عــــــودة الـــحياة
عندما كنت امر بقرب من القرى القريبة من الزاب ونحن نقطع المسافة بين قرية هيس او مركيجيا الى المقرات التي كانت تقع على الزاب الاعلى، كنت اتسأل مع نفسي يارب هل سيأتي يوما ويعود اهالي هذه القرى المتناثرة على على هذه المساحة ، كانت مالخثا هي الموقع الدائم لاستراحتنا، ومن مالخثا كنا نرنوا بابصارنا تجاه تلك القمة العالية والتي تكاد تسيطر على كل المواقع، كانت قمة استراتيجية سيطر عليها جيش النظام ومن هناك كان يهدد مناطق واسعة.
كانت القرى التي نمر بها والحقيقة هي اثر للقرى لان اهلها نزحوا عنها منذ بداية الستينات من القرن الماضي، فعمل الزمن وعوامل اخرى كثيرة عملها لهدم دورها وتدمير بساتينها، اقول كان هذا التساؤل دائم الاطلال والحضور في كل رحلة الذهاب الى مهمة او العودة منها، كانت قرى عين ننوني ودوري ومركيجيا وهيس وموسكا وتوتي شمايي وجديدة وتاشش وباز وكاني بلاف من منطقة برواري بالا تدب فيها الحياة بشكل خجول اي كان يسكنها بعض الافراد، ولكن قرى مالخثا وخوارا وبوتارا واقري وسردشتي وبيت بالوك وايت وبيت شميايي ساكتة، فلا بساتنيها عامرة ولا تنانيرها حامية ولا كوانينها (من كانونا) ساخنة ولا بيادرها صاخبة ولا كنائسها مهلهلة لمجد الرب كما كانت في خوالي الايام.
قبل ايام بثت قناة عشتار الرائدة ريبورتاجا نقلنا من القنوط واليأس الى مرحلة ارتسمت على وجوهنا البسمة ها هو مرة اخرى دبيب الحياة يدب في ما كنا نعتقده زال والميت لا تدب فيه الحياة، بكل صمت منذ اشهر عدة هناك حركة دؤبة شجاعة ومصممة على ان يقول العمل ها انا ذا امامكم شامخا حقيقيا صلبا ناطقا بالوجود الجديد وجود حي يتطلع للمستقبل ، نحن هنا للعمل الحقيقي، فالدور تشيد والكنائس تعمر وبشرط ان يسكنها اهلها من الذين هجروا منها، لتتواصل حلقة القرى من الزاب الى الخابور في شريط جميل ومتناسق يزرع الامل ويبني المستقبل ويعيد للمنطقة وجهها الحقيقي الملون باناسها وبساتنينا وامكانية ابناءها للابداع والتطور وللمنافسة في جلب كل جديد ليحول المنطقة ليس فقط الى اشهر منطقة للتفاح اللذيذ بل لكل ما يمكن ان يجعل حياة سكانها اكثر غنى واكثر استقرارا واقل معاناة.
ستجري السواقي بسواعد ابناء القرى وستعم كهربة القرى مما سيسهل الحياة كثيرا، ولن تكون القرى منعزلة باردة في الشتاء القارص بل ستكون هذه القرى عرأس مكللة بالابيض الناصع، الذي لن يكون عقبة بعد اليوم لان الطرق ستكون مسلوكة، سيكون الابيض الناصع سببا لمزيد من الثراء فالناس انواع منها من يحب الثلج ومنها من يحب البحر، وثلجنا سيكون سببا لجلب من يود ان يلعب وان يلهو فيه ويتزلج وان ينعم بهدوء المنطقة، فانسانا المبدع عودنا على انه قادر على صنع العجائب فقط اتركوه حرا، وطمأنوه انه محمي بقانون واحد مع الكل، فسترون الابداع الحقيقي.
اليس من حقنا ان نفرح بعد كل هذه السنين العجاف، واية فرحة انها الفرحة الحقيقية، التي تتجاوز كل ما قيل وما بث كشعارات للاستهلاك وذر الرماد، فكل ما كنا نتمناه من عملنا هو ضمان حقوقنا كشعب وكمواطنين وقد خسرنا فيها الكثير جراء رغبة البعض للاستحواذ على قرارنا السياسي واعادة اعمار قرانا وعودة ابناء شعبنا الى الجذور،وها هو يتحقق بثبات، نعم الجذور التي بفقدها تناثرنا في كل ارجاء العالم، اليوم هاهي الايادي الطيبة تبعث الحرارة في هذه الجذور وهاهي تمتد لتتفرع ولتقوى ولترتفع اغصان الثبات والاستقرار، لتنتشر ظلال المحبة والفرح لتجلب النسيم العذب ايام القيض في عز تموز.
انها الخطوة الاهم منذ سنوات، انها الخطوة التي كنا نعتقد انها قد تكون من المستحيلات، او صورت كذالك، لكي لا يتم التحدث عنها، ولكي لا تدرج كمطالب قومية وينكشف المستور، ولكن اليس من حقنا ان نطرح تساؤلا منطقيا وهو لماذا كل هذا السكوت المريب.
اليس من حقنا ان نقول السكوت المريب، نعم انه حقنا، لان العمل المنجز يتخطى كثيرا ما جال في خيال البعض وما روجه البعض، اليوم كردستان العراق تفتح ذراعيها لابناءها الذين رحلوا عنها قسرا وفي ظروف عصيبة، اذ كذب الذين يدعون ان الاخوة الاكراد اعداءنا فنحن شعبان حقا ولكن يجب ان نتعايش، وكل الايادي الان ممدودة لكي تحقق عودة الحياة الى الجذور، وهاهو الدليل امامكم ساطعا شامخا، ولا نقول اكتفوا لا بل زيدوا ونقول لابناء شعبنا عودوا ولكن بتخطيط وبالتعاون مع اللجان المشكلة لغرض بناء وتطوير القرى، ففي القرى ستدرسون لغتكم وتتوفر فيها اغلب المتطلبات العصرية، ناهيك عن النظافة والجو الصحي، كما ان المنطقة تبشر بالخير فالامان مستتب والامال الاقتصادية تبشر بالف خير، اذا علينا ان نسمع صوت العقل ونحدد خيارنا على اساسه، وكفانا الهرولة خلف المزايدون.
تبقى هذه الخطوة تكملة لخطوة حقيقية نحن بحاجة ماسة لها، الا وهي خطوة استحداث محافظة ادارية مشتركة تظمنا نحن الكلدان الاشورين السريان مع اخوتنا من الشبك والازيدية، ان هذه المكونات الثلاثة يمكن لها ان تتعايش وان تقيم منطقة عامرة ومنتجة اي يمكن لهذه المنطقة ان تتطور بفعل ان ابناءها معروف عنهم الجد والابداع والقدرة على هظم التطورات الثقافية والعلمية، وان ربط هذه المحافظة الادارية باقليم كردستان العراق سيحقق التواصل التام مع ابناء شعبنا في محافظات دهوك واربيل اداريا وتنمويا وتعليميا ولا نقول اجتماعيا لان كل العراق مرتبط اجتماعيا ولا تقسمه اي حدود.
هنا اود ان اسجل شكري وتقديري لهذا الجهد الرائع، هذا الجهد القومي والوطني والانساني لكل من شارك في تحقيق هذا الحلم الجميل ادارة وتمويلا وتنفيذا، اسجل لهم عظيم امتناننا نحن من عملنا سنوات طويلة لاجل ان نرى قرانا عامرة وشعبنا يرفل بالسلام والهدوء والاستقرار. بالطبع ان هذا العمل بحاجة الى عمل اخر الا وهو قانوني حيث يجب ان تعمل كل السواعد الخيرة من اجل اقرار وحدة شعبنا واقرارا واضحا بحقوقه واقرارا واضحا بالغبن الذي تعرض له،واقرارا واضحا بعمقه التاريخي والحضاري، وهذه الامور يجب ان تقر وتشرعن في بغداد وهي من صلب عمل السياسيين.[/size][/font][/b]