المحرر موضوع: ظاهرة الطلاق في الديانة المندائية.. هل هي ظاهرة أجتماعية مؤقتة أم دائمية  (زيارة 3716 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Faez Alhaidar

  • عضو
  • *
  • مشاركة: 13
    • مشاهدة الملف الشخصي
      ظاهرة الطلاق في الديانة المندائية
            هل هي ظاهرة أجتماعية مؤقتة أم دائمية



فائز الحيدر

لقد تفشت ظاهرة الطلاق في مجتمعاتنا المعاصرة وشملت كل القوميات والأديان بما فيها الدين المندائي ، حتى صارت هذه الظاهرة قادرة على إحداث تحولات جذرية في نفوس الأطفال والشباب المندائيين وعقولم وسلوكياتهم ومؤئرة في القضاء شيئا" فشيئا" على المبادئ والسلوكيات القويمة التي تسعى الأسرة ألمندائية  والمجتمع المندائي لزرعها في داخلهم .
حيث بينت الأبحاث الأجتماعية والنفسية بأن الطلاق يعتبر من الأحداث الأكثر صعوبة في حياة الأنسان ، وهو حدث غير مخطط له في الحياة وبدون زمن محدد أو برنامج محدد ، وليس له أي طقوس اجتماعية أو دينية تدعمه أو تبرره .
ومن المؤسف حقا" أن نجد بيننا من المندائيين رجالا" ونساء" من يدعي أن الطلاق أصبح أحدى سمات العصر ونتيجة طبيعية لحرية الرأي والأختيار الذي أصبح الجنسان يتمتعان بها على حد سواء ، وبالتالي يحكمون على من يحاول مناقشة ظاهرة الطلاق على إنه ظاهرة سلبية وبأن المتحدث فيها ذو تفكير رجعي يحاول الوقوف ضد التيارات العصرية .

حيث لم يعرف المندائيون خلال تأريخهم الطويل قوانين أو شرائع تشجع على الطلاق إلا في فترة الثمانينات وفترة الحصار الأقتصادي الذي فرض على العراق في التسعينات حيث بدأت هذة الظاهرة تزداد شهريا" ولحد الأن وبشكل يهدد الأسرة المندائية .  لذا يجب دراسة هذه الظاهرة والعمل على حدها وتحجيمها عبر ثقافة أسرية سليمة وبرامج توعية أجتماعية يساهم فيها كل من رجال الدين والمثقفين المندائيين على مختلف أختصاصاتهم وأعتبار هذه القضية على رأس القضايا المطروحة لأهميتها ولغرض توفير فرص حل المشكلات العائلية بطرق بعيدة عن الطلاق من أجل حماية الأسرة والبناء الأجتماعي المندائي .

وقبل أن نتحدث عن الطلاق وأسبابه والظروف المحطة والمشجعة له ، دعونا نلقي نظرة عن الزواج في الدين المندائي وأهميته بالنسبة لكل المندائيين كما توصي كتبهم المقدسة .

الزواج في الشريعة المندائية
ـــــــــــــ
يعتبر الزواج في الشريعة المندائية من أكثر الأمور أحتراما" حيث تستغرق طقوس الزواج ساعات طويلة من النهار ، وقد نصت أغلب الكتب الدينية المندائية وفي مقدمتها الكتاب المقدس على أحترام الرابطة الزوجية والحرص على ديمومتها والألتزام بها . وأليكم بعض هذه الوصايا . 

من وصايا الكتاب المقدس الكنزاربا ... (  يا رجال ويا نساء إن نويتم الزواج أظهروا المحبة الصادقة وأختاروا وأشبكوا ، فاذا كتب لكم ذلك وملأ الحب قلوبكم تزوجوا ، ولكن أذا لم تختاروا وتزوجتم فليتحمل أحدكم الأخر كالمريض على فراش المرض ،  فأذا عملت أعمالا" كريهة غير مألوفة لنفسها أبتعدوا عنها ولا تمنحونها الثقة لأنها تشبه المرض العضال الذي لا شفاء منه ) . 

كما ويؤكد الكتاب المقدس ((  الكنزا ربا )) في مكان آخر على ((  أيها الرجال العازفون عن النساء ، أيتها النساء العازفات عن الرجال هل وقفتم على ساحل البحر يوما" ، هل نظرتم الى السمك كيف يسبح أزواجا" ، هل نظرتم الى السماء ، أما رأيتم الحمائم تطير أزواجا" ، هل صعدتم الى ضفة الفرات العظيم ، هل تأملتم الأشجار الواقفة على ضفافه أنها تشرب الماء وتثمر فما بالكم لا تثمرون ، أفلا نظرتم الى الأنهار اليابسة كيف تذبل الأشجار على شطأنها وتموت كذلك أنتم أيها العزاب ستموتون ، أيها الأباء أقيموا أعراسا" لأبنائكم وأقيموا أعراسا" لبناتكم وآمنوا بربكم إن العالم الى زوال ))  .

ويقال للعريس عندما يتصافح مع عروسه في أثناء مراسيم الزواج ....  (( حلفت بالحي العظيم وملائكته الأطهار ألا تنقض وعدك ولا تنكث عهدك وتحافظ على قرينتك ، تعزها وتكرمها ، لا تأكل ولا تشرب بدونها ، كن عصاها التي تتوكأ عليها أيام المحن ، أبتعد عن الخمرة والسرقة والكذب لأنها تدمر حياتك الزوجية ، هذا ما أمرني به ربي وأنا آمرك أن تلتزم به . وقسم الزوجة أن تحافظ على زوجها في السراء والضراء والغيبة والحضور وفي ماله وعرضه ، والولادة الثالثة هي الوفاة وهي تحول من العالم المادي الفاسد الى عالم روحاني )) . 

ويعتبر الزواج في الدين المندائي هوعلاقة متكافئة طويلة المدى  بين الزوجين ، ويدعوا الدين المندائي الى التكافئ بين الزوجين خوفا" على الحياة الزوجية والأخلال بهذا التكافئ سيؤدي بالتالي الى المشاكل اليومية التي عادة ما تنتهي بالطلاق . ويؤكد الكتاب المقدس للصابئة المندائيين ( الكنزاربـا ) ... (( لا تتزوجوا خادمة غير معتوقة ولا تجعلوا أبنائكم خدما" في بيت الأسياد ، فأذا تزوجتم أعطوا الفدية وأتقونهن ونعمتكم مقبولة وإلا فأذا أخطأ الأبناء فسوف تقع أخطاؤهم على رؤوسكم )) .

ومن ما ذكر سابقا" نلاحظ إن الرباط الزوجي في الدين المندائي متين ومقدس ، فبواسطته تبقى روحا الزوجين مرتبطان في الدنيا والأخرة إلا في حالتين هما من أرتكب الزنا أو من خرج من الدين المندائي ففي كلا الخطيئتين يحذف إسمه من بيت الكمال وينقطع رباطه المقدس لأنه دنس هذا الرباط وخان الثقة التي منحت له وحنث بالقسم الذي قطعه على نفسه ففي هذا الحال يعتبر الزواج ملغيا" ويمكن للزوج حينها الأرتبـاط من جديـد دون الأخلال بقسم الزواج ، أما المرأة فتصـبح نازلة أي ( ثيب ) ولكي يرفع عنها النزولية عليها وزوجها الجديد أن يصطبغا 360 صباغة .


كما ويعتبر الدين المندائي دينـا" سمحا" لا يـؤمن بالتعسف والأظطهاد والأكراه وخاصة في
الزواج لذلك فرجل الدين الحلالي الذي يقوم مقام الأب للعروس عليه التأكد من أن العروس لديها القناعة الكافية بالزواج وإنها فعلا" راغبة بالأرتباط بذلك الزوج وتؤكد له إنها غير مكرهة على إتخاذ القرار هذا .
رغم كل ما ورد من حديث حول الزواج وقدسيته بالنسبة للمندائيين نلاحظ إن الطلاق في المجتمع المندائي لا زال بدون توقف ، حيث هناك الكثير من الأسباب والعوامل  التي تشجع الطلاق سواء في العراق أو بلدان المهجر .

أهم الأسباب المباشرة وغير المباشرة المؤدية الى الطلاق :

1 ـ فقدان الأنسجام والتفاهم والأختيار الخاطئ بسبب تدخل الأهل والضغط على الفتاة للزواج بمن يختارونه هم لها . أو أن يكون الزواج نتيجة لعلاقات أقتصادية بين العائلتين أو لمصلحة مادية يرتئيها أحدهما من هذا الزواج . فالزواج هو أرتباط بين شخصين لتكوين الأسرة لذا فقبل الأختيار يستوجب دراسة الأسرة دراسة مستفيضة ، فمن وصايا نبينا يهيا يهانا ... (( يا مختاري لا تكونوا عاجزين ولا معيبين ولا تنتهجوا الكذب بأقوالكم ، أبتعدوا عن مغريات الدنيا والحياة الفانية ، أختاروا زوجة وتزوجوا ، لا تتزوجوا زوجة من الأشرار ولا تكونوا وقودا للنار الحامية )) .

2 ـ هناك بعض حالات الطلاق التي حدثت في الطائفة المندائية في بلدان المهجر ما كانت لتحصل لو أن هذه العوائل تعيش داخل العراق وهذا ليس نتيجة لتوفر الأنسجام والرغبة في العيش المشترك ومواصلة العلاقة الزوجية عن قناعة بل بسبب نظرة المجتمع للمرأة المطلقة أولا" والوضع الأقتصادي ثانيا" وخصوصا" المرأة التي تعتمد على زوجها في أعالتها وأعالة أطفالها ، فأعتماد المرأة أقتصاديا" على الرجل في العراق يحد من خيارات المرأة ويجعلها تضطر لقبول تصرفات الرجل المسيئة وتحملها في بعض الأحيان لللأهانات والضرب .

3 ـ يلعب الضمان الأجتماعي دورا" في توفير الأطمئنان النفسي للمرأة المندائية في بلدان المهجر وتجعلها أكثر حرية في أتخاذ القرارات المتعلقة بحياتها الزوجية وخاصة أتخاذ قرار الطلاق  ناهيك عن قوانين الأحوال الشخصية في هذه البلدان التي تحمي حقوق المرأة حيث أن تقاليد الحياة الأوربية والأمريكية ونمط الحياة بشكل عام تخفف من نظرات الشك والريبة الموجهة للمرأة المطلقة كما هو في العراق .

4 ـ الابتعاد عن التعاليم الدينية ، فلطالما أعتبر الدين عاملاً أساسياً في عدم حدوث الطلاق إذ تحث كل  الديانات السماوية ومنها المندائية على أن الطلاق حالة غير مرغوب فيها  وحرمت الطلاق إلا في حالات خاصة  . وبما أن الناس قد ابتعدوا عن الدين وأخذوا يتعاملوا مع الحياة بصورة مادية ، أصبح دور الدين في منع الطلاق يتضاءل  .

5 ـ النظرة الاجتماعية للطلاق واعتباره كبديل وحل ، إذ أن كثيراً من المندائيين أصبحوا ينظرون إلى الطلاق على أنه حل لكثير من المشاكل العائلية التي يعانون منها بين الزوج والزوجة خاصة فيما يتعلق بتربية الأولاد في المجتمعات الجديدة المنفتحة على الجنس والتدخين والمخدرات والشرب وتضادها مع أسس الدين والعلاقات الأجتماعية والتقاليد المندائية وهذه مشكلة كبيرة يعاني منها الآباء في جميع بلدان المهجر ولا تقتصر على المندائيين وحدهم وحسب وإنما غالبية المهاجرين  حيث يختلف الزوجين في كيفية معالجتها .

6 ـ مساهمة المرأة في العمل ، أثر على وظيفة المرأة ونظرتها لنفسها وبأنها تستطيع أن تعيل نفسها ، فقد أثر على دورها كأم وكربة بيت وكزوجة – فأصبحت المرأة مستقلة من الناحية المادية الأمر الذي غير نظرتها لنفسها ، وأصبحت تعلم أنها تستطيع أن تعيل نفسها وأطفالها دون ألأعتماد على زوجها التي لا تطيق العيش معه . مما يشجع على التناحرات اليومية والتي تنتهي عادة بالطلاق .

7 ـ زيادة الأنانية ومحاولة الفرد الحصول على إرضاء نفسه وعدم التضحية في سبيل الآخر وحل المشاكل الأسرية والتي غالبا" ما تنشأ نتيجة الضغوط النفسية والمالية بسبب الحياة المعقدة في المهجر والبطالة وفقدان الأمن في الوطن  وعدم مساهمة أهل كلا الزوجين في حل المشاكل المعلقة هذا أذا لم يقفوا الى جانب طرف واحد مما يزيد من الطين بلة .

8 ـ إن كثرة المشاكل والتوترات وعدم وجود الأحترام المتبادل في العائلة ، تجعل الزوج أو الزوجة المندائية  ينظر إلى الحياة الزوجية على أنها ليست لفترة معينة ليس لها نهاية ، الأمر الذي يؤثر سلبياً على معنوياته ، إذ أن التوترات والصراعات سوف تصحبه إلى آخر حياته ، من هذا المنطلق قد يفكر الزوج أو الزوجة في الانفصال كي يرتاح من المعانات اليومية

9 ـ عدم وجود التوافق العاطفي بين الزوجين والنظرة إلى إنجاب  الأطفال تغيرت فأصبحت العائلة تكتفي بالقليل منهم لسهولة تربيتهم وأعطائهم الوقت الكافي للجلوس معهم وسماع مشاكلهم والمساعدة على حلها وبالتالي يشعر الزوجين إن الطلاق في المستقبل بعد أنجاب طفل واحد أفضل من عدة أطفال ، مما سهل عملية الانفصال وعدم التفكير في مسألة النفقة الخاصة بالأولاد في المستقبل .

هذه الأسباب والمتغيرات مجتمعة وقد يكون الكثير غيرها مثل الغيرة والشك وقضاء ساعات طويلة خارج المنزل والتعرف على الجنس الآخر من خلال شبكة الأنترنيت والسكن مع الأهل والفرق في المستوى التعليمي بين الزوجين  سهلت من ظاهرة الطلاق وأعطت المبررات للتفكير فيه وأتخاذه بديلا" وحلا" للمشاكل العائلية اليومية .

إن للطلاق نتائج وعلى الأغلب تكون سلبية ، إذ أنه بعد الطلاق تأتي مرحلة جديدة لم يعهدها الزوج أو الزوجة ، وهي التأقلم والتعايش مع الحياة الجديدة والوضع العائلي الجديد . إذ نرى أن أغلب حالات الطلاق تكون بعد فترة طويلة من الزواج المحبط والصراعات داخل العائلة بين الزوجين ، فيؤدي إلى رغبة أحد الزوجين بالانفصال من هذه الرابطة والعلاقة المتعبة نفسياً واقتصادياً ومحاولة الإفلات والتخلص من العلاقة غير السليمة بين الطرفين .

هنا يُسأل السؤال هل الطلاق أزمة تمر بها العائلة المندائية أم بداية تحول في حياة الأنسان المندائي  ؟ أم أنها محاولة للتأقلم والتعايش مع الضغوط النفسية ونمط الحياة الجديد !!!
رغم هذا ...  هناك من يقول أن الطلاق يمكنه أن يكون بداية تحول تبقى فيها العلاقة العائلية متواصلة ولكن ذات معنى مختلف ، كما ويمكن اعتباره كفرصة للتغيير والبدء من جديد بحياة أكثر نجاحا ً، وأقل توتراً وصراعاً .

ويؤكد الباحثين من علماء النفس على أن حالة الطلاق تتميز  بالمراحل التالية  :
ـ  المرحلة التي تسبق الطلاق وبعده   : وهذه المرحلة تتميز بضغوط نفسية عالية ، ويصاحب الفرد في هذه الفترة شعور بالبلبلة النفسية والخذلان وشعور بالتنازل عن مسؤوليات سابقة .
 ـ  المرحلة الوسطى :  وهي التي تأتي بعد الطلاق والانفصال ، وتستمر إلى عدة سنوات ،  ففي هذه المرحلة تنشأ وظائف جديدة في العائلة ، وتتكون علاقة جديدة في نمط الحياة والعلاقة بين الأبوين والأولاد .
ـــ  مرحلة الاستقرار العائلي  :  وفيها يبدأ الاستقرار في مبنى العائلة الجديد والتأقلم مع التغيرات الجديدة.

وهنا يأتي السؤال ...  من هو الخاسر الأول في عملية الطلاق المندائي ؟

  لا ينكر إن نبين إن  الأطفال المندائيين يشكلون أكبر الخاسرين في عملية الهدم التي يقوم بها الطلاق الذي يحول سعادتهم وآمالهم الى أثر بعد عين ويقضي على أحلامهم البسيطة في أن يشبوا في كنف جو عائلي مستقر مثل بقية أقرانهم الذين ينامون على فراش دافئ بين حنان الأبوين وحبهما وتشير الأبحاث الى إن 30 ـ 40 % من الأطفال الذين أختار والديهم الطلاق قد عانوا من مشكلات نفسية وهي أعلى ثلاث مرات من الأطفال الذين عاشوا مع أسرهم ووالديهم .

ومن خلال الدراسات الأجتماعية والنفسية والتربوية التي قام بها الأختصاصيين بينت أن نسبة كبيرة من الأطفال المندائيين  يعانون بعد الطلاق من حالة الأكتئاب بعد خمس سنوات أما بعدها فمعظمهم يعاني من القلق وتشويش الأفكار وعدم الأسقرار والعجز عن تذوق السعادة وتجعلهم عاجزين عن الأنخراط بالمجتمع كما تفسد علاقاتهم مع آبائهم الى الأبد .

أما الفتيات في هذه الأسر يهددهن خطر التورط في علاقات مبكرة مع رجال يكبروهن سنا" وبفارق كبير أما الأولاد فربما يقيمون علاقات إجتماعية غير سوية إذ يعاني الجميع من عدوانيتهم وعقوقهم ورفضهم النصح والأرشاد ، كما أن نسبة الطلاق ترتفع بينهم عندما يصلون الى سن الزواج .

إن الأطفال المندائيين  هم بحاجة ماسة وملحة الى الدعم المعنوي الذي تقدمه لهم الأسرة المندائية العادية أو الطبيعية ، من أجل الأنفتاح على المستقبل بنظرة واثقة مليئة بالأمل والرهان على الأحسن .


     كندا / لندن
كانون الثاني / 2006[/b]