المحرر موضوع: آن الآوان لتحويل فكرة الحكم الذاتي الى مشـروع عملي  (زيارة 1271 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل وسام كاكو

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 64
    • مشاهدة الملف الشخصي
آن الآوان لتحويل فكرة الحكم الذاتي الى مشـروع عملي

القسـم الأول
بقلم: وســام كاكو

بين فترة وأخرى تأتيني مكالمات هاتفية أو رسائل إلكترونية من بعض الأخوة والأحبة من أماكن مُختلفة يثيرون فيها مسألة تشكيل فرع للمجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري في سان دييگو أسوة ببقية الفروع التي تم تأسيسها في دول العالم المُختلفة. آخر هذه المُكالمات كانت من أحد الأخوة في سان دييگو فأجبته بأني مبدئياً مع الفكرة تماماً ولكني شخصياً لا أجد نفسي قادراً على العمل في أي عمل أو مع أية جهة إذا لم يتوفر الآتي: أولاً، أهداف واضحة تتلاءم مع ما أؤمن به، وثانيا الفترة الزمنية اللازمة لتنفيذ هذه الأهداف، فالأهداف التي لا تتحدد بزمن لتنفيذها وتعمل بنهايات مفتوحة لا أجد نفسي قادراً على المساهمة فيها.  توفر هذان الشرطان في أي عمل يُمكن أن يدفعني الى التفكير به وبعدها أدرس مع نفسي فيما إذا كان الجهد الذي سأضعه في هذا العمل سيؤدي الى زيادة الزخم فيه ويدفع به بدرجة من الدرجات الى تحقيق الأهداف أم لا!
من الأهداف التي يُمكن العمل على تحقيقها هي فكرة الحكم الذاتي التي أصبحت تشغل مساحات واسعة من إعلامنا ومن مناقشات سياسيينا ومنظماتنا وأبناء شعبنا عموماً، وأزداد هذا الاهتمام بعد شهادة المطران رحم ورفاقه، وهذه الفكرة ليست فكرة مُستقاة من الخيال أو فكرة غير قابلة للتطبيق، وسنُبيّن لاحقاً لماذا، بل هي فكرة واقعية وقابلة للتطبيق لا سيما إذا ما فهمنا كيفية إدارة العملية بشكل ناجح مع ملاحظة إن الوقت الحاضر والظروف الحالية يوفران أرضية مناسبة تماماً للعمل على الحصول على الحكم الذاتي.
لا بد أن نتفق أولاً على المبادئ الأولية للعمل، وبشكل مُتدرج، لكي نصل إلى نتيجة إيجابية وهذه المبادئ ليست غريبة فكل مَنْ تعامل مع الدوائر الأمريكية، والأوربية إلى حد ما، يُدرك بشكل أو بآخر صحتها وهي:
1. لا ينبغي أبداً أن نطلب من أية دولة أو جهة أن تُساعدنا على تحقيق ما نُريد وبالذات الحكم الذاتي لشعبنا إذا لم نُبّين لهذه الدولة أو الجهة (الإقليمية أو المحلية) إن في ذلك مصلحة لها قبل أن تكون فيها مصلحة لنا، فهذا هو المبدأ الأول لإدارة العمل مع الجهات الدولية الحالية وكذلك مع الجهات الإقليمية والمحلية، وهذا المبدأ على بساطته يُشكل العمود الفقري للعمل ونحن قد نرى سهولة في القيام به ولكن الكثير من تنظيماتنا وسياسيينا لم يُتقنوا العمل به وهو المبدأ الأهم دائماً!
2. يجب أن يكون التعامل المذكور في (1) مع الجهات المُتحكمة بزمام الأمور فقط ومن الأفضل أن تكون دائرة التعامل غير واسعة.
3. لسنا بحاجة إلى إثارة مشاعر أحد ضد شعبنا فمَنْ كان على الحياد دائماً لا ينبغي أن نُثير فيه ما يُمكن أن يجعل منه عدواً  لشعبنا فيما يختص بفكرة الحكم الذاتي، ولا شك إن الصفة المُسالمة لشعبنا يجب أن نُحافظ عليها لكي نُعمق من حُسن قبول المُقابل لنا ورغبته بالوقوف الى جانب هذا الشعب الأصيل المُسالم وأهدافه.
4. يجب إفهام الأطراف العراقية كافة وكذلك الدولية بأن الحكم الذاتي لشعبنا ليس إلا وسيلة لحماية ما تبقى منا في ظل الظروف الراهنة التي يصعب فيها على الدولة ومجموعاتها الرسمية وغير الرسمية الحفاظ علينا وتوفير الحماية والأمن لشعبنا.
5. يجب إفهام الأطراف العراقية بأن ما حصل في العراق ليس لشعبنا الكلداني السرياني الآشوري أية علاقة به وإن ما خططت وتُخطط له الجهات الدولية وما يصدر عنها خاضع لسياساتها ونحن لسنا لا من قريب ولا من بعيد طرفاً فيما حصل وسيحصل.
6. ينبغي ربط فكرة الحكم الذاتي لشعبنا بزيادة الخير على العراق كله باعتبار إن الإمكانيات المُتوفرة لأبناء شعبنا المُسالم (لا سيما في خارج العراق) يُمكن أن تنقل المنطقة إلى مُستويات أعلى من الأمن والرفاهية والازدهار.
7. الابتعاد تماماً عن اعتبار مشروع الحكم الذاتي لشعبنا انتقاصا من قيمة الوطن الواحد فقد سبقنا الأخوة الأكراد الى تحقيق الحكم الذاتي في زمن سابق ولم يُنظر اليه بمثابة نقص بهيبة الوطن الواحد فلماذا يكون الحال مع شعبنا مُختلفاً وهو في تاريخه لم يكن طامعاً بسلطة أو حتى مُمارساً للإبتعاد الانطوائي عن حالة الشعب الواحد!؟
8. من الضروري اتخاذ الحياد مع كل الجهات المحلية والإقليمية المُتصارعة بشكل بارد أو ساخن أو بشكل مُعلن أو مخفي.
بعد الإتفاق على هذه الأسس نُحدّد الجهات التي نراها مؤثرة في العمل على تحويل فكرة الحكم الذاتي الى واقع ولماذا نرى إن لها مصلحة في ذلك، ولكن نود الإشارة الى أن المُعطيات الحالية على الأرض تُظهر إن نية الدول ذات التأثير في مُجريات الأمور تميل الى تقسيم المنطقة الى أقسام إضافية وربما بتسميات مُختلفة كأن تكون فدراليات أو غيرها، وهذه الظروف تبدو من حيث صورتها الكبرى مشابهة الى حد ما لصورة ما كان يُسمى بالوطن العربي الخاضع للدولة العثمانية في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، فحالما تخلص العرب من العثمانيين بمساعدة الإنگليز وجدوا أنفسهم مُقسمين الى مناطق جغرافية أصغر مُحددة بحدود وضعها الإنگليز عنوة أو طواعية حسب رغبة البعض من العرب الذين وجدوا مصلحتهم في وضع الحدود رغم إن غالبية الشعب العربي لم تكن لديه رغبة بذلك، وربما تَسَاءَلَتْ في حينها مثلما نتساءل نحن الآن: كيف يُمكن أن نضع حدوداً بين أراضينا ونُقسم قبائلنا أو عوائلنا الى أقسام يقع كل قسم منها على جهة من الحدود؟ أو كيف يُمكن للاستعمار أن يقوم بذلك دون أن نفعل ما يمنع وضع الحدود؟ لكن الحدود وُضعت وأصبحت حقائق ثابتة صمدت أمام كل مُحاولات إعادة إحياء الوحدة العربية ورغبات بعض الحكومات العربية بإزالة الحدود، لا بل إن الحدود ازدادت بدل أن تقل، وأصبحت لدينا دول مُستقلة، ولكي يتجاوز العرب مرحلياً مفهوم الوطن العربي الواحد وبقايا حنينهم له وإحساسهم بشمولية الوطن العربي الواحد نَصّب العرب بدعم مُباشر من الإنگليز ملوكَ عرب من عائلة واحدة على أكثر من دولة واحدة مثل ملك من الأردن على العراق، فضلاً عن تفاصيل أخرى طبعاً عن دول  المنطقة، ولم يتركوا هذه المسألة بدون أصابع خفية تلعب بها وتُحركها الى درجة إن العراقيين قتلوا ملكهم في النهاية وسحلوا أعوانه في الشوارع وبهذا ترسخ، بعد مدة من الزمن، الفكر الخاص بخصوصية الدولة الواحدة لدى سكان هذه الدول العربية الجديدة، كل دولة حسب حالتها، وأخذت تنظر الى تصريحات وتدخلات الدول العربية الأخرى بمثابة اعتداءات بعد أن كانت تنظر الى وحدتها كضرورة قصوى لإبقاء هويتها إزاء الدولة العثمانية، أي إن الصراع تحول من صراع عربي - أجنبي الى خلاف أو خلافات عربية - عربية وصلت الى ذروتها عندما حاولت الحكومة العراقية ضمّ الكويت الى العراق عنوةً.
عندما نُقارن بين إمكانية قبول العرب في بدايات القرن العشرين لتقسيم الوطن العربي الى دول مُحدّدة بحدود وبين تقسيم العراق الحالي الى فدراليات أو كيانات أصغر نجد إن تقسيم العراق الحالي هو أسهل بكثير مما كان تقسيم الوطن العربي في حينها وهذا الموضوع يطول شرحه لو تناولنا المُفردات، ولكننا سنذكر باختصار ما تم التخطيط له ونحن في نوم مما جرى مع الأسف.
في شباط 1982 نشر (أوديد يينون) الصحفي الإسرائيلي والمُلحق بوزارة الخارجية الإسرائيلية سابقاً في نشرة (كيڤوييم) الصادرة عن المنظمة الصهيونية العالمية دراسة يقول فيها الآتي (أرجو أن ينتبه القاريء الكريم لخطورة هذه المعلومات): "العراق الغني بالنفط من ناحية والمُمزق داخلياً من ناحية أخرى يُعتبر هدفاً مضموناً لإسرائيل فتقسيمه أكثر أهمية بكثير من تقسيم سوريا" ويُضيف " لولا قوة النظام الحاكم والجيش وأموال النفط لكان مستقبل العراق غير مُختلف عن لبنان في الماضي".  نُلاحظ هنا إن نقاط القوة التي ذكرها (يينون) والمُتمثلة بالحكم القوي والجيش القوي والنفط تم القضاء عليها واحداً بعد الآخر وبشكل مدروس تماماً وبحبكة قوية، فالنظام العراقي أُسقط والجيش العراقي تم حله والنفط تمت السيطرة عليه تماماً، هذا يعني بشكل آخر إن الخطة الموضوعة قبل ربع قرن من الزمان (وحتى قبل هذا التاريخ) تم تنفيذها كما خُطط لها علماً بأنه في ذلك الوقت كانت تسمية العراقيين بشيعة وسنة وأكراد أمراً مرفوضاً رسمياً وغير مرغوب به اجتماعيا. يضيف (يينون): " ستوجد ثلاث دول حول ثلاث مدن رئيسية هي البصرة، بغداد، والموصل، ومناطق الشيعة في الجنوب ستنفصل عن السنة والأكراد في الشمال". هذا الكلام لم يأخذ شكلاً أكاديمياً للدراسة فقط بل إنه تم العمل عليه وتغذيته حتى بين الجهات العراقية المُختلفة وبشكل واضح إذ يقول (پيتر دبليو گالبريث) ما يُؤكد هذا الكلام في كتابه (نهاية العراقThe End of Iraq ) المنشور عام 2006 في أميركا: "إذا كان خليل زاده قد وصل الى بغداد وهو ما زال يؤمن بتركيبة إدارة بوش القاضية بعراق ديمقراطي وفدرالي وتعددي وموحد، فسرعان ما أدرك الحقيقة، ففي جولاته المكوكية بين الفرقاء كان يتعامل مع عملية وضع الدستور ليس كممارسة لمبدأ – بناء الدولة- بل كمفاوضات لإنجاز معاهدة سلام ثلاثية الأطراف...)، ما يُلفت النظر هنا في النص هو عبارة (كان يتعامل مع عملية وضع الدستور ليس كممارسة لمبدأ بناء الدولة - الواحدة - بل كمفاوضات لإنجاز معاهدة سلام ثلاثية الأطراف) وبالطبع يقصد بالأطراف الثلاثة الأكراد والسنة والشيعة في العراق. يُكمل صاحب الكتاب كلامه: "واجه خليل زاده مشكلتين رئيسيتين: الافتقار الى أرضية مُشتركة تجمع أكراد العراق وشيعته وسنته، والسياسة الأمريكية غير المفهومة السابقة لوصوله، فكان الأكراد يعتبرون الدستور تهديداً لاستمرار استقلالهم فدققوا في كل مُقترح من تلك الزاوية. الشيعة باعتبارهم الفئة ذات الأغلبية، كانوا يسيطرون على كتابة المسودة وكانوا يتجاهلون بكل بساطة اتفاقات كان الآخرون مُقتنعين بأنه قد تم التوصل إليها، الأمر الذي زاد بالطبع من شكوك الأكراد. أما العرب السنة فكانوا يعترضون على كل ما تم اقتراحه، مُثيرين بذلك غضب الشيعة والأكراد بدرجة جعلتهما بكل بساطة يكفون عن التفاوض معهم". ما يُلفت النظر في هذا النص هو إن المُشكلة التي ظهرت في العراق هي بسبب خلاف بين الأطراف الداخلية العراقية (الذين لا توجد أرضية مُشتركة بينهم!) وليس للخارج شأن بها لا بل إن الجهة الخارجية تُظهر نفسها بمثابة مُنقذة للموقف ولكن أهل البلد لا يرغبون بذلك! وهذا الأسلوب ليس جديداً في الخطاب الإعلامي الرائج في هذه المناسبات. 
أما ليزلي گيلب الكاتب في جريدة نيويورك تايمز والمسؤول الأقدم في لجنة وزارتي الدفاع والخارجية فكتب في 25-11-2003 في نيويورك تايمز: "إستبدِلوا العراق بثلاث دول هي الأكراد في الشمال، السنة في المركز والشيعة في الجنوب. أهداف هذا العمل هي: وضع الأموال والقوات بجانب القوى التي تُظهر أفضل النتائج وبأسرع وقت وهي الأكراد والشيعة". ولتعزيز رأيه هذا يقول گيلب "العثمانيون حكموا شعوب هذه الأرض – يقصد العراق - كما هم أي بشكل مُنفصل. في عام 1921 قام ونستون چرچل برصف الأقسام الثلاثة – يقصد الأكراد والسنة والشيعة- من أجل النفط تحت الحكم الملكي الذي دعمته القوات المُسلحة البريطانية"، ثم يُضيف گيلب "الكل يُلزم أميركا بالحفاظ على عراق مُوحَّدْ بشكل مُصطنع مصنوع من ثلاثة أقسام مُتميزة عرقيا –إثنياً- ومن مجتمعات طائفية. لقد كان هذا الوضع مُمكناً في السابق فقط من خلال القوة الوحشية والكاسحة – يقصد القوة التي استعملت خلال فترة حكم النظام السابق-. الإستراتيجية الحيوية الوحيدة لتصحيح هذا العيب التاريخي – يقصد عيب وجود العراق الواحد- هو التحرك باتجاه الحل القاضي بإيجاد ثلاث دول: أكراد في الشمال، السنّة في المركز والشيعة في الجنوب". ثم يستمر الكاتب بسرد إستراتيجية مُتدرجة لتنفيذ عملية تقسيم العراق. كما يقول گيلب في إحدى مُقابلاته المنشورة في 16-10-2007 إن 75 سناتوراً من أصل 100 يتألف منهم مجلس الشيوخ الأمريكي يؤمنون بالفدرالية في العراق لتحقيق المصالحة الوطنية وإن الدستور العراقي يُوفر الأرضية المُناسبة لتحقيق هذه الفدرالية.
في المؤتمر الذي عُقد في واشنطن العاصمة للفترة من  14 الى 16 نيسان 2008 (وكنت من المدعوين إليه)  تحت عنوان Iraq Action Days تم الإطلاع على الخريطة الآتية التي تُبين تقسيمات مُتطابقة مع ما رأيناه آنفاً.
يُلاحَظ إن المنطقة الوسطى من العراق سُميت (بابل) وهي رُبما تُعطي إشارة إلى الرغبة بإعطاء تسمية من العهد القديم لهذه المنطقة وهذا الموضوع قد يحتاج إلى تحليل آخر مُستقبلي، ولكن أود أن أقول هنا إن نهوض بابل كان أمراً مرفوضاً في السابق وقد صدرت تحليلات لهذا الموضوع مثل ما ورد في كتاب (The Rise of Babylon) لمؤلفه جارلس داير الذي ربط بين نهوض بابل ونهاية العالم لذا رفض تماماً إعطاء أية فرصة لبابل بالنهوض وقد أعتمد في تحليله هذا على نصوص من العهد القديم وقال بأن بابل ذُكرت في الكتاب المُقدس لأكثر من 280 مرة وفي العديد من المرات توجد دلالات على  مُستقبل مدينة بابل ونهوضها من بين رمال الصحراء، وإنه "عندما يتم تدمير بابل، ستعيش إسرائيل بسلام" لأن "بابل هي الشعب الذي دمّر مملكة الله على الأرض. بابل حاصرت وأحرقت معبد سليمان وأزالت الملك الأخير الجالس على عرش داود وحكمت على شعب إسرائيل المُستقل" فضلاً عن تحليلات كثيرة وردت في الكتاب تركزت جميعها حول موضوع بابل والتحذير من نهوضها.


 
الواضح إن فكرة ربط عملية نهوض بابل بنهاية العالم قد تغيرت الآن بسبب تغير الظروف والمُفردات السياسية الدولية أو ربما بسبب تغير اللاعبين الأساسيين في هذا الصراع.
سنستمر في القسم القادم بهذا التحليل لنصل إلى فكرتنا الأساسية المُتعلقة بتفاصيل ما نراه مناسباً بخصوص تنفيذ الحكم الذاتي لشعبنا الكلداني السرياني الآشوري.