عدم تعاونه مع المجتمع الدولي في الملفات الإقليمية الساخنة (اللبناني، الفلسطيني، العراقي) كما تقول الإدارة الأميركية. وإذا استمرت سورية في رفضها التعاون، من المرجح سيحال الملف السوري الى مجلس الأمن، وقد يتكرر السيناريو العراقي، بين مجلس الأمن وسورية، عندها على سورية أن تتهيأ وتستعد للأسوأ وتتحمل العواقب.

ويبدو أن الإدارة الأميركية قرأت جيداً الموقف السوري من مهمة ميليس، لذلك استبقت ما يمكن أن يحصل لـه في دمشق فصعدت من لهجة التهديدات ضد سورية، التي أطلقها السفير الأميركي في العراق زلماي خليل زادة، الذي قال: "باتت كل الخيارات ممكنة مع سورية لإجبارها على تغيير سلوكها، بما فيها الخيار العسكري"، كما جدد جورج بوش اتهامه لسورية بعدم التعاون والشفافية في الموضوعين العراقي واللبناني وهددها بـ"مزيد من العزلة".

من دون شك، ان الاهتمام الدولي بالملف اللبناني يتجاوز مسألة معرفة الحقيقة في قضية اغتيال الحريري، فقد سبق لأميركا وفرنسا أن سعتا- قبل اغتيال الحريري- من أجل استصدار القرار 1559عن مجلس الأمن الدولي، الذي بموجبه أرغمت سورية على سحب قواتها من لبنان بعد ثلاثة عقود من دخولها اليه، لهذا لا اعتقد بان تحرك أميركا وحلفائها ضد سورية متوقف على النتائج النهائية لتقرير ميليس وما إذا كانت ستدان سورية أم لا، طبعاً من غير أن نقلل من أهمية هذه النتائج. فلم يعد سراً، بان المستقبل السياسي لمنطقة "الشرق الأوسط" بات على سلم أولويات الأجندة الأميركية، بعد تفجيرات الحادي عشر من ايلول 2001، كما لا يمكن فصل التحرك الأميركي والأوروبي، عن التوجهات الجديدة للسياسية الدولية تجاه المنطقة (العربية والإسلامية) التي منها انطلق منفذو العمليات الإرهابية في اميركا وبعض العواصم الأوروبية. فاميركا تسعى، مع حلفائها الأوروبيين، لإعادة تشكيل هذه المنطقة الحيوية من العالم، بما يضمن مصالحهم الاستراتيجية فيها، وإدماجها في نظام عالمي جديد، بدأ التحضير له بعد تفكك الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة. نظام دولي يقوم على نبذ العنف ومحاربة الإرهاب ودعم التحولات الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتسوية الصراعات الإقليمية، وانهاء الأنظمة العسكرية والدكتاتورية التسلطية القائمة، باعتبارها لم تعد تتوافق وتنسجم مع نظرة العالم الحر الى مستقبل الإنسانية.

سليمان يوسف يوسف
•كاتب سوري آشوري[/b][/size][/font]