المحرر موضوع: كيف تغرب يا ابو شروق؟؟!  (زيارة 735 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل رزاق عبود

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 390
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
كيف تغرب يا ابو شروق؟؟!
« في: 11:44 15/08/2009 »
كيف تغرب يا ابو شروق؟؟!

عناوين، واخبار، وصور مؤتمر الانصار الابطال الخامس في بغداد الصمود تغطي كل المواقع الشريفة. وانا اجلس كل حين اعيد مشاهدة الصور ابحث عن ملامح ابو شروق. اتفحص الوجوه وفي القلب غصة! ترى هل دعوه؟ هل حضر؟ هل التقى برفاق دربه؟  هل قبل ثرى بغداد؟ شيئا غامضا من الالم يعصر قلبي، ويخنق صدري، ويعسر انفاسي. فانا لم ار ما اريد رؤيته. ولم يكن هذا هو السبب الوحيد كما تبين! كنت في المستشفى في مراجعة روتينية شهرية. صحوت بعد فترة، وانا في قسم الطوارئ.لافته صغيرة تشير الى " قسم القلب". بعد اغفاءة، او غيبوبة، لا أدري! وجدت نفسي في ردهة الانعاش السريع للازمات القلبية المفاجئة. اول من فكرت به من دون كل الدنيا، كان الحبيب ابو هافال، ابو هشام، ابو شروق، حبيب الكل محمد خلف مجيد. فكرت هل سارحل دون اراه؟ لقد وعدته بزياره في منفاه الصحراوي الرهيب! اكثر من مرة حاولت اقناعه بالتوجه الى اوربا. كان دائما يقول: انا اسير في اتجاه واحد اسمه العراق. وبعد السقوط، نفس الجواب. وقبل اسابيع كان نفس الحديث. عاتبني برفق قائلا: "لست انت من يشجعني على الغربة الابعد يا ابو نوار! حالما تستقر الامور ساكون بين اهلي في بغداد. ولولا وضعي الصحي لسافرت اليوم ولكني لست مغامرا، ولا اريد ان اكون عالة على احد". كان هذا اخر حديث لي معه.  امس خرجت من المستشفى. كان الوقت مساءا، متعبا حد اللعنة، لكني اصريت، ان اتصفح البريد، وموقع ينابيع علني ارى صورة ابو شروق، وبدل صورته الباهية ينشرون الخبر الفاجعة، خبر غروبه. انهارت قواي من جديد، ورحت الطم على راسي دون وعي!  لم اصدق الخبر! ربما تشابه في الاسماء، قد يعتذرون غدا عن الخطأ! لكن برقيات النعي تعددت. ترى هل سمعت صوتي ايها الحبيب، وانا اصارع الموت؟ هل لبيت ندائي فخذلتك مع الاخرين، عشت انا، ورحلت انت؟ لم انم تلك الليلة، وعيون الابناء القلقة، تهفوا نحوي بين فترة، واخرى. هل نتصل بالطوارئ؟ هل تعود الى المستشفى؟ وهم لا يلقون جوابا، تمنيت، ان تعود النوبة، الازمة، الذبحة، السكته أي شئ حتى التقي الحبيب ابو هشام. اشاركه رحيله، مماته، سفره نحو الخلود فلم اشاركه الامه التي اخفاها عني.
 
يوم 4 تموز2009 يوم الثقافة العراقية في ستوكهولم التقيت احد الاصدقاء الانصار. سالني عن كتابه. اجبته: قرات كل كتابات ابو شروق هل تعرفه: اجاب باحترام كبير ومعزة، واضحة: ومن لا يعرف ابو شروق؟ سبقنا جميعا الى مواقع الانصار لقد بنى الكثير من المواقع بيده! لكنه انتقل للاسف الى موقع اخر بعد فترة قليلة من وصولي ولم اعمل معه كثيرا. لكننا كنا نسمع عنه، ونعرف بطولاته، ونقدر مواقفه، فدوره لا ينسى! سألته: الا يمكن دعوته للحديث عن تجربة الانصار وبناء قواعدها. في الاقل ليخرج من جحيم منفاه الصحراوي، ربما نجد له امكانية العلاج. او تغيير الجو ولو لفترة قصيرة. انه يستحق اكثر من غيره. فهو بطل دون ادعاء، ومضحي دون منه؟! اجابني النصير: اتفق معك، انها فكرة جيدة! ولم لا؟! ساطرحها على الرابطة، او النادي!! ورحت احلم، ان ارى البطل يكرم ولو بدعوة للحديث عن بطولات الاخرين فهو نادرا ما تحدث عن نفسه! وكأي "فكرة جيدة" ماتت في حضن التمني، واسلمت الروح في طابورالانتظار. ورحل الرفيق البطل دون ان يحقق له رفاق دربه هذا الحلم. حلمي! تركوه وحيدا طوال هذه السنين. لم يسعفوه بدعوة، او ذكرى،او مناسبة.
 
اقترحت عليه الكتابة عن تجربة الانصار،لانني اقرأ لمدعين، وقد سمعت انه من اوائل الذين كانوا هناك. وعدني بعد الحاح وبدأ يكتب. قلت له اكتب عن اللذين رحلوا بشكل خاص، وعن الذين يعانون في دول شتى وحدهم، ولا يذكرهم احد. اخبرني بعد فترة: "كنت قد سمعت ان نصيرا كان معنا، يعيش في صحارى افريقيا اتصل بي بعد ان قرا ما كتبت فرحا، ان هناك من يتذكره". واليوم اقرأ اسطر قليلة عن حياة حافلة بالتفاني تنعى النصير، البطل، الفقيد، الرفيق، المناضل، الزاهد، المجاهد. لقد تعودنا ان نذكر اصحابنا بعد موتهم. اساتذة في اخبار النعي، وكلمات المواساة، وخطب الرثاء. نحضر مجالس العزاء، ندعي الحزن، نتصنع الوقار، نجلس بصمت، او نتهامس مع بعضنا، نشرب القهوة المرة، ونقرأ الفاتحة، ثم نفترق، ونعود لحياتنا العادية، دون وخز ضمير، دون عتاب لانفسنا، او لبعضنا دون اعتراف بذنبنا، بخطانا،او قصورنا. وننصرف بانتظار مجلس عزاء اخر لرفيق، فقيد، شهيد، عليل، قائد، مربي، صديق، غريب اخر. سيكتب بالتأكيد الكثير عن ابو شروق من قبل رفاقه الذين يذكروه بخير. لم التق باحد ذكره بسوء ابدا! سينعوه في المواقع وجريدة حزبه، وربما تقام له مجالس عزاء، واربعينية، وتأبين. فنحن بارعون في الشكليات. لكن حال محمد خلف مجيد حال الشاعر الذي افتعل موته، فرثاه احدهم  فكتب له:
       اراك بعد مماتي جئت تندبني    وفي حياتي ما زودتني زادا
 
كم يا ترى مثل محمد خلف مجيد يردد هذا البيت العميق المعنى، والاثر وكم من الاحباط،  واللوعة، والالم، والحسرة، والشعور بالغبن يحمل البعض،عن حق، بسبب هذا الاهمال/التنكر/ التناسي/ التجاهل، مقصودا، او غفلة. نطالب الحكومات، والسلطات، والدوائر، والوزارات بالاهتمام بالكفاءات، والابطال، والمناضلين، وتكريم الشهداء، ورعاية ذويهم، وننسى نحن الاهتمام، او تكريم، او مجر ذكر مئات الجنود المجهولة، والمعروفة الذين لولاهم، لما رفعنا رؤوسنا. لولا الانصار، وبطولاتهم ما قمنا من كبوتنا، وما اعدنا الثقة بانفسنا! لكن كم واحد منهم قدمنا له وساما، كتاب شكر، التفاتة، دعوة، سؤال، زيارة، علاج، مساعدة. لقد وضعوا ارواحهم على اكفهم من اجلنا، من اجل المبادئ المشتركة، ولكننا وضعناهم على الرف.
 
انني اخاف، واخجل ان اتصل بالبطلة المنكوبة الصبورة ام هافال، فماذا أقول غير: انت بطلة مثلما كان بطلا، انت رائعة مثلما كان محمد رائعا، انت صبورة، ساكتة، راضية، قانعة مثلما كان محمد صبورا ساكتا، قانعا، راضيا بمصيره. انت مناضلة قوية مثلما كان محمد. انت ام عظيمة مثلما كان محمد ابا عظيما. انني اتشرف بتقبيل اثر قدميك لتغفري لنا جفوتنا، وغفلتنا، وتجاهلنا، وتناسينا، وتنكرنا، واهمالنا، حبيبنا محمد وعائلته، فلقد تعودنا ان نذكر احبتنا عندما يرحلون فنحن امة الرثاء، وشعب البكاء، وحزب الشهداء، ورفاق الادعاء. اعذرينا، نحن من ندعي، اننا اصدقاء!!
 
لن اقول وداعا ابو هشام فانت البقاء، ونحن الفناء!!
كم تمنيت اننا تبادلنا المكان لبعثوا فيك الحياة، ورحلت انا فعندك الكثير مما لم تقله يا نبع الحقيقة، والصفاء، والبطولة، والشرف، والكرم، والتواضع، والفداء، والتضحية!
لماذ يتمت الشمس يا ابو شروق؟؟؟!!!
رزاق عبود
13/8/2009
 
ملاحظة مهمة جدا:
عذرا لمن تمسه كلماتي، فهناك من يكابر على الحقيقة. اعذروا صديق مفجوع!!