المحرر موضوع: بريشة العالم الوردي .. لوحة اطبائنا ومرضاهم  (زيارة 769 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل نبيل قرياقوس

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 261
  • الجنس: ذكر
    • ياهو مسنجر - you_nabil90@yahoo.com
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
بريشة العالم الوردي .. لوحة اطبائنا ومرضاهم

من المنطقي القول بان دراسة تخصص كمهنة الطب تشترط  توفر طالب متمكن بذكائه في الدروس العلمية اضافة الى قدرته ورغبته في ممارستها .
في العراق يقبل في الكلية الطبية من يحرز اعلى معدل في دراسته الاعدادية ، والمعدل هذا يشمل جميع الدروس العلمية وغير العلمية ، وهذا يعني ان الطالب الذكي الذي يهوى فعلا دراسة الطب والذي قد لا يكون قادرا على الحصول على درجة عالية جدا  في ( قواعد اللغة العربية ) او ( الدين ) ستفوته فرصة دراسة ما يستحقه ، وما كان سيبدع به ، بينما يحتل مكانه طالب ذو قدرة اقل للتعامل مع المناهج الطبية ، فيما هناك من الطلبة الاذكياء من الذين يحصلون على معدل عال جدا ولا يرغبوب دراسة الطب لكنهم يضطرون بحكم الظروف الاجتماعية السائدة للتقديم لدراسته ،وتكون النتيجة فشل وتخرج طبيب عادي غير مبدع في مهنته او شبه طبيب ، وما اكثر امثال هؤلاء بين اطبائنا .
سمعت اناس يتحدثون عن حالات مدهشة ( بقدر ما هي مؤلمة ) لبعض اشباه الاطباء ممن قد تجد عياداتهم فارغة من المراجعين رغم قدمهم ، وهم يحاولون بشتى الطرق ، بما فيها الحيلة والكذب ، اللحاق بما يكسبه زملاؤهم الناجحون في المهنة ، فهم يحاولون ابتزاز الذي يقع فريسة عيادتهم من الاناس الذين لا يعرفون تدني قدراتهم ، وربما تكون الحالات المؤلمة المستعجلة للمرضى الذين لا يستطيعون تحمل الزحامات هي التي تقودهم الى فخ عيادات اشباه الاطباء . من صور الحيلة والابتزاز ( الذي قد يحسب على مستوى جريمة ) ان بعض اولئك الاطباء يقوم بفحص المريض وزرقه بـ ( ابرة علاج ) في العيادة ، وربما تكون ( ماء مقطر ) او ( امبسلين ) مثلا ، وبعد الانتهاء من الكشف يطلب الطبيب من مريضه اجرة كشف كأن تكون خمسة الاف دينارا مضافا اليها مبلغ خمسة وعشرين الف دينار كلفة ( الابرة ) اي ما يعادل خمسة اضعاف اجور الكشف !
نهاية القرن الماضي ، التقيت صدفة ، في صالة انتظارعيادة خاصة ببغداد ، باحد الذين وقعوا في فخ احتيال  احد هؤلاء الاطباء ، قال : لا ادري ما الذي جعلني اشك في تصرفات الطبيب ، دفعت له ما اراد ، لكني طالبته بالزجاجة الفارغة لـ ( الابرة ) لاراها واعرف ماهي ، تملص الطبيب بطرق ملتوية ولم يعطني اياها !!
لا املك في هذه الحظة النسبة المعقولة المفترضة بين عدد الاطباء الى مجموع سكان أي مجتمع ، لكننا نعرف ان هذه النسبة منخفضة ليس في العراق وحده وانما في جميع المجتمعات المتخلفة عن ركب الحضارة الانسانية ، لذا فالزحامات على الاطباء امر طبيعي متوقع ، ولعلها العذر الذي يستند عليه بعض اطبائنا حين يلامون عن تقصيرهم في اداء واجباتهم الانسانية بالشكل المنطقي المقبول في المستشفيات الحكومية خصوصا ،  بينما يتحمل اولئك الاطباء ساعات عمل طويلة في عياداتهم الخاصة ، حتى ان بعضهم من الاختصاصيين كانوا لقبل سنوات معدودة يستمرون في عملهم بعياداتهم لما بعد منتصف الليل يوميا .
الغالبية من اطبائنا لا يميلون الى توضيح مرض مراجعيهم بصورة مبسطة ، ولا يميلون الى توضيح عمل الادوية التي يصفونها لمرضاهم ، مفترضين جهل المريض ( من يكون ) بشكل تام ، في حين هناك الكثير من المرضى من هم على استعداد لمعرفة ماهية مرضهم ليتعاملوا معه بشكل افضل ، فالمريض المثقف يدرك جيدا ان لا طبيب لا يخطأ ، لذا فهو يريد ان يعرف تفاصيل أي دواء يتناوله بالشكل المبسط دون ان يكون هو بديلا عن الطبيب ، ومن هنا تجد ان كل صانعي الادوية يحرصون على كتابة التفاصيل التي توضح للمستهلك تركيبة الدواء ومحاذيره واستخداماته اضافة الى توضيح ما يخص الطبيب .
اطباؤنا عموما يتضايقون حين يسألهم المراجع عن عمل الادوية التي وصفت له وكأنهم يعتبرون ذلك تدخلا في شؤون عملهم دون ان يستدركوا ان المريض هو من يستناول تلك الادوية ومن حقه الانساني ان يعرف بشكل مبسط ما ستفعل به !
من الظواهر التي تخص الجانب الطبي والتي بامكاننا تصنيفها ظاهرة اجتماعية لدى اغلبية اطباء العراق ، تلك التي يمكن ايجازها بالشكل التالي :
حاول عندما تشكو من حالة مرضية طارئة ، مهما كانت بسيطة ان تراجع طبيبين في نفس اليوم ، الطبيب الثاني سوف لن ولن يقر الادوية التي يحددها الطبيب الاول ! حيث معروف في بلدنا انك اذا حملت كيس ادويتك وذهبت لطبيب جديد للمراجعة فأول ما سيقوله لك : ارمي ادويتك الاولى في حاوية ازبال !!
هناك طبع اجتماعي لدى اغلب اطبائنا لاظهار انفسهم وكأنهم يتميزون عن غيرهم حتى لو انهم غيروا الدواء بنفس الدواء لمجرد انه منتج من قبل شركة اخرى ، فالمهم ان يغيروا ما وصفه الطبيب الاخر !! بينما قد تؤشر هذه الظاهرة في امراض صعبة مدى الاخطاء التي يقع فيها اطبائنا في التشخيص والمعالجة في ظل نقص للاجهزة والمعدات الطبية الحديثة ، وتخلف عن مواكبة علوم الطب المستجدة ، وقلة في الاطباء الاذكياء المبدعين في اختصاصهم .
اقتربنا كثيرا من عام 2003 ، ولوحة اطبائنا لم تكتمل ..
سنحاول سوية اكمال رسم ما نستطيع في الايام المقبلة . .

                                                                 نبيل قرياقوس