المحرر موضوع: هذا هو عراق اليوم  (زيارة 1131 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل ميخائيل مـمـو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 696
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
هذا هو عراق اليوم
« في: 02:09 10/02/2006 »
هذا هو عراق اليوم
بقلم : ميخائيل ممو
رئيس تحرير مجلة حويودو الآشورية

ألدينا في العراق ما يبهر العالم؟!  نعم ، لدينا .. لدينا في عراق الحضارات من الثروات التي هي محط انظار العالم أجمع ، ومن الثورات والإنقلابات التي لم  تضاهيها في اية  دولة كانت ، ومن المنازعات العشائرية والطائفية والمذهبية التي ليس لها اي منازع ، ومن المعاناة والتجاوزات والإنتهاكات بما لا يحصى عددها ، وزد على ذلك بما يحلو لك وبما هو شبيه ومقارب لمثل هذه المواصفات التي نشهدها يوميا عبر القنوات الإعلامية بأشكالها المتفاوتة من قريب ومن بعيد.

يومياً .. وتلتقط اصابع الصحافة الداخلية أو المحلية في العراق بصمات مفردات وتركيبات لغوية لم نعهدها في تاريخ العراق الحديث ولا العهد الظالم الذي طويت صفحاته بأسلوب لا يصدق ، ولتمحى آثاره بالقتل والتدمير والترهيب ، وبالهدم والتخريب ، وبشكل خاص تلك المؤسسات الرسمية ذات الجدوى العامة ، وأبرز نموذجاً لذلك وأثمنه المتحف العراقي والمكتبات التراثية، وكأن التاريخ يعيد نفسه لأيام الحملات المغولية التي جعلت مداد خزائن الكتب النفيسة تحول مياه النهرين الى لون الحداد ، ولتولد بالتالي الزمر الإرهابية والتكفيرية لتعبث في الأرض فساداً بأبخس الأثمان ، وذلك بهدر القيم الإنسانية ، والتطاول على الإغتصاب وهتك الأعراض ، واختطاف الأطفال الأبرياء ، والتجاوز على الشيوخ من كلا الجنسين واغتيال العقول النيرة أعمدة البناء الحضاري والفكري اضافة للقتل الجماعي المباغت وبدون اي ذنب أو مبرر منطقي معقول..
كل هذه التطاولات والتجاوزات تزداد رقعة مساحاتها يومياً ، ولا زال من ينادوا بالديمقراطية والإيمان وحرية الإنسان ضمائرهم عطشى للمزيد من هذا الانتهاكات ، حيث تراهم ينادون بإسم الإيمان المذهبي والشرع الإلهي ليتجاوزوا تلك افعالهم المشينة ويعمدوا علناً وخفية حتى على قتل من تراه رافعاً يديه متضرعاً للإله الواحد الذي يتبجحون بإسمه وكأن الله وجد حصراً  لزمرة معينة ، وربما تيمناً  بمناداة اليهود وتحدياً لهم في مقولة " شعب الله المختار ". 
فإن كان الأمر كذلك فأن الله لم يرشد أياً من البشر ومن اي دين كان بأن يقدم على تفخيخ وتفجير الكنائس والجوامع والمساجد ودور العبادة الأخرى التي يلجأ اليها الأبرياء والمؤمنون ليلبوا نداء ربهم بما جاءت به تعاليم الرسالات السماوية وركنت مفاهيمها في عقولهم وقلوبهم. والأدهى من كل ذلك ما يصيب ملائكة الخالق من الأطفال الذين لا يعوا من الحياة شيئاً.
هذا هو عراق اليوم.. أجل وهذه هي أزمة بلاد ما بين النهرين ، بطوله وعرضه ، وعلى مجرى دجلته وفراته .. ان أزمة عراق اليوم ليست الديمو ــ  قراطية  ، وليست ازمة فصل ونثر حروف مفردة الحرية ، كما يحلو لأي من شاء أن يعمل ما يشاء ، متذرعاً بالمفهوم السلبي لكلمة الحرية وبمعناها الساذج ، وكما يقول الفيلسوف اليوناني افلاطون : (( اننا لا نعي بالحرية، حين تقع تحت وطأة الرغبات )) ولذلك فالذين أعمتهم بصيرتهم ينضوون تحت سقف مؤثرات شاذة ليكونوا عبيداً للقوى التي تستحوذهم وبالتالي تفقدهم حريتهم ووجودهم لكون الحرية بمفهومها الفلسفي تجسيد للوجود نفسه ، وليست عملية استغلال الإنسان للظروف التي اتيحت له ليجاهر بما يتسنى له بأبخس الثمن وأرذل الأفعال.
ان أزمة عراق اليوم هي أزمة لم يشهد لها مثيلاً  تاريخ العراق على مدى الحقب السلطوية التي مرت عليه منذ العهد السومري والأكدي والبابلي والأشوري وما تعاقبت عليه من سلطات الشعوب الأخرى قبل الميلاد وبعده ، ولا حتى فترة مجئ الإسلام وبسط نفوذه وسيطرته على العراق من شماله الى جنوبه  قياساً بالأعمال اللاإنسانية التي لم يكن لها شبيهاً في تلك العصور ، ومقارنة بهذا العصر الذي بلغ فيه الإنسان قمة التطور ، وبلوغ الحضارة والثقافة ذروتها القصوى والمثلى.
ان ازمة اليوم هي ظاهرة المطامح والمطامع ، ظاهرة السلطة والمتسلط ، ظاهرة الصراع المذهبي والطائفي ، ظاهرة الإنتماء العشائري والأثني ، ظاهرة الأرض التي تخزن وتخفي الثروات والأرض القاحلة الجرداء وبالتالي ظاهرة التعنت في توزيع الغنيمة التي هي بحوزة وأمانة المتسلط غير الشرعي ، لا يتغافل ويتغاضى عنها ما لم تصبه حصة الأسد إن كان الأمر عنوة أو برضى وقناعة الأطراف المتنازعة. وهذه حقيقة لا تخفى على النابهين من أبناء الشعب العراقي بكافة شرائحه ، ولا حتى على المغفلين والمتغافلين منهم.
اذن ما جدوى كل تلك ظواهر السلب اذا كانت النتيجة واضحة وجلية للعيان بهذا الشكل المبان؟!
ان الأحزاب والمذاهب والطوائف والعشائر والأثنيات والقوميات وبما فيها من الإنتماءات الفرعية اصبحت لا تعد ولا تحصى، واختلط الحابل بالنابل..
كلها تدعي الشرف وتعلن الحس الوطني وتبرز الفكر القومي وترفع راية الشرع والحكم السماوي وتتأول بالمفاهيم الإنسانية ، وبالتالي نرى النتيجة ذاتها كما اشرنا اليها ، لا يسعفنا الحظ على التمييز بين الصالح والطالح ، أو بين قوى الخير وقوى الشر.

هذه هي الحالة القائمة اليوم .. والمصاب لا يسثنى .. وظروف الحياة المعيشية حدث عنها ولا حرج ، يموت الأطفال جوعاً ، الأمهات الأرامل يلتحفن الأرصفة ، الفتيات يبيعن اجسادهن في سوق الدعارة ، المقت بلغ درجة الوحشية ، العواطف مزقها الحقد الأعمى ، وزاد كل فعل مشين عن حده في عراق العز والخير والمحبة .. عراق نور الحضارات .. وبما لا يقاس حتى بما أقدم عليه هتلر في المانيا ، وبما أقدم عليه ستالين في روسيا  وغيرهما في العصر الحديث.
ماذا بقي من حضارة العراق حينما تفجر الكنائس والمساجد والجوامع ؟! وماذا بقي من شرف اهل العراق حينما يتم اختطاف الأطفال الأبرياء والاعتداء الفاحش على العذارى من شريفات العراق؟! وماذا بقي من فكر جهابذة العراق حينما يتم اغتيال البارزين من أعمدة العلم والثقافة العراقية ؟! وحينما تحرم الأم الثكلى من حقوقها ؟! حينما وحينما...

ومما زاد في الطين بلة بما يتعلق بالأحداث الأخيرة في العراق بشكل خاص والعالم العربي والإسلامي بشكل عام ، هو ما اقدمت عليه صحافة بعض الدول الأوربية وفي مقدمتها الدنمرك بنشرها صوراً تمس النبي العربي الكريم والدين الإسلامي متناسية وربما جاهلة أو متجاهلة بما نص عليه القرآن من آيات توصي بالنصارى والمسيحيين ،  وبما جاء في الوثيقة المحمدية الموقعة من الخلفاء الراشدين والقادة والأمراء المسلمين البالغ عددهم ثلاثة وثلاثون موقعاً ، وهي بمثابة وصية انسانية نبيلة بشأن المسيحيين مدونة في الشهر الرابع من العام الرابع للهجرة والمحفوظة لحد اليوم بمدينة اسطنبول.
فإن كانت هناك جماعة صغيرة تشذ عن قاعدة المجموعة الكبيرة ، فهل معنى ذلك حكم الإساءة لقائد تلك المجموعة الكبيرة ؟! بالطبع يكون الجواب بالنفي القاطع.
ولكن كيف الحال في اتباع الدين الإسلامي والمسيحي الذي تولدت عنهما جماعات متفاوتة لأنتماءاتها المذهبية من منطلق التفاوت في الأجتهاد والتفسير والتأويل ، ومتى ما خرجت إحداها عن الطريق القويم بإجتهاد شخصي لا يتناسب والمفهوم العام ، وكما هو الحال اليوم في العراق كجماعة الزرقاوي وفي افغانستان كجماعة بن لاذن ، فهل معنى ذلك ان نطلق العنان في حكمنا على النبي كونه اول من نشر رسالة الإسلام؟
أو أن ندين المسيح عيسى بن مريم فيما اذا شذ جماعة عن تعاليم الدين المسيحي؟ حتماً سيكون الجواب بالنفي القاطع أيضاً ، طالما الأمر هو خارج حدود المنطق العقلاني.

mammoo20@hotmail.com[/b][/size][/font]