شعبنا وخياراته...الى اين؟
بالامس القريب كانت هنالك تفجيرات الكنائس، وبالامس القريب كانت هناك تضحيات يقدمها شعبنا كضريبة لانتمائه الوطني و الاكثر مرارة كضريبة لكونه يحمل هوية دينية مخالفة، وبالامس القريب كنا نستلم تهديات بالرحيل وترك كل ما نملك، وبالامس القريب فرض علينا ان نلبس وان نتزي (بتشديد الياء ) بما يتوافق وايديولوجيات الاخرين.
عند سقوط صنم صدام راودتنا الاحلام، احلام اليقظة وما احلاها، بل لم نكتف باحلام الديموقراطية والسلام والعودة الى الوطن ولو في زيارات سنوية، لا بل طرنا باحلامنا لتلامس سقف السماء، وكان ما كان وكلكم تعرفونه وما امره.
المؤسف عندما نحاول وضع النقاط على الحروف اما نتهم بالانهزامية او الخيانة او في ابسط الاحتمالات بالجهل المطبق بمسار التاريخ وبالديالكتيك الذي يتحكم في مسار الشعوب، والامر المثير للمرارة ان القوميون او المتعصبون القوميون من ابناء شعبنا صاروا يتكلمون بلغة ومصطلحات الرفاق لينين وماركس، لكي يعلموننا انهم مثقفين، فهذا البعض لا زالت عقدة البعث تتحكم فيه ولا يرى الثقافة الا باستعمال المصطلحات الماركسية.
قلت في مقالة ما ان هناك فرق بين الشاعر والكاتب السياسي، فالشاعر يتعامل بالمشاعر والرموز، ويكثف اللغة لاقصى حد بما يمنح لمخيلة المتلقي لكي تأخذ دورها في التفاعل مع الكلمة او الشعر، ولذا فستجد ان للشعر عدد من التفاسير بقدر عدد القراء، ولكن السياسي يريد ان يأخذ بيد القارئ ويقول له هذا هو الداء، ومن هنا هو الالم وهذا هو الجرح ومنه يسيل القيح، ولا يوجد لكلمة السياسي الا تفاسير محدودة، اما الاتفاق او تطوير الكلمة ولكن لبعضنا تفاسير اخرى وهو اسهلها الصاق تهمة الخيانة او السذاجة او المصالح الانية بمن لم يتم الاتفاق معهم ودون محاكمة النص محاكمة سياسية.
لا اود ان الهيكم بالاحلام، فلم تكن هذه عادتي ولا بضاعتي، ولذا حاولنا بكل الطرق والوسائل العمل من اجل الخروج من نفق التسمية باقل الخسائر، اي ان نخرج شعبنا من هذا النفق المظلم باقل الخسائر الممكنة، لاننا كنا ندرك ان التسمية بلا شعب لا معنى لها، ولذا فمن اجل شعبنا وبقائه وتمتعه بحقوقه وامتيازاته اسوة بكل العراقيين، ومن اجل تطوير ثقافته وعصرنتها لكي تجاري العصر وامكانياته، حاولنا بكل الطرق المشروعة ان نقنع ابناء شعبنا المتنوريين ان قيمة الانسان ومحافظته وتطوير موروثه الثقافي افضل من التمسك بتسمية معينة لا تقدم ولا تؤخر لان التسمية تخضع للموروث الذي نحمله، فهل الاشورية هي في عاداتها وتقاليدها ولغتها وكل موروثها التاريخي، ام هي بالتسمية، وهكذا الامر عن الكلدانية والسريانية (برغم ايماننا ان موروث هذه التسميات واحد)، فما فائدة تسميات لا تحمل من موروثها شيئا ؟
عندما يقال التحصن للمستقبل يرى البعض ان المسألةهي طرح مخاوف غير موجودة، برغم من كل التجارب المريرة التي عشناها ولا نزال نعيشها، لا بل البعض ولانه يتحرك بشكل يومي وهذا التحرك يؤتي ثمارا له فالمستقبل والتحدث عنه بالنسبة لهذا البعض هي مؤامرة غير منظورة الابعاد والاهداف، فالمهم ان رابي ياقوم في البرلمان ممثل لشعبنا ويكفي المؤمن شر السؤال، عن ماذا سيجلب لنا رابي ياقو الوحيد الاحد، والذي لا تربطه باي تنظيم من تنظيمات شعبنا علاقة حسنة ولو سلام وكلام، ناهيك عن جيراننا الاقربون، ولذا فالبعض اختصر نضال امتنا بفوز وخسارة رابي ياقو، فان فاز فالامة بالف خير وان خسر فالشماعة موجودة والاكراد يمكن ان يقال عنهم كل شئ!
والاخرين اختصروا الهزيمة والانتصار باضافة هذا الاسم او ذاك، وكأن شعبنا سينعم بهذه الاضافة بالامان وبالمستقبل الواعد، وهكذا يكون الضحك على ذقون من يقول بوضع برامج وتخطيطات نظرية وتهيئة مستلزمات نجاحها ، فالم ينتصر الاشوريين على طالبي توحيد التسمية والم يفعل الكلدان ذلك، والم ينتصر رابي ياقوا، فعن اي تخطيط يريد البعض جرنا اليه، اليس ذلك ترف فكري، يمارسه بعض ممن يجلس خلف شاشة الكومبيوتر (ܚܫܘܒ̥ܐ) ممن لا عمل لهم الا سطر كلمات لاظهار مقدرتهم او ثقافتهم، وكما قال احدهم، ماذا ستفعل القلم كم من الاعداء ستقتل؟
لا نتمنى للعراق اي سوء، ولكن اتخاذ المحاذير امر واجب، ان بلدنا على برميل ديناميت، بفعل اشاعة الايديولوجيات الظلامية والتي تقول لك شئت ام ابيت انك مغاير وانك لست كالاخرين وانك مشكوك في امرك، ان صعود النبرة الطائفية والتي استفحلت بفعل تعددية الاحزاب الدينية ذات الصبغة الواحدة، والتي تتفق كلها بالاستراتيجية، اي اضفاء لون واحد على الحياة، جعل النيرة الطائفية هي الابرز والاكثر ملاحظة، فهاهي كل مظاهر الحياة تصطبغ بلون واحد، نحن لا نعارض ان يمارس الاخرين اعتقادهم او ايمانهم ولاكن ان يتم سرقة بيتنا المشترك، وجعله في خدمة طائفة معينة بحجة انها الاكثرية (لقد نبهت كثيرا من هذه الاكثرية)، فهل سيفرق هذا عن ما فعله صدام وزبانيته؟
اليوم القانون يطبق بحسب القوي، او من قبل من لا يراعي اي قيمة للحياة، ويمكنه ان يقتل وان يبرر كل فعلة، فما يفعله الزرقاوي وانصار فأر العوجة يمارسه مثله انصار الصدر ومن يحتمي بعباءة السيد السيستاني على رغم تقديرنا العالي لهذا الشخص بعينه، فلولاه لخرج كل شئ عن نطاق السيطرة وبحسب ما يرغب الزرقاويين والصداميين فلا فرق بينهم، فاذا كان الزرقاوي قد قال ان اندلاع الحرب الاهلية في العراق هو املهم للبقاء فيه، فصدام قالها قبله، انهم لن يتركوا العراق الا خرابا يبابا.
ولكن التساؤل هو ان كنا نلاحظ كل هذا، فهل نحن متعضون مما جرى لنا ويجري، وهل نقوم بالتخطيط لمستقبلنا ام نكتفي بانتصارات وهمية نخدع انفسنا بها قبل الاخرين، ام نشمر عن السواعد ونترك التوافه ونخطط لما نريد ونهيء لما خططنا له، اي نمارس السياسة.
سؤال يؤرقني وقد يؤرق الكثيرين، الا هو لو (لا سمح الله) واندلعت الحرب الاهلية في العراق، فهل نحن ك(كلدان اشوريين سريان) متئهيين لاسواء الاحتمالات هذه، ام اننا سنلم حاجاتنا مرة احرى ونصطاف او نشتي في عمان ودمشق وطهران واسطنبول، كما نعت رابي ياقو من فر من الذبح على الهوية قبل سنتين، انه سؤال مشروع والسياسة هي ان تأخذ احتياطاتك لاسواء الاحتمالات ام يريد البعض منا ان نتحول الى لاجئين مرة اخرى في بلدناا لكي يتمكن من حلب الدولارات باسم اللاجئين وتتوزع بحسب المشاركة وحسب المكانة.
المؤسف وبرغم من كل ما سبق ان البعض وقد نجح في هذا لايعمل مع الاخرين الا في اخر لحظة، لكي يفرض شروطه، وهو لا يهمه (ماذا) بقدر (من)، وللمرة الالف يتنازل الاخرين لاجل وحدة القرار، والطرف المنتصر او القائد او الممثل الاوحد باقي على لبعته السمجة التي لا تخدم ولا تفيد الا من طمر في مستنقع المصالح الانية والذاتية ومن خدع بشعارات كشعارات صدام.
قد يكون هذا جرس انذار، واتمنى ان يخيب، ولكن الامة والشعب الواعي لا يبنيان مستقبلهما على الاماني، بل على الدراسة والخطط الواقعية والقابلة للتنفيذ، ماذا سنفعل لو اندلعت الحرب الاهلية في العراق، بالتأكيد اننا لند ندخل فيها طرفا، وبالتأكيد اننا لا نريدها، ولكن امام الاصطفاف وارتفاع النغمة الطائفية واذا كانت الجرة قد سلمت هذه المرة فهل يمكننا ان نضمن سلامتها في المرة المقبلة، وجرتنا هي العراق ايها الاخوة والاخوات، العراق الذي يجلس الان على فوهة اتون يمكن ان ينفجر في اي لحظة.
من الواضح ان هنالك ثلاث قوى عراقية مسيطرة على المشهد السياسي العراقي، وهي الشيعة العرب، والسنة العرب، والاكراد بشيعتهم وسنتهم، ومن الواضح ان الثقة بين العرب السنة والشيعة معدومة،ومن الواضح ان الاكراد يمكن ان ينفضوا اياديهم من التحالف مع الشيعة، في حالتين محددتين وهي عدم الاعتراف بمظالم الاكراد ومطالبهم، وان يصر الشيعية على السير في طريق اقامة الدولة الدينية بشكلها العلني او المبطن، ومن الواضح ان السنة العرب يمكن في هذه المجالات ان يقدموا التنازلات العديدة للاكراد، فالقوى التي تتفاوض يمكن لها ان تمنح الصدارة للعلمانيين ولطروحاتهم لكي تسود في المجتمع السني او في الدولة، وللشيعة حليف محتمل واحد وهو ايران المهددة بالعزل عن المجتمع الدولي، وللسنة حلفاء اقوياء في الساحة الدولية وهي الاردن والسعودية وبعض دول الخليج.
من المحتمل ان الاكراد في اي احتمال لتطورات سلبية سيكون امامهم الطريق الاسهل وهو حصر منطقتهم وعدم تعريضها للتدمير امام طموحات غير واقعية، وبالتلي حصر اثار الحرب في جنوب منطقتهم والاستفادة من اي مناوشة سنية شيعية لتقوية اوراقهم التفاوضية، والاتكال على تطوير بنيتهم الاقتصادية والسياسية ونسج علاقات دولية قوية، المهم ان الاكراد لن يكونوا طرفا مباشرا في اي حرب اهلية، اما التركمان فوضعهم ايضا صعب لكونهم منقسمين بالنصف بين السنة والشيعة ولكن ثقل العامل التركي والجوار الكردي سيمنعهم من التدخل في اي حرب لصالح اي طرف ونعتقد ان الحس التركماني سيطغي على كل حس طائفي فيهم، اما شعبنا، فوضعه مختلف، صحيح انه لن يكون طرفا في اي حرب اهلية وليس من مصلحته ذلك، الا ان الحرب الاهلية قد تؤثر تأثيرا سلبيا جدا فيه، لان الحرب الاهلية تتميز بزوال اي غطاء قانون ويكون كل شئ خاضع لعوامل القوة العارية،والتي يفتقدها شعبنا، كما ان الحرب الاهلية على اساس طائفي لن تعني التسامح الديني مع المكونات الاخرى، بل تعني ارتفاع الاحتقان الديني ليشمل الكل فالكل عدو لحين اثبات العكس، وبالتالي فان وضعنا سيكون مأساويا ولن تفيدنا لا الكلدانية ولا الاشورية في انقاذ ما يمكن انقاذه، بل الذي يفيدنا ان ندرك اننا شعب واحد وكلنا في مركب واحد وكلنا امام مخاطر مشتركة والذي يريد التخلص منا لن يسألنا ان كنا كلدانا ام اشوريين، بل نحن له غرباء مختلفون وكل مختلف ملعون!
امام القراءة اعلاه، علينا ان نعي اين تقع مصالح شعبنا، ومع من يجب ان نتحالف ولماذا؟
يكاد االكرد ينفردون بميزات تجعلهم اقرب حلفاء لشعبنا في الوقت الراهن، فبالاضافة على ان الكرد يرغبون ان يكونوا جزء من العالم الحالي بما فيه من اتفاقيات ومواثيق واقتصاد واعلام وثقافة منفتحة، فبالتأكيد يرغبون في اظهار هذه الامور في واقعهم اليومي من خلال التعامل مع مكونات المجتمع الكردستاني بعدالة ومسؤولية، ناهيك ان الكرد يحملون او يبشرون في برامجهم بقيم دولة القانون، الدولة التي لا تفرق بين مواطنيها بسبب الدين او القومية او الانتماء البساسي، طبعا لا ندعي ان كل شئ متحقق مائة بالمائة الا ان الامور تتجه نحو هذا المنحى. كما ان المناطق التي نسكنها بغالبيتها اما تقع في كردستان العراق او بمحاذات خط الحدود الفاصل بين كردستان العراق والمناطق العربية او ذات الاختلاط القومي المتعدد. كما ان القيادات الكردية بخبراتها السياسية ومعايشتها لعصرها جعلتها تدرك ان الدولة الايديولوجية في طريقها الى الزوال وان ما يتحكم في الدولة اليوم هو مصلحة الشعب اولا واخيرا، وان احد اهم اسس ازدهار هذه المصلحة هي الحريات التي تجعل الناس تدرك مصالحها الحقيقية وليس ابواق وشعارت الايديولوجية التي لم ترحم الشعب بل كان كرباجها اقوى واكثر ايلاما من سياط المستعمرين. ان الكرد في اي انجراف نحو الحرب الاهلية والذي يعمل له بعض ساستنا بارادتهم ام بغيرها، في اسواء الاحوال سيغلقون مناطقهم امام زحف اثارها ويكتفون بالعمل من اجل عدم انجرا كرستان العراق اليها.
اليس مطلوبا منا اليوم كشعب بمختلف تسمياته ان نحدد خياراتنا وحلفاؤنا ومن نضمن اننا معهم سنكون اكثر قدرة على العيش السوي واكثرة قدرة على تطوير قيمنا وتجليات هويتنا القومية والوطنية والانسانية انه سؤال المرحلة؟.[/size][/font][/b]