المحرر موضوع: لغة الصحافة الآشورية بين الآدبية والعملية  (زيارة 1009 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل ايفان جــاني

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 197
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
لغة الصحافة الآشورية بين الآدبية والعملية

ايفان جاني- ديانا
من خلال الرؤية المتفحصة إلى ماآلت إليه الصحافة العالمية اليوم، ندرك ونلتمس فرقاً وهوةً شاسعة بينها وبين صحافتنا الآشورية (المطبوعات والمنشورات والمحطات الفضائية والإذاعات المسموعة التي تكتب وتتحدث اللغة السريانية الأم) في مجال لغتها، مع وجود متنفس جيد للصحافة الآشورية في الساحتين الإقليمية والعراقية نرى بأن هذه اللغة أمست جامدة ولم تتأثر إلا بقدر بسيط لايذكر مقارنة بالثورة العالمية التي ضربت عالم الصحافة،  فلغة الصحافة لم تبقى كما كانت اللغة الآدبية وإن كانت تضم قسماً منها في بعض مجالاتها،لقد ولى زمان المباهاة  بالقدرة البلاغية التي تجد صوراً عنها في الكثير من الصحف والمقالاة،  كما ولى زمان الكتابة الجبرانية(أي على طريقة جبران خليل جبران الشعرية)وغيره من الكتاب الذين كانت تطفى على كتاباتهم الصورة الشعرية الآدبية.لغة الصحافة اليوم هي لغة عملية بحتة،أي لغة سهلة سلسة، ونعني بها التي يتداول الناس مفرداتها وتراكيبها وأساليبها في ندواتهم وإجتماعاتهم وحياتهم اليومية، وقد صيغت في قالب فصيح وهذا مالانجده في  صحافتنا الآشورية، بعكس كل هذا لازال أغلبية كتابنا يعتمدون الإسلوب الآدبي فينتقون من بين المفردات أصعبها وأغربها التي لايتداولها غالبية الناس، ويلجئون لصياغة الجمل الطويلة المعقدة الفهم والإستيعاب لدن القاريء، هذا كله يجعل من القاريء ينفر من هكذا كتابات وإسلوب بالتالي يهجر حقل القرائة والمطالعة باللغة الأم التي لربما لم تسعفه الضروف في تعلمها وحاول ذلك في حين أصبح الكاتب نفسه مرة ثانية حجر عثرة في إيقافه من تطوير قابليته اللغوية، وينطبق هذا الكلام حتى على وسائلنا الإعلامية المرئية التي  تفضل هي الأخرى الكلمات القواعدية القديمة المعقدة ذات الإسلوب الآدبي على الكلمات العملية الأخرى التي يفهمها الناس بيسر دون عناء، وهذا أيضاً يفقد الإعلام جزءاً كبيراً من مشاهديه.لايمكن للإنسان أن ينكر الدور الريادي والجبار لمثقفينا الذين كانوا بمثابة أعمدة ودعائم أساسية إستندت عليها ثقافة هذا البلد وإعلامه، ونجاحهم هذا كان ثمرة فكرهم النير المتجدد الساعي إلى مواكبة التطور وعجلة التقدم يومها، تطورهم وتقدمهم المستمر جعل منهم متهمين من قبل النظام المقبور بالترويج للثقافة الغربية وأفكارها المعادية، وكان   لهذا الدور الكبير في هجرة العدد الكبير من هؤلاء إلى دول المهجر ذات الفضاء الرحب الواسع لمواصلة مسيرتهم ضد الدكتاتورية في حقل الرسالة الإنسانية. مايؤخذ على صحافتنا وبعد مرور سنوات طويلة من تحرير كردستان والعراق وتنفس الحركة الإعلامية الصعداء بأنها لازالت في النقطة التي توقفت عندها،بالتأكيد هجرة أصحاب الكفائات كما ذكرنا لها دور كبير في توقف عجلة الصحافة الآشورية، إلا أنه في نفس الوقت هناك نقطة مهمة يجب أن نراعيها وهي كثرة المؤسسات الإعلامية التابعة لأبناء شعبنا يقابلها في الطرف الثاني فقر في العطاء الصحافي الحقيقي، هذا بطبيعة الحال يعود إلى سياسة القائمون على هكذا مؤسسات التي أمست تملك قدرات مادية جيدة لكنها تفتقر إلى السياسة التخطيطية المستقبلية، فمواكبة الصحافة العالمية أمر مطلوب ومهم لأن الصحافي في حركة دائمة مع حركة حياة الناس الغنية بالحوادث التي لاتعرف التوقف والإستراحة، على القائمين على الصحافة الآشورية تغذية هذا المجال بالعناصر الشبابية الكفوئة لأن من أفواه أقلامهم ستولد ثورة التغيير المرجوة، هذه الثورة يجب أن تنفجر لتنفض عن صحافتنا قالب الصحافة الخمسينية والستينية والسبعينية الكلاسيكية التي إكتست بحلتها صحافتنا هذا اليوم مع إحترامي وإعتزازي الشديد بإسلوب كتابنا القدماء الذي ولت أيامه، يمكن لهذا التغيير الإيجابي أن يحدث عن طريق فتح دورات تدرس فيها اللغة السريانية الفصحى (مع التأكيد على القواعد اللغوية)إضافة إلى فتح دورات مكثفة في مجال التحرير والخبر والتقرير والمقالة وغيرها، لأنه كما ذكرنا لغة الآدب القديم المتأثر بالأساليب البيانية والبديعية وبزخرفتها لم تعد صالحة للصحافة، وكذلك لغة الآدب الصافي،  شعراً أم نثراً.فليس على الآدباء والمتأدبين ممن يدخلون ميدان الإنشاء الصحفي إلا أن يعلقوا لغتهم التقليدية أو الإختراقية الشعرية مع قبعاتهم على المشجب قبل أن يباشروا الكتابة في مكتبهم.علينا أن لاننسى بأن من خصائص الكتابة الصحافية هي البساطة، فالمعروف إن المرسلة الصحافية/الإعلامية موجهة إلى جميع القراء والمتلقين دون إستثناء، فهي موجهة إلى الجامعي والدكتور وسائق التاكسي والموظف والحداد وغيرهم، فلا يجوز التمسك هنا بوجهة نظر إستعلائية ترمى إلى رفع جميع القراء إلى مستواها اللغوي المتقدم، بل عليها أن تنزل إلى المستوى اللغوي الوسط بين مختلف الإتجاهات،  فيقول فيليب غايار (1)" إن البساطة مرغوب فيها حتى في كتابة المواضيع الموجهة للمثقفين فقط، فهؤلاء عندما يفتحون صفحة ما متخصصة مثلاً، لاتكون لديهم عادة رغبة في بذل مجهود لما يقرأونه".أي إنهم يريدون  الفهم من أقرب الطرق وأيسرها، واللغة الصحفية السليمة البسيطة تودي بهذا الغرض.يعود غايار ليقول بأن الصحافي الناجح هو"الصحافي الذي لايقص الخبر أو الحدث بل يجعله مرئياً ومسموعاً"أي عند الكتابة عن حدث أو خبر على الصحافي أن يعمل على تحريك كل عنصر منه وأن يجعل القاريء أو المتلقي وكأنه يرى بالعين ويسمع وتلتقطه جميع الحواس، هنا إن لم يستطيع القاريء أو المتلقي من فهم نصف كلمات الكتابة أو غيرها فكيف يمكن للصحافي أن يضعه في الصورة التي تحدث عنها غايار؟ ويؤكد غايار بأن على الصحافي الناجح أن ينزل بالموضوع إلى حقل الموازنات والمشابهات في جوانبه الأساسية والدقيقة ويجعل من كتابته بمثابة صورة قريبة وفي متناول الناس بحيث يستوعبها القاريء بحواسه وعقله دون مشقة وعناء، فمثلاً العالم في أبحاثه المنشورة يصر على إستعمال التعبير (حامض الأستيلليسليك) بينما الصحافي يقرب الموضوع بقوله(الأسبرين) أو مثلاً ينصح الطبيب مريضه بإستعمال حامض الأسكوربيك ولكنه إذا أراد كالصحافي تقريب الأمر من مريضه، نصحه بعض الجرعات من عصير الحامض الطبيعي.كانت هذه الفقرات التي تحدثنا عنها أعلاه جزءاً من العقبات التي يضعها الصحافي الذي يكتب باللغة السريانية أمام من يكتب لهم مضيفاً إليها مشكلة عدم مساعدة القراء والمتلقين للتواصل مع كتاباته لصعوبة فهم مفرداتها، وكي لايذهب جهد وعناء صحفيينا هباءً يجب عليهم التقيد بقواعد لغة الصحافة العالمية الجديدة لبلوغ الهدف المنشود.في النهاية علينا أن لاننسى بأن صعوبة مهنة الصحافة تتلخص في أن على الصحافي تلخيص وتبسيط وتجسيد وشرح وعرض مفهوم الأحداث في لغة سهلة معروفة متداولة للقاريء، بمعنى أخر عليه ان يخلق من اللغات المختلفة لغة واحدة سهلة يفهمها جمهور القراء، وبهذا فهو يلعب دور الوسيط بين هذه المجموعات وبين الجمهور.
(1)   المدخل إلى وسائل الإعلام.