المحرر موضوع: .. وهذي الشهادةُ على أنّك "كاملُ"  (زيارة 869 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل ابراهيم الخياط

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 331
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
.. وهذي الشهادةُ على أنّك "كاملُ"
إبراهيم الخياط
رسول حمزاتوف، في "داغستان بلدي"، يذكر أنه كان يذهب في فتوته  إلى قرية مجاورة، وذات مرة، وهو يمرق بين الحقول والمرابع، إذا به يرى كلابا سودا كبارا وهي آتية نحوه من خلل الإعشاب، وكأنها طوربيدات تمزق البحر صوب السفينة / الهدف.
رسول وقبل أن يبكي، أتاه صوت، لا يدري أمن السماء أم الأرض، مفاده أن إنبطح.. ثم عاد الصوت ليضيف: إقطع النفس.
فرأى رسول نفسه وكأنه ميت، وظنته الكلاب كذلك وهي تشمّه ثم تتركه.
لكزته يد، فانتبه، وإذا بالآتي هو نفسه صاحب الصوت، مخبرا رسول بأنه راع، ثم راح يستفهم منه مقصده، فأجابه رسول بأنه محبّ للشعر، وحقيبته ملأى بالجذاذات والقصاصات، وانه يقصد شاعرا معروفا في القرية المجاورة.
فقال له الراعي:
(أتريد أن تكون شاعراً؟ إذن فلماذا تخاف من الكلاب؟ وستلقى في طريق الشعر في المستقبل، كلاباً اشد سعاراً، ولا يتركونك إذا شمّوا رائحة القصائد كما تركتك كلابي هذه،،،، ولكن لا تخف شيئاً على الإطلاق، إن الأرض التي أنجبتك تهبّ إلى نجدتك).
أولاء هم أعداء كامل. أما هو، هذا الثأر الثقيف، فيا تـُرى، هل أخذ صفّ حروفه من كمال جنبلاط؟ أم أنا الذي تقمصني شوقي بزيع فما عاد فكاك لي منه

أيّ القصائد هذا اليوم أدَّخِرٌ **** أمُتَّ حقاً؟ إذن فالقلبُ ينحسِرُ
ويجيء بقامته المختالة – كدت أقول المغتالة – ليمرق بين النبض والرنين، يقرب أو يقترب من الكلّ حتى يظننّ واحدنا بأنه الصديق امتيازاً، لكنه كان – ولما يزل – موزعا بين أحبائه الكثر ومحبيه الكثار...

      وأي شعر أقول، الشعر يسبقني *** إليكَ، والكلماتُ السودُ تنتحرُ

لغده، الذي يبنيه معنا، حمل كومة الكتب من "المتنبي"، فـ "الثقافة الجديدة" تنتظر، و"أوراق فكرية" كتلك، ولا بدّ من زوادة، وإذا بالحروف البسيطة والكبيسة لا تكفي، والدموع الكثيرة لا تكفي، والأعمار الكسيرة لا تكفي، إذ لابد من دمه، دمه اليجري فينا

والدَّمُ ليسَ دَماً، بَلْ تِلْكَ نَجمتهم **** ستملأُ الأرضَ بالخيْرِ الذي انتظروا

لم يرضوا إلا بالكبد منا، حتى نكابد، ولم يرضوا إلا بالوريد، حتى ننزف، فنزفنا رافسين... ولم يرضوا إلا به، ولم نرض إلا به، مثقفاً راقيا، نزيهاً، هادئاً، مرحاً، شفيفاً، حتى من الرقة كدنا أو بتنا نرى روحه الكبيرة

أَظـُنـُّها طلقاتُ الغـَـدْرِ حينَ هـَـوَتْ *** تكادُ لو أبصرَتْ عـيـْنـَيـْـكَ تـَعـْـتـَذِرُ

وبقي معنا، وبقيت روحه كما هي كبيرة ومعنا، وما صدّقنا، بل جزمنا أنه لم يقتل بل قاتله المقتول

قـُتـِلْتَ؟ لا لم تـَمُتْ لكنهم كـَـذِباً *** تـَـوَهـَّـموا، أو أماتَ الغدرُ مَنْ غـَدَروا
قُتِلْتَ؟! وَما كانَ ظَنّي أن تموتَ *** وفي  يَدَيْكَ وإليكَ الأعمارُ تُبْتَكَرُ

وما بكيناه، ولكن أنفسنا كنا نبكي، وما كان منا نواح عليه، ولكن على عراقنا علا النواح، فما خسر "كاملُ" ولكنهما الرافدين خاسران

أرضَ الخسارةِ يا "بغداد" هَلْ رجل *** يُعيدُ للناسِ بعدَ اليومَ ما خَسِروا

وانتظرناه، وما أن عاد حتى آبَ.. وعرفناه، وما أن تغلغل حتى ذابَ.. وأحببناه، وما أن نامَ حتى نام ونام ونام، وتركنا – كاللدغ – نئن ونسهر والعمر طويل

على المناديلِ مِنْ أوْجاعِهِ عَبَقٌ *** وفي المواويلِ مِنْ أحلامِهِ قَمَرُ

لطالما همسنا له بالحذر، ورفرفت عليه الجنحان منا كي نحفظه، وقلنا له – يا ما قلنا – أولاء أعداؤك يا عراق،أولاء أعداؤك يا كامل

وقالَ: هذا فَلْيَكُنْ جَسَدي *** منارةً، وَلأكُنْ جِسْراً لِمَنْ عَبَروا

وفي حومة الرثاء، أبث إليه النجوى النجيبة، وأظنـّه لم يدر كيف اضطربت المدائن لخبره.. وكيف أذهل الأهلين النبأ المرير

أأنت تسقطُ، يا الله، كيف بها ****"أندلسُ الروح" لما هـزَّها الخبرُ

ثم، أشوقا أبا الياس، ولم تمض سوى أيام، فكيف اذا خفّ العمر بنا دهرا، وثم أحسدا أبا الياس، اذا ما  اغتبطتك لأنك قطفت الرثاء، فمن لنا في غد لو لفتنا لفافة الرحيل الكاتم.. أتسمعني يا أبا "الياس"

  طالَ ارتحالكَ، ما عَوَّدْتنا سَفَرا *** أبا "الرياحينِ" فارْجَعْ نَحْنُ ننتَظِرُ

وبه نتباهى، وإن تصامت "بعض" من الوجلين، أو حاول "بعض" جميل أن يستحوذ عليه، أو حاول "بعض" خائب أثيم أن يشمت، أو يشتم، فإمتيازه عليهم، أنه منا، نحن آل البيان العتيق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ