المحرر موضوع: نظرة الغرب الى الإسلام..  (زيارة 4061 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل رحيم العراقي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 372
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
نظرة الغرب الى الإسلام..
« في: 10:40 31/01/2006 »
يقدم هذا الكتاب صورة كاملة تعبر عن رؤية غربية لنظرة الغرب الى الإسلام في العصور الوسطى، وهى رؤية رغم ما حاولت الإلتزام به من موضوعية إلا أنها في النهاية لم تتمكن من تجاوز أسر المواقف التحيزية ضد الإسلام رغم أنها تصدر عن مؤلف دارس أكاديمي تخصص في دراسة العصور الوسطى في الغرب وهو ر. و. سذرن الأستاذ المخضرم في جامعة هارفارد والذي أثرى المكتبة الغربية بالعديد من الدراسات المتخصصة عن تلك الفترة.
ومنها «المجتمع الغربي والكنيسة في العصور الوسطى» و «صناعة العصور الوسطى» و «النزعة الإنسانية في العصور الوسطى» ويقدم المؤلف من خلال الكتاب وهو في الأصل عبارة عن مجموعة محاضرات ألقاها ر. و. سذرن في جامعة هارفارد الأمريكية تناولا لفترة ثمانية قرون ونصف من الصراع بين الإسلام والنصرانية.
وانطلاقا من خبرته كمتخصص يميز هنا بين ثلاث مراحل رئيسية الأولى أربعة قرون من عدم المبالاة والثانية محاولات القرن الثالث عشر المختلفة لتقدير الإسلام وتقييمه والثالثة أواسط القرن الخامس عشر حين غاص بعض المفكرين الاوروبيين في قضايا لم تناقش من قبل لعدة قرون، وهو يتتبع في هذا الصدد حسبما يشير المترجمان أسباب المواقف المعروضة المتباينة والى أي مدى أثرت في سير الأحداث أو بررتها هذه الأحداث.
بداية يشير المؤلف الى أن العلاقة بين الإسلام والنصرانية في العصر الوسيط لم تكن موضع دراسة جادة وهو الوضع الذي تواصل الى أن جاء عمل ارنست رينان في وقت متأخر في القرن قبل الماضي حول ابن رشد والرشدية، بمعني أخر أنه لم يبذل مجهود كبير لتفهم إسهام الإسلام في تطور الفكر الغربي أو تأثيره في المجتمع الغربي المجاور للإسلام حتى السنوات الواقعة بين الحربين العالميتين.
 غير أنه ورغم ذلك فإن الشعور العام الذي ساد الغرب على مدى القرون الثلاثة الماضية هو التفوق في مختلف المجالات وهو شعور لم يلق تحديا خلال هذه الفترة الا في النادر وأصبح جزءا من تراث الغرب الذي من المؤلم تعديله أو العدول عنه.
ويعرض المؤلف لجوانب من التحديات التي مثلها الإسلام أمام الغرب آنذاك سواء على الصعيد العملي أو على الصعيد الفكري فعلي المستوى الأول تطلب الأمر كما يقول المؤلف اتخاذ اجراءات معينة كالصليبية والدعوة الى النصرانية والتبادل التجاري وعلى المستوى الثاني
 وباعتباره مشكلة لاهوتية تطلب بإلحاح بعض الأجوبة على بعض الأسئلة التي كان لا بد من طرحها مثل مادوره الذي قدرته العناية الألهية في التاريخ وهل كان علامة على نهاية العالم أو هو مرحلة من مراحل التطور في النصرانية وهل كان هرطقة أو انشقاقا مذهبيا أو دينا جديدا؟ وقد وقف علماء العصور الوسطي وأولى الأمر أمام جميع هذه المعضلات التي عرفناها في مختلف المجالات وألقوا الكثير من الأسئلة التي نطرحها الأن.
 على أن الشيء الوحيد الذي يجب توقع عدم وجوده في تلك العصور هو الروح المتحررة الأكاديمية أو البحث الإنساني الذي تمير به الكثير من البحوث التي تناولت الإسلام في المائة سنة الأخيرة.
وفي سياق دراسته يشير المؤلف الى حيرة الغرب في تفهمه للإسلام وقد عزز من ذلك عدم تمكنه من الحصول على أية مساعدة من الثرات القديم ولا طمأنينة من الحديث فاعتمد علنا ولعصر كامل على الماضي في مواده وقد زاد من ذلك أن الإسلام كان عقيدة بعض الرجال الذين دأب الغرب على الإعجاب بهم باطراد وأحيانا بشدة كالفارابي وابن سينا وابن رشد وأبطال فروسية كصلاح الدين وسواه فكان من الصعب تصديق القول بسذاجة عقول مثل هؤلاء الرجال.
وقد أثرت جميع هذه الاعتبارات المعقدة في رد الفعل الغربي ازاء الإسلام في العصور الوسطي. هذا الى جانب اختلاف الأسس التي يقوم عليها كل من المجتمعين الغربي والإسلامي في ذلك الوقت ففيما حقق الإسلام القوة والثروة والنضج كان الغرب مجتمعا زراعيا اقطاعيا رهبانيا في الوقت الذي تركزت فيه قوة الإسلام في المدن الكبيرة والقصور الثرية وخطوط المواصلات الطويلة.
فضلا عن أن الإسلام قطع خلال اربعمائة عام من وجوده مراحل من تطوره العقلي لم يستطع الغرب تحقيق نظيرها الا بعد مرحلة تطور أطول منها بكثير فقد انتجت البلاد الإسلامية مجموعة ضخمة ومتنوعة من العلماء والأثار العلمية في القرون التاسع والعاشر والحادي عشر تفوق ما أنتجته النصرانية الوسيطة في المدة نفسها من الزمان.
 وفي اشارة الى بعد الشقة بين ما كان عليه حال المسلمين والغرب في ذلك الوقت يقول المؤلف إن مقارنة فهارس الكتب الغربية بقوائم الكتب المتوفرة لدى علماء المسلمين لتعطي انطباعا أليما عن حالة العقل الغربي وهذه المقارنة تقع على حد قوله كأنها قنبلة على علماء القرن الثاني عشر اللاتين الذين كانوا أول من فتح عينيه على واقع هذا الاختلاف.
 وبشكل عام يشير المؤلف الى أنه كان هناك جهل تام بالإسلام في الغرب فهو لم يكن على حد ما يذكر سذرن سوى مجموعة من الأعداء تهدد العالم النصراني من كل صوب وقد لجأوا في محاولة فهم ما يتعلق بالعرب المسلمين الى الكتاب المقدس من خلال تاريخ العهد القديم.
 واذا كان الأسبان هم الذين تعرضوا بشكل مباشر للحكم الإسلامي فإن المؤلف يقدم لنا صورة وردية بشأن وضعهم هناك فالنصارى حسب قوله كانوا يحبون قراءة القصائد والقصص العربية ودراسات الفقهاء والفلاسفة العرب لا لدحضهم بل لامتلاك ناصية لغة عربية سليمة وقد استثار هذا ردود فعل بين حفنة من النصارى وقادهم الى الاحتجاج ضد هذه التطورات التي تمثل ردة عن النصرانية من قبل بعض اخوانهم.
 وقد تبدلت العلاقة بين العالم النصراني والإسلام فجأة بقيام الحروب الصليبية وفي مؤشر على ذلك يقول المؤلف أنه لم يجد قبل سنة 1100 اسم محمد يذكر الا مرة واحدة في الأدب الوسيط خارج اسبانيا وجنوب ايطاليا أما بعد عام 1120 فقد بات لدي كل فرد في الغرب صورة للإسلام ومن هو محمد (صلي الله عليه وسلم)
وإن كانت هذه الصورة رغم ذلك لم تكن مبنية على معرفة حقيقية وهي صورة مشوهة في الغالب تردد بعض ما أتهم به الأقدمون النبي صلى الله عليه وسلم وخاصة تهمة السحر وقد وصل الأمر الى حد ترويج الأساطير التي ليس لها أية علاقة بطبيعة الإسلام ومن ذلك اتهام المسلمين بعبادة الأصنام !
 (وهو الافتراء الذي أعاد طرحه هذه الأيام مساعد وزير الدفاع الاميركي) والخلاصة أن التفسيرات المختلفة التي قدمت للاسلام آنذاك قامت على أنواع مختلفة من الجهل وقد كان لهذه المحاولات في تفسير الإسلام تأثيرها العميق في مستقبل الفكر حيث هيأت للإسلام مكانة في ثلاثة من التقاليد العظيمة للفكر والوجدان وهي تاريخ الكتاب المقدس والنظرة الإلهامية والخيال الشعبي.
 ويعرض المؤلف بعد ذلك الى بدايات التعريف الصحيح بالإسلام فيذكر أن المفارقة أن ذلك تم على أيدي رجال ساهموا بقدر واف في الأدب الخيالي لتلك الفترة ومن بينهم وليام الملمسبري الذي يكشف تاريخه عن شغف خاص بالسحر والأعاجيب لكنه كان حسبما يذكر المؤلف أول من فرق بوضوح بين أساطير عبادة الأصنام والخرافات الوثنية السلافية وبين التوحيد في الإسلام، كما أكد خلافا للرأي السائد آنذاك أن الإسلام لا يعتبر محمدا إلها بل نبيا.
وقد استتبع هذا التطور والذي جاء في بواكير القرن الثاني عشر نشأة عادة البحث المستقل في غربي أوروبا في أوائل هذا القرن وهو الأمر الذي كشف عن نفسه في المأثورات التي تحمل تقديرا صادقا للإسلام وفي هذا الصدد قام بيتر المحترم بترجمة القرآن (معانيه) وأكملها في يوليو عام 1143 وهي الترجمة التي تعتبر علما في طريق الدراسات الإسلامية حيث أنه بهذه الترجمة أتاح ولأول مرة أداة بيد الغرب لدراسة جادة للإسلام وإن كان قد استهدف أصلا بالترجمة مواجهة أية احتمالات لتأثر المسيحيين بالإسلام.
غير أن الجهد الذي كان يبذل في سبيل وضع الإسلام في إطار عقلي كريم فتر بعد عهد بيتر المحترم اذ جاءت أخطار أقوى من تلك التي شد اليها الإنتباه وكان الخطر الذي شعر به معظم المراقبين للإسلام في أخر القرن الثاني عشر ذا صبغة عسكرية وكان الرد البسيط هو الحث على مزيد من الجهد العسكري.
 وإزاء ذلك انقسم العالم الغربي الى معسكرين يقول أولهما بأن لا صليبية على الإطلاق ويدعو الأخر الى صليبية أفضل وأكثر استعدادا وفي كل الأحوال كان على أكثر المؤيدين للحملات الصليبية تعصبا أن يتجهوا بتفكيرهم الى المحتويات العقلية للعقيدة الإسلامية ومحاولة دحضها إما لإضعاف إرادة المقاومة لدى العدو أو أن يسقط في يده وإما لشد الأوتار الواهنة في الغرب ببث إيمان أكبر في جهده العسكري.
وهنا يشير المؤلف الى أثر ظهور المغول والذي بعث أمالا لدى الغرب بإمكان التوحد معهم لهزيمة المسلمين.
 ثم يعرض المؤلف لمجموعة لحظات في تاريخ الغرب لها دلالة في علاقته بالإسلام ويشير في هذا الخصوص الى أن إمتلاك أسلوب فلسفي مشترك كان الرابطة الجديدة الكبرى بين الجانبين في القرن الثالث عشر وهو الامر الذي جاء نتاج جهد مجموعة من المترجمين وقفوا أنفسهم للعمل في طليطلة إبان الربع الثالث من القرن الثاني عشر
وقد قدم هؤلاء الرجال الى الغرب أعمال كبار الفلاسفة المسلمين أمثال الكندي والفارابي وابن سينا وغيرهم ومكنوا الغرب - لأول مرة - من امتلاك تراث الفكر الفلسفي والعلمي اليوناني الذي كان يحتل وضعا متميزا في قرون الإسلام الأولى.
وفي نهاية القرن الثاني عشر أصبح في الإمكان الحصول على جزء كبير من هذا العمل باللغة اللاتينية وقد كان من توابع ذلك تأثر اللاهوت النصراني في أرائه ولغته بالفلسفة الإسلامية وهو مظهر واحد من مظاهر نفوذ فكري إسلامي أوسع.
وفي السياق ذاته يعرض لدور روجر بيكون الذي تجاوز مرحلة فهم المسلمين اعتمادا على الكتاب المقدس معتمدا تماما على الفلسفة مستمدا إياها من فلاسفة الإسلام.
ثم يتناول المؤلف في الفصل الثالث الوضع الذي نجم عن ثبوت وهم الأمال التي سادت من قبل وتمثلت في أنه أذا أعيد المنشقون النساطرة الى الجماعة المسيحية واهتدى التتار فإنه سيقضى على جميع العرب المسلمين بسهولة.
فإزاء عدم تحقق هذه الأمال ساد ما يسميه المؤلف بفترة نحس في تاريخ اوروبا وكانت من علامات العصر آنذاك في القرن الرابع عشر عدم الإيمان بوجود حلفاء خارج اوروبا والإنفصام العميق داخلها ولامبالاة غير محددة بالأعداء في الخارج وخاصة الإسلام عدوها الأكبر.
ومع دخول القرن الخامس عشر كانت الحقيقة الواضحة للعيان هي وجوب القيام بعمل ما تجاه الإسلام الذى بدأ يزداد خطره مع فتوحات الدولة العثمانية، وهو ما انعكس في تفكير شخصية مثل مارتن لوثر الذي راح يؤكد على عدم وجود حل سياسي أو عقلي للمشكلة الإسلامية. أما كيف تغير الحال الى النقيض فهذا مايتجاوز نطاق الكتاب.