المحرر موضوع: تنظيماتنا السياسية.. قد فشلت في تمثيل وإنقاذ أبناء الأمة , لذا فعليها الرحيل ؟  (زيارة 1539 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل كوركيس الهوزي

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 50
    • مشاهدة الملف الشخصي


كوركيس أوراها منصور الهوزي
كاتب وعضو اتحاد الأدباء والكتاب في العراق
 



تنظيماتنا السياسية.. قد فشلت في تمثيل وإنقاذ أبناء الأمة , لذا فعليها الرحيل ؟

إن الهدف من تأسيس أي حزب أو حركة أو تنظيم سياسي هو من اجل خدمة الإفراد والجماعات ( أبناء الأمة ) وللنهوض بهم سياسياً وتنظيمياً وحضارياً نحو بناء مستقبل أفضل للأجيال.
 
ولأن الحزب يمثل النخبة من الأفراد والجماعات, لذلك يجب أن تكون توجهات هذه النخبة هي لتحقيق أهداف ( التنظيم السياسي المذكور ) وهي أهداف تقترن بمصلحة أبناء الأمة.

ولكي يكون التنظيم السياسي ( الحزب أو الحركة ) ناجحاً ومؤثراً, يجب أن يفعل تأثيره في أوساط الجماعات من ( أبناء الأمة ) والشعب عموما وليوجه سلوكهم نحو تنمية سياسية ووطنية وقومية.

وعندما يكون التنظيم السياسي – أي تنظيم سياسي في بلدنا -  يعمل في وسط ديمقراطي متشابك , لابد من أن يظهر هنالك تقاطع في الأهداف أو التوجهات مع تنظيمات أخرى عاملة في الساحة الوطنية, ويؤدي ذلك  إلى ظهور  قوى  سياسية معارضة تسعى لتبرز من اجل هذه الأهداف أو التوجهات وقد يؤدي هذا التقاطع إلى صراع سياسي على السلطة هدفه السيطرة على الحكم والحصول على منافع أخرى .

أن أسوء الأمور في المناخ الديمقراطي هو الصراع على السلطة وهذا التوجه قد يؤدي إلى تملص الحزب من العمل لتحقيق أهدافه العامة والذي بالتأكيد سيضر بمصلحة الأفراد والجماعات وبالتالي يفقد التنظيم السياسي شعبيته ليغدو مؤسسة نفعية لإفراد التنظيم فقط.

وما نراه اليوم على الساحة السياسية العراقية, ما هو إلا تخبط سياسي وصراع علني على السلطة من اجل المناصب والمنافع الشخصية والمادية وان اللاعب الأقوى هو من يفرض أرادته على هذه الساحة من خلال استخدامً العصا الغليظة - السلاح والميليشيات -  للوصول إلى أهدافه, وهذا بحد ذاته يعتبر خرقا لمبادئ الديمقراطية التي ضمنها الدستور للجميع.

وفيما يخص التنظيمات السياسية لأبناء شعبنا فإنها قد خسرت اللعبة السياسية على الساحة الوطنية وذلك لعدة أسباب نذكر منها:
 أولا بسبب الصراع السياسي السلطوي للكبار وعدم قدرتها على مباراتهم.
وثانيا لعدم دعمها من أبناء الأمة الذين لا زالوا يعانون من عقدة الخوف من خوض غمار السياسة.
 وثالثا لعدم دخولها في تحالفات جانبية مع قوى سياسية كبرى لتساعدها في تنفيذ برنامجها السياسي التي تخدم مصالح الأمة وأبنائها .
 ورابعا لتهميشها مع سبق الإصرار من قبل القوى السياسية المهيمنة على السلطة.
وخامسا  لعدم وجود برنامج سياسي واضح له.
سادسا لعدم اتفاقها معا على توحيد خطابها السياسي الذي ينص على وحدة الهدف والعمل المشترك سابعا لعدم وجود مفكرين وساسة ناضجين لدى هذه التنظيمات يؤخذ بنظرياتهم وآرائهم و كما إن ابتعاد اغلب مثقفي الأمة من العمل في الجانب السياسي قد كرس هذا الإخفاق.
ثامنا هو لعمل بعض من هذه التنظيمات تحت أجنحة قوى سياسية وخاصة العاملين منهم في شمال الوطن الأمر الذي افقدها استقلاليتها الفكرية والسياسية ولتغدو أداة طيعة في أيدي هذه القوى – التي لا تريد الخير لأبناء أمتنا لا بل إنهم يستخدمون أبناء امتنا جسورا للعبور فوقها – وهذا  الخنوع جعل من هذه التنظيمات تخسر باقي تأييدها الشعبي لأن  ما ينادون به ليس سوى ضجيج إعلامي الهدف منه تضليل وخداع أبناء الأمة. 

كما إن عقدة الخوف من خوض غمار السياسة قد عانى منها أبناء الأمة وذلك منذ أن نكثت القوى الكبرى بوعودها لأبناء أمتنا منذ قرن من الزمان وذلك عندما تملص الحلفاء ومعهم الاستعمار البريطاني من الوعود التي كانوا قد قطعوها لأبناء امتنا في بداية القرن العشرين والمتضمنة العمل لإنشاء وطن و حكم ذاتي لهم في أرضهم التاريخية.

 حيث كان الحلفاء بعد الحرب العالمية الأولى قد وعدوا قادة امتنا في مؤتمر الصلح في باريس عام 1919 على العمل لإقامة وطن لهم في نينوى وكما تضمنت المعاهدة المعقودة في مؤتمر لوزان لنفس الوعود , ولكن الدول العظمى تستخدم دائما سياسة الإرضاء في البداية و سياسة التكتيك لامتصاص الغضب وسياسة المماطلة والتسويف بطرق ذكية حتى تتمكن من الآخرين.

 ونتيجة لذلك أصبح أبناء شعبنا ضحية سياسات الاستعمار القديم وهو اليوم أيضا قد أصبح ضحية الاستعمار المعاصر حيث دفع أبناء شعبنا ضريبة باهظة التكاليف بسبب عمقه التاريخي وأصالته القومية.

كما انه بسبب ديانته المسيحية أصبح شعبنا اليوم أكثر عرضة للإبادة والتهميش وأصبحت هذه الديانة اليوم الحجة الأقوى لدى أعداء أمتنا الذين ربطوها مع ديانة المحتل الأمريكي واعتبروا الاثنين أعداء لهم , فيما لم تتحرك أمريكا التي تحكم العراق لحماية أبناء أمتنا من بطش وإجرام الحركات التكفيرية أو القوى الغريبة التي دخلت العراق بعد احتلاله في نيسان 2003  حيث لم تتوقف هذه الحركات التكفيرية والقوى الغريبة – قوى الظلام – من تنفيذ جرائم القتل والتهجير ضد أبناء شعبنا وامتنا  بينما الحكومة العراقية الجديدة ومعها قوات المحتل الأمريكي تتفرج دون حراك وكأنها هي التي خططت لهذا وإنها هي من تنفذه.       

إن سياسة التهميش المخطط له قد استخدمت ضد تنظيماتنا السياسية العاملة على الساحة وقد قوضت هذه السياسة  من دور هذه التنظيمات وكذلك تم محاربتها بطرق - الترهيب الغير المباشر - , وذلك إما لتنسحب من الساحة السياسية أو لتعلن ولائها للآخرين كما أن الطرق الوحشية التي استخدمت ضد أبناء ( امتنا ) من قتل وتهجير قسري واستهداف رموزنا الدينية وتفجير كنائسنا وأديرتنا وحرق وتفجير المصالح التي يعاش منها أبناء أمتنا  قد انتقصت من هيبة ومعنوية تنظيماتنا السياسية التي لم تستطع فعل شيء لوقف ذلك النزيف الذي أصاب جسد الأمة وذلك التدمير الذي طال بنيانها الشامخ , كما أن السكوت المطبق للحكومة وقوات الاحتلال إزاء هذه الجرائم وعدم تحركها لإدانة أو كشف من يقف ورائها يزيدنا إصرارا بان هنالك مخطط كبير لتدمير حاضر ومستقبل أبناء هذه الأمة.

ولهذا السبب فقد تراجعت شعبية تنظيماتنا السياسية بسبب عدم قدرتها على التأثير على الحكومة  العراقية الجديدة وقوات الاحتلال للعمل على حماية أبناء امتنا ومقدساتنا ورموزنا الدينية من الاستهداف المخطط له والمستمر حتى اليوم.

أن تنظيماتنا السياسية العاملة على الساحة الوطنية ( من أحزاب وحركات ) قد فشلت أيضاً في توحيد خطابها السياسي وفشلت في تكوين جبهة أو تحالف سياسي يكون له ثقله وكلمته في الوسط السياسي الوطني , وبهذا التشرذم أصبح الضعف صفة  هذه التنظيمات , وأدى ذلك إلى ضياع حقوقنا القومية والتاريخية وضياع الشراكة في الوطن .

ويمكن القول بأن تنظيماتنا السياسية قد انسحبت من الساحة السياسية عمليا بسبب التهميش الذي لحق بها وبسبب فشلها في التمثيل الصحيح والمتكافئ لأبناء الأمة في السلطات الثلاثة ( التشريعية و التنفيذية و القضائية ) وعدم ضم الدستور العراقي الجديد أي خصوصية قومية أو تاريخية تشير إلى أصالة وعراقة ( السريان , الكلدان , الآشوريين ) أصحاب حضارة وادي الرافدين .

وكما خلا الدستور المذكور من الإشارة إلى أبناء هذا المكون التاريخي الأصيل الذي له الحق الكامل في ثروات هذا البلد والحق الكامل في المشاركة الفعلية في إدارة السلطات الثلاثة, وكما أن ما ورد بخصوص أمتنا في الدستور واللوائح الأخرى لم يأخذ طريقه للتطبيق.. لا بل يمكن القول فان التهميش بالمشاركة في السلطة والحكم في تزايد خاصة بعد تنامي المد الراديكالي الإسلامي الذي يريد اجتثاث الجذور التاريخية للمسيحية في العراق من خلال محاربة كل أبناء الأمة في جميع مناحي  حياتهم وفرض ماهو بالي عليهم  ومحاربتهم والنيل من مكتسباتهم الإنسانية .

وما الطرق البربرية في القتل والخطف للآلاف من أبناء امتنا ومنهم رموزنا الدينية ألا برهانا على ذلك , كما إن التهجير ألقسري لأبناء امتنا من مناطق سكناهم في المدن الكبرى ( بغداد , الموصل , البصرة وكركوك ) ماهو إلا دليل عملي على هذه المحاربة.

 بينما نرى كل من قوات التحالف والحكومة عاجزتان حتى على الاستنكار ولم تفعل شيئا لإيقاف الحرب المنظمة ضد أبناء امتنا الذين اضطروا صاغرين إلى ترك إعمالهم وبيوتهم ووطنهم من اجل البحث عن ملاذ امن يستقرون ويعيشون فيه .

كما إن المجتمع الدولي والمنظمة الدولية قد وقفوا هم أيضا عاجزين عن حماية أبناء الأمة وجميع الأقليات الأخرى من سياسة القتل والتشرد والتهجير المستمرة ضدهم.

وربما هنالك من يقول بان ما يحدث في العراق ليس هو فقط ضد المسيحيين وانه أيضا يطال المسلمين بكل قومياتهم ومذاهبهم , وان الجواب لهذا التساؤل هو أن المسلمين ( كرداً كانوا أم عرباً  سنة كانوا أم شيعة ) فأن القوى الحاكمة والمسيطرة منهم إنما يحاربون البعض من اجل الاستيلاء على السلطة ومن أجل ثروات البلد ويريد كل طرف أن يأخذ الحصة الأكبر من جسد العراق الجريح الذي كثرت السكاكين ضده وكل ذلك كان تحت ذريعة الحرب الطائفية بينما نرى الغالبية العظمى من هؤلاء المسلمين العرب وخاصة المثقفين منهم يعانون أيضا من السياسة الرعناء لهؤلاء – سراق الوطن -.

وفي الختام يمكن القول بأن تنظيماتنا السياسية قد فشلت في تحقيق أحلام وتطلعات أبناء امتنا للعيش بأمان وسلام في بلدهم وارض أجدادهم في زمن الحرية والديمقراطية والتحرر من الدكتاتورية , حيث فشلت هذه التنظيمات التي ادعت إنها تمثلنا في  السلطات الثلاثة من تحقيق أدنى الأهداف  لذلك بات عليهم أما تغيير سياساتهم بصورة جذرية أو الوقوف جانبا والاعتراف بفشلهم الذريع الذي كانت نتائجه كارثية وتدميرية لأمتنا.

حيث آن الأوان لأن يكون لنا تنظيم سياسي له ثقله الوطني والقومي – يكون أعضائه من مثقفي الأمة ومن يؤمن بحتمية انبعاثها من جديد مستلهمين ذلك من تاريخها المجيد وتراثها الثر الخالد وان يكون مدعوما من قبل أبناء الأمة الغيارى ومن منظمات المجتمع المدني والتجمعات القومية العاملة على ارض الوطن وخارجه وان تشكل جميعها معا جبهة قوية خالية من التأثيرات السياسية أو التوصيات وتكون مدعومة من قبل المنظمة الدولية , لتكون مؤهلة لتمثيل عموم أبناء الأمة لدى البرلمان والحكومة ولتعمل من اجل التمثيل الصحيح في السلطات الثلاثة وفي لجنة تعديل الدستور واللجان الانتخابية على أساس المهنية الشريفة والكفاءة.

 وان يكون تمثيلنا في البرلمان على أساس الاستحقاق الانتخابي وان لا يقل عدد من يمثلنا في البرلمان عن الخمسة أعضاء , وحقيبتان في الوزارة ومثلها في مجلس القضاء الأعلى , وان تعمل المنظمة الدولية على دعم هذه المطالب وان يعمل أبناء الأمة وممثليهم من اجل خدمة الوطن ووحدة أراضيه من ضمن عراق موحد أولا ولخدمة أبناء امتنا المتواجدين في أرضنا التاريخية في سهل نينوى بصورة خاصة وان تكون الإدارة المحلية في هذه المناطق محصورة بيد أبنائها من اجل تقديم أفضل الخدمات لهم وليساهم الجميع في خدمة الوطن وليكونوا هم أبناء المنطقة وهم أسيادها أيضا لا ينازعهم احد على حقوقهم القومية والتاريخية والإدارية والثقافية وليشعروا إنهم فعلا مواطنين من الدرجة الأولى يعيشون على أرضهم وارض أجدادهم بأمان وسلام وحرية.

إننا ندعو كل المخلصين من أبناء الأمة للعمل في هذا الاتجاه ومن هذه اللحظة ولنستفد من أخطاء الماضي ونتحد لأن في ذلك قوة كبيرة لنا لن يضاهيها احد على الإطلاق, ولطالما راهن أعداء امتنا على فرقتنا وعملوا بكل قوة لبلوغ هذه الفرقة ونجحوا في ذلك فعلا , لكن الانقلاب على الوضع الحالي ليس بالأمر الصعب لأن لنا كل مقومات النجاح من أرضية تاريخية وعمق حضاري وحاضر قوي بقوة وإيمان أبناء الأمة وان تاريخ الآباء والأجداد يدعونا اليوم أكثر من أي وقت آخر للنهوض من جديد لبناء الوطن ومستقبل الأجيال على أرضنا التاريخية وضمن العراق الفدرالي الموحد , وسنطلب من المجتمع الدولي – من منظمة الأمم المتحدة إلى الإتحاد الأوروبي ومجلس الكنائس العالمي ومن القوى الخيرة الموجودة في الوطن والتي تؤمن بحقوقنا القومية والشراكة في الوطن – لكي يساعدوننا جميعا لبلوغ الهدف الأسمى الذي هو لخدمة الوطن عموما وأبناء امتنا على وجه الخصوص ليعيشوا بأمان وسلام وحرية كبقية شعوب الأرض.


كوركيس أوراها منصور الهوزي
كاتب وعضو اتحاد الأدباء والكتاب في العراق 
             
ܐܬ