المحرر موضوع: هكذا تم اختطافي! الجزئين الأول والثاني  (زيارة 1463 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Riadh Alhusaini

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 40
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
هكذا تم اختطافي!

الجزء الاول: علامات اختطافي تلوح في الافق!

[26-01-2006]
رياض الحسيني
كاتب صحفي وناشط سياسي عراقي مستقل
www.riyad.bravehost.com

 لم يكن ذلك اليوم الباكر باستثناء عن الايام الثلاث التي قضيتها في بغداد الكاظمية حيث توقضني رائحة الشاي وبعض الدفء المنبعث من موقد تديره بدوية ذات حسن وجمال جعلني كما غيري نحيط بموقدها كيتامى وليس زوّار لباب الحوائج موسى بن جعفر (ع).
فبعد صلاة الصبح اتوجه مباشرة ومن حيث لاشعور نحو ذلك الموقد الذي يتخذ مفترشا لابأس به من شارع باب القبلة الملئ بالفنادق حيث اقامتي كلما زرت بغداد. من ذلك المقر وبعد فطور دسم من القيمر العراقي والصمون العراقي والشاي العراقي اتوجه نحو مقر "حزب الامة العراقية الديمقراطي" الذي يرأسه السيد مثال جمال الالوسي (ابو ايمن).
ورغم زيادة اجرة التاكسي من ثلاثة الاف دينار الى خمسة -نظرا لاصدار حكومة الدكتور ابراهيم الجعفري قانون رفع اسعار البنزين ثلاثة اضعاف- الا ان ذلك لم يكن سببا لي في ان اقطع زياراتي المتكررة للمقر حيث لي فيه احبة ومعارف فضلا عن ابو ايمن الصديق العزيز.
ورغم المخاطر التي تكتنف من يتكرر على الشارع المؤدي الى مقر حزب الامة حيث مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني ايضا الا انني كنت اقنع نفسي بان من اوصوني بالحذر الشديد بانهم اناس يحرصون على سلامتي ليس الا وانها نصائح لاتستند الى الواقع الذي كنت اتوقع احاطتي به خصوصا وان لااحد يعرف من انا! نعم كيف يتسنى لشخص ان يعرف انني رياض الحسيني الكاتب الصحفي والمعارض سابقا لحكومة صدام والمرشح لعضوية المجلس الوطني ضمن قائمة مثال الالوسي للامة العراقية لاحقا الا اذا كانت عصابة منظّمة وذات اذرع وغطاء سياسي وهو ما اسقطته من حساباتي تماما.

لم يكن ذلك سوء تقدير مني بالقدر الذي كان واقعا اعيشه يوميا حيث لاعداوات شخصية لي فضلا عن انني لم اشكّل يوما رقما صعبا في وجه التيارات المنافسة سواء الشيعية منها او السنية او حتى ضمن قائمة حزب الامة الذي لم انتمي له ولست حتى من اعضاءه ولا تربطني به سوى العلاقة الحميمية والصداقة التي كانت تربطني بشخصية مثال الالوسي.

نعم كنت من اشد المدافعين عن هذا الرجل الذي كان يشكل بالنسبة لي صورة مصغّرة عن العراق في المنفى حيث الاصالة والاندفاع والمشاكسة المبرمجة وروح الدعابة والغيرة والشهامة والوعي الوطني والنضج.
ترسّخت تلك النظرة لدي بشكل اكبر حينما خطط مع مجموعة من النشطاء السياسيين لاقتحام مبنى السفارة العراقية في برلين ونجاحهم في احتجاز السفير وطاقم السفارة من دون اراقة قطرة دم واحدة وذلك في 20 اغسطس 2002. بعدها لم ادّخر جهدا ولم اتردد لحظة واحدة لانبري مدافعا عن الالوسي وعن منطلقاته حينما هاجمته الصحافة المحلية والعربية على حد سواء نظرا لحظوره مؤتمرا يناقش الارهاب العالمي في تل ابيب.
فكتبت مقالا عنونته " رفقا بالالوسي، من طلب الباطل فاصابه ليس كمن طلب الحق فاخطئه"، والذي اثار كثير من التساؤلات حول علاقتي بالالوسي بل وتعداها ليصل الى علاقتي باسرائيل التي لم اتوقع يوما ان يتهمني فيه احد بهكذا تهمة شنيعة من انني والالوسي نشكّل جبهة دعائية للتطبيع مع اسرائيل في العراق الجديد. تهمة اقلّها ان يدفع من يوصم بها حياته ثمنا فضلا عن التسقيط الاجتماعي والافلاس السياسي في وضع مضطرب مثل الحال العراقية الاستثنائية بكل المقاييس والنسب.
نعم تعرّضتُ لهكذا كلام ومناوشة وتلاسن مع البعض ممن يخشون نجاحي ووصولي الى مستويات تعرّي ماهم عليه من الدعة الا ان ذلك لم يكن مدعاة لي لان يخطر ببالي ان يصل الامر الى حد الاختطاف والقتل الا اللهم من قبل جماعات اسلامية متطرفة او بعثية مهزومة وهو ما اسقطته من حساباتي بشكل قطعي ايضا.

لم يقف اسنادي للسيد الالوسي عند هذا الحد بل تعداه الى مقالات ومواقف جريئة اخرى تزامنت مع محاولات الاغتيال التي تعرض لها موكبه مرات عدة وسط بغداد او من خلال الهجومات المتكررة على داره الواقعة في حي الجامعة.
كان اخر تلك الهجمات محاولة في الثامن من فبراير 2005 اتت بنصف اكلها فخرج الالوسي منها سالما بينما دفع ولديه ايمن وجمال حياتهما ثمنا بدلا عنه. في الليلة التي سبقت تلك الحادثة كنت على الهاتف مع الشهيد ايمن وتكلّمنا كثيرا حول الوضع في العراق والسبل الكفيلة للخروج من الازمة التي بدات تبتلع الوطن باكمله.
تألمت كغيري من العراقيين لما يلاقيه هذا الرمز الوطني وعائلته من افعال دنيئة من قبل الارهابيين فضلا عن التجاهل المتعمّد من قبل السياسيين المحليين والذي كان اخرها تجريده من الحماية الشخصية بعد عزله من هيئة اجتثاث البعث الذي سبقه تجميد عضويته في المؤتمر الوطني العراقي بزعامة الدكتور احمد الجلبي.
وقتها كتبت مقالا بعنوان "كبرياء الالوسي وانكسار الحكومة" حمّلت فيه وزارة الداخلية مايلاقيه الالوسي وعائلته على ايدي الارهابيين من جرائم فضيعة من دون ان تحرّك الحكومة ساكنا لمنع ذلك او على اقل التقديرات مؤازرته وقت الحاجة نظرا لانه مواطن عراقي فضلا عن انه سياسي وطني له برنامج ورؤية خاصة يظن من خلالها انه يخدم العراق والشعب العراقي ويجب ان تُحترم.
بعد تلك المواقف وصلتني توعدات وتهديدات من انني ساواجه المصير نفسه ان لم اتخلّى عن مساندة الالوسي! حقيقة لم اعطي لها اذن صاغية ولم اكترث بها ولم اعرها اية اهمية واعتبرتها كلام فارغ لايجب ان يأخذ من وقتي الكثير، فزمن التهديد والوعيد قد ولّى مع جرذ الحفر، فنحن اليوم نعيش مرحلة من الانفتاح والقيم الديمقراطية، هكذا اقنعت نفسي وآمنت.

الحقيقة ان مواقفي الوطنية لاتتحكم بها ايدلوجية محددة كما ليست لدي اية ارتباطات حزبية ضيقة، فانا وكما معروف عني مستقل عن الانتماءات ومنفتح على الجميع بلا استثناء ماخلا الارهابيين ومن يقف وراءهم ويبرر لاعمالهم في قتل الابرياء وتدمير الانسان تحت حجج واهية. وان اختلفت رؤاي مع البعض منهم فلا يعني ذلك بانه يتوجب علي القطيعة لسبب بسيط هو فهمي للحالة العراقية فضلا عن ايماني بان الاختلاف لايفسد للود قضية. كما آمنت بانه يتوجب على الجميع ان يتصرّفوا بهذا الوعي العالي وان لايصرفهم الانتماء الحزبي عن القضايا الوطنية العليا.
للامانة اقول ان اغلب من التقيتهم كانوا كذلك وهو مايدعو الى التفائل بالعراق الجديد. لذلك لم تقتصر مقالاتي ومعالجاتي الصحفية بالاضافة الى مساندتي السياسية ومواساتي الانسانية على الالوسي الذي لم يحصل منها الا على النزر اليسير مقارنة بالاحزاب الاسلامية مثلا او المواقف الليبرالية الاخرى سواء العراقية منها او العربية.

هكذا اختطفني (حجّي) المقاومة العراقية!

الجزء الثاني: الخطة المحكمة والهروب المستحيل!
رياض الحسيني
[27-01-2006]

سيبقى يوم 20 كانون الاول 2005 محفورا في ذاكرتي ما حييت ليس لانه يوم اختطافي او لانه قد هُدرت فيه كرامتي على مدى 24 ساعة تقريبا فحسب بل لانه يوم احاطتي بامور لم اكن لاعرفها ولا لادركها لولا تلك الحادثة التي شكّلت منعطفا بارزا في مستقبلي السياسي والاجتماعي.
بصراحة تملّكني شعور غريب في اليومين الاخيرين قبيل الحادثة وحدس من انني ساواجه مشكلة كبيرة وساكون موضع اختبار حياة وموت! شعور ممزوج بألم فضيع وضغط نفسي مخلوط بشئ من الذنب اتجاه أعز انسان في حياتي لخلاف نشب بيننا مؤخرا. هذا الحدس كان سببا لتهيأتي نفسيا لتقبل الحادثة بشئ من التعقل والصبر والتعامل بحكمة معها وكانني على موعد مسبق معها.
بيد اني لا ادري لماذا تملّكني شعور صبيحة ذلك اليوم بانه يوم نحس خصوصا بعد ان وصل الى مسامعي من ان الحدود السورية قد أُغلقت الى اشعار اخر، وهو ما أضاف الى همي هموم اخرى نظرا لانني قد اكدّت الحجز قبل يومين على الخطوط الايطالية شروعا مني للعودة الى كندا حيث زوجتي وطفليّ محمد وشهد. لقد كان من المفترض ان اغادر هذا اليوم الى سوريا ولكن بعض النزلاء نصحني بالذهاب الى الاردن والدخول الى سوريا من هناك وهو امر استثقلته لاول وهلة ولكن سرعان ماوجدت عملية الالتفاف هذه اقتراح عملي في وضع استثنائي مثل هذا.
علاوة على ذلك انه سيوفر لي ثمن التذكرة الثانية التي من المفترض ان اشتريها لو اني قد قررت انتظار فتح الحدود السورية العراقية. لذا قررت اخيرا غلق حسابي في الفندق فودّعت من تعرّفت عليهم واستأجرت عربة لنقل امتعتي الى الشارع العام فمنه يمكنني ان استقلّ التاكسي الى (حافظ القاضي) حيث سيارات النقل الخارجي.

لم انتبه الى جانبي الطريق من الفندق الى الشارع العام وهي مسافة استطيع ان اقدرها بخمسمائة متر نظرا لانشغالي بسماع قصة الفتى الذي استأجرته لنقل الامتعة فصغر سنه اذهلني عن التفكير بما يجري على حافتي الطريق.
كان في الحادية عشر من عمره فسألته ان كان يذهب الى المدرسة حيث المكان الطبيعي لامثاله، فرمقني بنظرة استهزاء مغمّسة باشفاق أكاد اجزم انه اولى به مني! الا ان ذلك لم يكن ليمنعني ان استمع لروايته التي جاء فيها ان ابيه قد دأب على احضاره كل يوم الى هذا المكان في ساعة مبكرة من الفجر فيعود في الظهيرة ليأخذه الى حيث مدرسته التي لاتبعد كثيرا عن محل سكناه.
لاادري لماذا احسست بان الفتى لم يكن صادقا؟! اهي نظرته السابقة لي ام انه الخجل الذي اصيب به من جرّاء سؤالي اياه؟! لا أدري، ولكنني كنت متأكدا ان امثال هذا الطفل كثر، هذا اذا كان فعلا من يحضره الى هذا المكان هو ابيه وليس مستخدمه كما هو حال الكثير من الاطفال اليتامى اللذين يملئون شوارع بغداد ليكونوا عرضة للمستغلين واصحاب الضمائر الميتة وسط غياب للملاحقة الجادة من قبل قوى الامن لامثال هؤلاء.
ذلك نظرا لانشغال الحكومة بكامل طاقتها لملاحقة الارهابيين والمخرّبين اللذين يعيثون في الارض فسادا بشكل متواصل ومن دون انقطاع سواء من خلال السرقة المنظّمة او من خلال اعداد السيارات المفخخة والقتل العمدي او من خلال زرع المفخخات واستهداف رجالات الدولة والحكومة. الامر الذي يجعل الوضع العام مناسبا لتخلخل الاخلاق وتسلل مثل تلك الجماعات بين الصفوف وممارسة عملها بشكل اسهل منه فيما لو كان الوضع العام مستقرا وامنا.

كنت اعد نفسي محظوظا لانني قد وجدت سيارة تاكسي تنتظر زبونا رغم انني قد لمحت بعض من ينتظرون على حافة الطريق ويبحثون عمن يقف لهم ليقلّهم الى حيث يعملون او يراجعون، الا ان ذلك لم يكن محط شك لي مطلقا بل اعتبرته "حسن حظ"! سألت السائق ان كان مستعدا لنقلي الى (حافظ القاضي) حيث سيارات النقل العام الى سوريا والاردن.
أجاب الرجل على الفور بنعم، فسألته عن الاجرة فلم يتردد وطلب مني ثلاثة الاف دينار، ورغم علمي بان الاجرة لاتقل عن خمسة الاف الا انني اعتبرت ان "حسن الحظ" لازال يخدمني في كل شئ! فلماذا كنت احس بسوء الحظ من الغبش؟! لم اجد اجابة الا في وقت متأخر طبعا!

وضع الرجل الذي كان عمره قد طاف الاربعين بنيف على اقل تقدير كامل امتعتي في سيارته وانطلقت تسابق الريح الى حيث المفترض بها ان تصل. دار حديث قصير بيننا بدأه هو بسؤاله اياي عن وجهتي فأخبرته بانني ذاهب الى سوريا ولكن نظرا لغلق الحدود فقد عزمت بدلا من ذلك ان اتوجه الى الاردن ومنها الى سوريا.
لا انكر انني في تلك اللحظات قد تذكرت نصيحة من سائق سيارة اجرة اخر كنت قد التقيته ذات مرة. للامانة اقول ان الرجل كان لي من الناصحين حين سألني عن سبب ذهابي الى منطقة 52 وتحديدا "ساحة التحريات" حيث مقر حزب الامة الديمقراطي. نصحني بعدم اعطاء اية تفاصيل عن شخصيتي وان سألني احدهم ان كنت من سكنة بغداد فعلي ان اجيب بنعم؟! فسألته عن السبب فرد باللهجة البغدادية "اولاد الحرام هواي" اي كثر!

ماهي الا دقائق معدودة حتى استأذنني السائق الذي كان لطيفا جدا معي طوال الطريق في ان يشاركني احد اصدقائه واحدا من المقاعد الخلفية ليوصله الى حيث عمله في طريقنا؟!
طالما في الامر مروءة وشهامة فضلا عن سعة السيارة التي كنت وحيدا فيها وبقدر ماكان في الامر "تسهيل امر" لعباد الله خصوصا وان حكمتي في الحياة "الله في عون العبد مادام العبد في عون اخيه" فلم اتردد في قبول عرضه وليتني لم اقبله فقد كان بداية النحس الذي احسسته منذ الصباح!
توقفت السيارة وكان بالانتظار رجلين يرتديان "دشاديش" عراقية تؤكد ان هيئة الرجلين من الكسبة اللذين يخرجون في الصباح الباكر لهثا وراء اللقمة الحلال.
لم اتوجّس ولم يدر في خلدي ان هذين الرجلين هما جزءا من الخطة التي اعدت وطُبخت في مطبخ احد السياسيين البارزين على الساحة العراقية؟!
انطلقت بنا السيارة في دروب لم أالفها من قبل ولعدم معرفتي بمسالك بغداد وضواحيها فقد سألت السائق عن وجهتنا فاجاب على الفور من انه سيوصل هذين الصديقين ومن ثم سيوصلني وان هذه الطريق ماهي الا اقصر الطرق الى (حافظ القاضي) واردف قائلا "ماكو احد يعرف هاي الطريق الا السايق الشاطر"؟! فصدّقته لفرط ثقتي؟![/b][/size][/font]