اني اعتذر وان اعتبره البعض عارا
قبل اسبوع وكالعادة ارسلت مقالتي الاخيرة الى عنكاوا كوم ولكن المقال سحب من الموقع بحجة ان يخالف تعليمات النشر في عنكاوا وان فيه كلمات قاسية.
ليس بمقدرة الانسان ان يكبت عواطفه كل الاوقات، احيانا تنفجر المكبوتات دفعة واحدة لان حد السد امام السيل لا يتحمل فينهار مطلقا قوة هائلة، وهذه هي الحالة وهذا هو الوضع الذي لا يزال البعض يعتبره طبيعيا، من الطبيعي ان تطرح الرأي ومن الطبيعي ان تنتقد الاراء والتصرفات وحتى القيم، ولكن من غير الطبيعي ان تهدم وبكل برودة اعصاب ومع سبق الاصرار والترصد جهد الانسان منذ الالاف السنين، تهدمه لتحقيق انتصارا صغيرا وهو تدمير احد مداميك الامة مهما كان رأينا في هذا المدماك، لانه اساسا ارث جمعي يعود لكلنا وليس من حق احد ان يحاول هدمه، لا بل ان يجمع من حوله انصارا ويكون رأي مهلوس حول المسألة وهي لا تتقبل كل هذه الضجة وكل هذا الابتذال الذي رافقتها.
اذا اني اعتذر لعنكاوا التي تحملت شطحاتي ولا تزال تتحمل، وانني لم ادعي العصمة في ما اقول او اطرح، ولكن سيبقى السؤال المثير والمطلوب اجابته، لماذا هذا السكوت المريب عن تصرفات الهدم التي تمارس في امتنا بحق مؤسساتنا، ولماذا هذا السكوت المريب عن استهداف مواقع لها تاريخها ومكانتها التي تصل لحد القدسية ولماذ السكوت لا بل اسكات من يكشف ممارسيها بالف حجة وحجة.
ان امة العرب ظهرت فيها مثل هذه الحركات التي ادعت الثورية برغم ان ثوريتها كانت فقط في الهدم ولم تكن في البناء، وسحبت من خلفها المؤازرين والمؤيدين وكانت النتيجة ان ما تهدم لم يبنى محله جديدا بل ضاع القديم واصبحوا عراة من كل شئ.
ان عملية البناء عملية معقدة تبداء بالانسان الحر، الانسان الذي يقدر على فرز الصحيح من الخطاء الانسان الذي يأخذ قراره خارج اطار المغريات الانية، ولكن ما يحدث هو جر الناس الى المنطقة المظلمة منطقة تحكم العاطفة منطقة قد لا يقدر الكثيرين الاقتراب منها لانها ايضا تحمل من معاني القدسية الكثير الكثير فيتم السكوت وتتحول اللعبة الى لعبة مسلية فأي نقد يجب ان يتوقف لان الفلان يقدم شهداء والبقية لم يقدموا، ولذا نجد ان الكثير من الكشوفات والاختراقات لجدران المسكوت عنه يتم تهميشه او سحبه او مسحه او السكوت الجمعي عنه، وهل بهذه الطريقة تبنى الامم؟
لنعطي مثلا توضيحيا قبل كتابة الدستور العراقي الحالي، كتبت مقالة نارية حول الارضحالجية، هل اخذت مكانتها في الادب السياسي بمعنى حقا ان هذه الممارسة لا تسئ الى حزب معين او شخص معين بقدر اسأتها لشعبنا ككل، لا بل ان الممارسات زادت وقرأنا منظمات ترفع عدة عرائض وتقترح كل مرة تسمية معينة؟ اليس من حقي نقد وكشف ممارسة تسئ الى شعبنا؟ والا لماذا نكتب في السياسة، يمكننا ان نكتب في الادب ونكتب في العيون السود والصدور العامرة والخدود ذات اللون المورد.
في العملية السياسية التي رافقت صياغة الدستور قدم اغلب الاطراف رؤيتها لهذا الدستور ولكن من ظل يتباكي على الديباجة وتقسيم شعبنا بواو وغيرها من الخزعبلات، لماذا وقع عليه وهو في لجنة الدستور لا بل لماذا قبل ان يقراء فقراته، هل هناك محاسبة حقيقية لكل ما يحدث، محاسبة تجعل السياسي يفكر كثيرا قبل ان يتكلم وقبل ان يشعل النار في الامة ويقسمها تيارات متحاربة متقاتلة، لا تيارت متحاورة متناقشة.
هل من واجب من يعمل في الراي العام وايصال الحقائق السكوت عن الجرائم وفضح الاخطاء والفرق واضح انه فرق اخلاقي، لا يمكن للامم ان تتقدم مادامت تساوي بين الجريمة والخطاء، او بين الجريمة والفقر او بين الجريمة وعدم القدرة على استغلال عاطفة الناس، ليس من واجب الاعلام السكوت لانه بسكوته يعمل على استفحال الظواهر السلبية وتفاقم المشاكل وتحكم الاجرام في المجتمع ويبقى السكوت سيد المصير ويكون الاعلامي او الكاتب او المثقف مشاركا في الجريمة، وهل تقدمت امة كانت ساكتة عن كل ما خطط لها دون ان تتسأل عن ماهية الخطط؟
اذا كان الحياء يجعل البعض يهربون من سماع ما سمعوه، كان الاحرى بهم ان يجعلو منه مثالا للاشمئزاز ولما وصل الامر بالبعض من استغلال الشعارات ذات الجاذبية الخاصة في نشر مثل هذه العبارات والسباب والقاذورات بحق اناس لا يستحقونها، مهما كان رأينا فيهم.
منذ سنوات طويلة وهذا هو المؤلم نشير الى مواقع الخلل البنيوية لدى فئات معينة، وان هذه المواقع ستقودنا الى الكارثة لا محال، فالعرب وبرغم كل قدراتهم والعراق ورغم كل رجاله وامكانياته ادمتهم ممارسات نتجت عن تحكم الدجل والشعار التحريض والعدائي في ممارساتهم اليومية، فكيف بشعب منقسم داخليا فقير في قدراته العلمية والثقافية والاقتصادية مثل شعبنا، كيف به يواجه العالم وهو منقاد بصراعات تفرض عليه لتحقيق اجندة لن نقولها انها انتخابية ولنعتبرها استراتيجية ولكن هذه الاجندة الاستراتيجية خفية، غير معلومة.
هل التهليل والتبشير والدعوة لتقسيم مؤسسة عريقة مع مصاحبة هذه الدعوات بكلمات غير لائقة يعتبر عملا قوميا، وهل استمرار هذه العلمية وعلى مختلف الاصعدة يعتبر عملا قوميا، وهل الكشف عنها وتعريتها يعتبر عملا مرذولا، انني انا قد لا افهم مقايس معينة او تراني خارج زماني.
ان كشف هذه الامور يجب ان يعتبر من صلب عملنا لاننا نريد تصحيح الواقع المأساوي وليس التستر او المشاركة في التستر عليه، بأي حجة حتى لو كانت حجة عدم المشاركة في اسماع اذان ابناء شعبنا المرهفة الحساسة لهذا السيل من الكلمات ....
لا بل ان واجب الاعلام الجاد هو وضع ما يقال ويتم التخطيط له امام الواجهة، لكي يعلم الناس ما يتم التخطيط لهم بأسم وحدتهم، فاما ان يقبلوه او يرفضوه، وليقل السياسين والكتاب في الامر قولهم.
لماذ يتم حذف خبر حكم محكمة استرالية بغرامة شخص ب مائة وسبعة وسبعون الف وثلثمائة الدولار لانه تعدى بكلام غير مسؤول على احد الاساقفة ولنقولها بحسن نية مدفوعا بعشق قومي، وهل كان في الخبر ايضا ما يشين الم يكن الاجدر بكتابنا وسياسينا شرخ الابعاد الحقيقية للحكم ولممارسة الكذب والدجل، اليست العقوبة القانونينة للردع، اليس القانون هو الفيصل في الخلافات لكي لا يتحول مجتمعنا الى غابة تتجكم فيها القوة والمال والشعارات الكاذبة، الم يشارك اعلامنا حينذاك في تشجيع الاخرين على انهم احرار في قول مايريدون فالاعلام ساكت لا بل يساهم في التغطية على الامر بحذف كل الاشارات اليه.
يقول المثل اذا كان صاحب الدار بالدف ضاربا فشيمة اهل الدار الرقص، واذا كان اعلامنا بهذا السكوت عن كل ما يمارس لتدمر الاواصر الحقيقية بيننا كابناء شعب واحد، واذا كان اعلامنا يدعي الخجل وعدم المشاركة واذا كان اعلامنا المستقل يضطر للسكوت فلن يتخرج من مدرسة هذا الاعلام الا اناس مشوهين وغير اسوياء بل مرضى ولكن بمرض مستعصى على الشفاء.
اذا لنحول الاعتذار حالة اعتيادية يمكن ان نعيشها، انها لن تسقطنا من برجنا العاجي الذي قد نعتقد اننا نمتلكه، انها حالة يمكن ان تجدها لدى الانسان الانسان، وليس الاعتذار الا حالة من الصفاء مع الذات ومع الاخر ولكل ذلك فانا اعتذر ان كنت قد تسببت باي احراج او جرح احاسيس مرهفة.
انني اعتذر لانيي حاولت رفع البرقع عن وجه مدعية العفة والجمال واظهرت حسنها هو بالحقيقة سم زعاف و العفة هو العهر بعينه.
انني اعتذر لانني حاولت كشف ما هو خلف الجدران ولم اكتفي بالتطلع الى السماء مفتوح الفم كالبلهاء.
انني اعتذر لانه لم يوقفني عن سبيلي التابو المفروض عن نقد بقرتنا المقدسة.
انني اعتذر لخدشي رهافة الاحساس لدى ابناء وبنات شعبنا بكشفي او الترويج لكشف الكلمات التي تقال هناك، ولكن بالحقيقة هي تقال يوميا وبشكل مكشوف ومعلن وصار من العادي وقد يشار بالبنان لممارسها وهنا الطامة.
انني اعتذر لعنكاوتي الجميلة لاي احراج، ولكن لن اعتذر لامتي لانني اعلم ان كل الامور خرجت فيها من طور الاحراج.
اذا باعتذاري لن يموت في اي جزء او قيمة او زهو او افتخار زائف، فانا لا انتمي الى فئة الناس التي تعشق الذات وتعتقدها مفخرة بين الناس، انني اعتذر لادراكي ان الاعتذار حالة سوية وتتماشي مع ذاتي ومبادئ واخلاقي، وسابقى الانسان ولن اتسامي الى اي شئ اخر لانني اعشق الانسان.
انني اعتذر لعدم ادراكي ان البعض يعتقد ان ناقل الكفر كافر، وبهذا فنحن كلنا من الكفرة، مجامعنا المقدسة واحاديثنا اللبقة واجتماعاتنا القومية والوحدوية ففي كلها نتحدث عن انزلاق الاخرين الى هاوية الكفر، اي اننا ننقله وننشره انني اعتذر عن كل ما قلته ان كان قد جرح انسانا سويا صافيا نقيا، ولكنني ساستمر في طريقي وساقول ما اعتقده الحقيقة ولن احيد عنها وعنها لن اعتذر.
[/b]