المحرر موضوع: أيّ علم نرفعُ لو قسِّمَ العراق  (زيارة 1559 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل salim Maroki

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 50
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
أيّ علم نرفعُ لو قسِّمَ العراق     
         
                                             

                     
بقلم/ سلام مروكي

إكتشف العم سليمان بعد عودته الى البيت بأنّ إبنه البكر فادي قد حوّل منزل العائلة الى ورشة عمل كبيرة فسأل نجله عمّا يجري في الدّار. أجاب فادي وفرح عميق يملأ قلبه : والدي العزيز  إنّ الفريق الأولمبي العراقي لكرة القدم قادم  من بلدنا الحبيب العراق  لملاقاة نظيره الاسترالي في الاسبوع القادم ضمن مبارات مصيرية للجولة الخامسة من تصفيات أولمبياد بكين المقبلة.  ولقد قررت أنا وكافة زملائي العراقيين  الإلتحاق بالجالية العراقية في سيدني للتشجيع. لقد أجّرنا باص يسع لخمسين راكبا ليقلّنا من مدينة ملبورن الى الملعب مباشرة وترانا الان منهمكين بتفصيل وخياطة علم عراقي بالوانه الزاهية الاحمر والأبيض والأسود  وبطول عشرة أمتار وعرض أربعة أمتار ولقد تطوّعت والدة هشام صديقنا بتطريز نجماته الثلاث أما والد زميلنا علاّوي لكونه يُحسن النجارة فلقد أعدّ لنا ساريتين طويلتين تساعدنا لحمله عاليا في ملعب سيدني.                                                                                       
إنطلق الباص حاملا الشبيبة العراقية من مدينة ملبورن  من بينهم فادي وجبّار وفلاح وهشام وجلال واشور ومسعود وحكيم ورودي وكاكا وعبد الحسين و عبد المسيح وعثمان وضاري وعلاوي وعدنان وكوركيس وغيرهم، كانت كلمة العراق وإعلاء شأنه ترنيمة تدوي في مخيلتهم رغم ولادة بعضهم في المهجر. ولما كان الطريق يزيد على العشر ساعات توسط أشور الحافلة بطبلته الجميلة وشرع يعزف إيقاعات شرقية ليشحذ همة الشباب للمشاركة في أداء بعض الاغاني التراثية العراقية. فبدأ جبار يردد بعض الشعارات الوطنية ليلقنها لبقية الأصدقاء كي يتعلّمها الجميع لتكون أصواتهم واحدة ومتناغمة في الملعب ثم أنشد ضاري بعض المقامات العراقية والبستات الشجية مثل دذبني ذبني عليهم ثم تبعها بأغنية على شواطئ دجلة أمر. غنّت الشبيبة  معه الردّة ولما إنتقل جلال الى بعض الاغاني الكردية (ورا ليلي... وغيرها) إنهمك فادي وحكيم في رسم علم العراق على جباه كل الشباب وخارطة العراق على وجناتهم  وهكذا على إيقاع ترديد أغاني المطرب المحبوب حسام الرسام المشجعة للفريق العراقي  وصلت حافلتهم الملعب بسلام.                                                                                                                   

ترجّل الشّباب حافلتهم متوشّحين بالأزياء العراقية الشّعبية فمنهم من لبس الزّي العربي وبعضهم إرتدى الملابس الكردية وأخرون زهت على أجسامهم الازياء الاشورية . كان جميع الشباب القادمين من مدينة ملبورن محط أنظار الجميع للتحضير المسبق لتشجيع هذه المباراة. ولما كان وزن العلم لكبر حجمه ثقيلا تسارع كل من كوركيس وعثمان وعبد الحسين لحمله، وهكذا دخل عراقيو مدينة ملبورن ملعبَ سدني، وكانت مفاجئتهم أكبر مما توقعوا حيث الجالية العراقية في سدني قد ملأت مقاعد الملعب وعلم العراق يرفف بين صفوفهم والكثير منهم قد رسموا على خدودهم نخلة العراق وشاهدوا العديد من الصبايا قد توشحن بالعلم العراقي دلالة على ارتباطهن الوثيق بالبلد الأم . ومع صافرة الحكم لبداية اللعب قرعت الطبول وارتجّت الدفوف وتعالت الصيحات من هنا وهناك منشدين بوحدة العراق من شماله الى جنوبه ومن شرقه الى غربه. فتمازجت اصوات بنيه في المهجر لتشجع فريق الأسود القادم من بلاد الرافدين. كانت تلك اللحظات عرس لا مثيل له  وعيد لا يفوقه فرحا . تسمّر فادي وأشور حاملين العلم العراقي بطول عشرة أمتار طيلة فترة المباراة مردّدين حتى بحّ  صوتهم عراق عراق عراق.                                                                                     
عاد العم سليمان مساءاً من عمله ليجد ولده فادي الذي عاد هو الأخر من رحلة تشجيع الفريق العراقي جالسا امام التلفاز وعلامات الحزن تكتسي ملامح وجهه فقال لولده:                                                                         

ولدي ما بك أراك حزينا هكذا إنّ كرة القدم ربح وخسارة ولا يستوجب أن تحزن هكذا لخسارة الفريق العراقي أمام نظيره الأسترالي ولا تنسى بان هذا الفريق هو الأولمبي أما الوطني فلقد أبلى بلا حسنا وخطف كأس قارة أسيا بجدارة. أراد العم سليمان تخفيف وقع تأثير الخسارة على  ولده.                                                               

أجاب فادي بصوت حزين والدموع تملأ عينيه: والدي العزيز لست كئيبا لخسارة فريقنا لكن هنالك خبرا مزعج ردده بعض الاصدقاء الذين رافقوني في الرحلة.

العم سليمان: وما هو هذا الخبر الذي أزعجك يا بني؟

فادي: سمعتُ من بعضهم بأن هنالك العديد من القوى التي لا تريد للعراق أن يستقّر وبأنها تسعى الى تقسيمه الى ثلاث وحدات أو دويلات طائفية، فالجزء الشمالي يُعطى لإخوتنا الاكراد ليشكلوا دويلتهم ولقد رفعوا مسبقا علما خاصا بهم. أما إخوتنا العرب الشّيعة فمازال ينادي بعض قادتهم بقطع جزءا من وسط و كل جنوب العراق ليكون دويلتهم المستقبلية الموالية لإيران. أما بقية  وسط وغرب العراق سيُمنح لإخوتِنا العرب السنّه وبهذا سيتجزأ بلدنا الحبيب الى ثلاث دويلات ضعيفة والسؤال الذي حيرني يا والدي هو الأتي:                                                                                                                                   
أي علم سنرفع نحن الكلدان السريان الأشوريون أبناء العراق الأصليين والى أي جزء سننتسب وماذا ستكون حصتنا من ذلك الجزء؟. والدي إنني متشائم من هذا الخبر لأنني أجد بأن بلد أبائي وأجداي بلاد النهرين إذا قسّمت معنى ذلك لا مكان لشعبنا على هذه الأرض المقدّسة  وسيضحي هذا التقسيم بداية لإنقراض شعب أشور وبابل، الشعب الذي قدّم للعالم أولى وأعرق الحضارات.                                                                                         
والدي العزيز لقد تألمتُ بمرارة لهذا الخبر وفقدت صبري. وبينما كانت الحافلة تسير صرختُ بأعلى صوتي لأسمع كل أحبتي وأصدقائي العراقيين فقلت لهم:( أيها الشباب لنترك الهزل الان وأرجو من جميعكم أن تصغوا الى ما أقول، لقد هجرنا جميعنا العراق بلد الاجداد نتيجة للضروف التي تعلمونها جميعا لكن حبّ الوطن وأرضه وشعبه بقي يسري في عروقنا لذلك قطعنا مايقارب الألفي كيلومتر لنردّّد عاليا إسمه. لقد خذلني خبر صاعق حيث الأيادي الأثيمة والنفوس الغادرة تعمل بمثابرة الى تقطيع أوصال بلد أبائنا وأجدادنا ليقسموه طائفيا كي يتناحر أبنائه مع بعضهم مدى الدّهر. أنظروا ماذا فعل الأجناب فيه، لقد سرقوا خيراته ونهبوا كنوزه الاثرية، ودمّروا بنيته التّحتية وزرعوا الفرقة والضغينة بين أبنائه ليمزّقوه إربا أربا. إنني حزين جدا لما يحدث في بلدنا يا إخوتي. إذا قُسِّم الوطن فأي علم سنرفع والى أي جزء سننتسب؟).                                                                                             

فقاطعني هشام قائلا:  لا تحزن يافادي ستزول هذه الغيمة السوداء عن سماء عراقنا الحبيب. إن الأصلاء والاشراف من الشعب العراقي كثيرون وغيورون وحريصون على وحدته فخير مثال على ذلك إحتفالهم العفوي  التاريخي  بفوز فريقنا الوطني بكأس قارة أسيا، كان حقا فرحة عبّر الجميع بها عن عمق محبتهم للعراق ووحدته. تفائل أنت وجميع من يسمعني سوف ينخذل كل من يحاول تمزيق بلاد الرافدين ووحدة شعبها.                                                         
إبتسم العم سليمان لما نقله نجله عن صديقه وقال هو الأخر: نعم ياولدي تفائل.  سيبقى العراق أرض أشور وبابل  بلد أجدادك موحدا بكافة مكوناته وأطياف شعبه. لقد كان هكذا منذ القدم وسيبقى موحدا تحت راية واحدة مادام  ينجب شباب مخلص لتلك التربة من أمثالك.                                                                                         

سلام مروكي
ملبورن / أستراليا
salim_maroki@hotmail.com