المحرر موضوع: قصّ جانح نحوَ وميضِ الشِّعر  (زيارة 721 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل صبري يوسف

  • عضو
  • *
  • مشاركة: 15
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
قصّ جانح نحوَ وميضِ الشِّعر

1 ـ هداهدُ الرُّوح

تبلَّلَت قميصُ اللَّيل من سَهَرِ اللَّيالي، وقفَ القمرُ منتظراً عبورَ عاشقة من لونِ الشَّفق، تمايلت خاصرة الشَّمس الممتدَّة على مدى البصر، خطوط مخضوضرة بحنين الغابات تناثرَت فوق صدر غزالة برّية، تسابقُ نسيم الصَّباح، تبحثُ عن مولودٍ تقاذفته ألسنة نيران الحروب، أنينٌ مفتوح يداهمني، يدمي ظلالَ القلبِ، فواجعٌ تتكاثرُ مثل الأرانبِ، تتسلَّلُ إلى مغائرِ غربتي، حروبٌ في نهاياتِ القرنِ، في بداياتِ القرنِ، حروبٌ على مساحاتِ القلمِ، على مساحات فسحة الحلمِ، ضجيجٌ  يشنفرُ الآذان، ينزُّ في مفازاتِ أوتارِ النَّغمِ؟! 
آهٍ، ماتَتْ هداهدُ الرُّوح قبلَ أن ترى هشاشةَ الصَّنمِ!

2 ـ حلمٌ مشروخ

بكَتْ نجمةُ الصَّباح عندما لاحَ لها من فوق خواصرِ الجبال، اشتعال بسمة الأطفال وهم يَحْبُون نحو أمهاتهم اللواتي يصعدن نحوَ قممِ الجبالِ، هرباً من طواغيتٍ مقمّصة باسودادٍ مشرشرٍ من أجنحةِ الوطاويط.

3 ـ متعةُ العبور

عبرَتْ سفينة محمَّلة بالأحلامِ، تمخرُ أسرارَ البحرِ، تهفو إلى الوصول إلى ضفافِ شاطئٍ مركون فوق أكتافِ مروجٍ مستنبتة من نداوةِ اللَّيل، ضحكَ البحّار ضحكةً مجلجلة عندما اصطاد صيداً ثميناً، سحب صنَّارته، ما هذا؟! قصائدُ شاعرٍ من لونِ حفاوةِ الموجِ، قصائدٌ معفرّة بملوحةِ البحرِ، قرأ القصائد بمتعةٍ لذيذة، شعرَ وكأنَّها مندلقة من شهقةِ مرجانِ البحرِ!

4 ـ لوحة طافحة بالوئام

نهضَ من أعماقِ الذَّاكرة، مشهداً مكتنزاً بالعشب، طفلة تدحرجُ نفسها فوقَ منحدراتِ طراوةِ المروجِ، تطيرُ على مقربةٍ منها عصافيرٌ في غايةِ الجمالِ، كأنها عصافيرُ الجنّةِ، بيضاء منقّطة بازرقاق خفيف، ومخطَّطة باخضرار فاتح فوق صدورها الغضّة وفرواتِ رؤوسها الصَّغيرة، طارت حمامة يانعة من عشِّها بصعوبةٍ واضحةٍ، تريدُ التدرّبَ على الطيرانِ، تعبَتْ وحطّتْ بهدوءٍ فوق كتفِ الطفلة الأيمن، أدارت الطفلة وجهها نحو الحمامة، ابتسمت لها، كأنها صديقة مدلَّلة، وضعَتِ الحمامة رأسها على خدِّ الطفلة، تبدو وكأنَّها تهمسُ لها سرَّاً من أسرارِها، كانتِ العصافيرُ تحومُ فوقها بغيرةٍ كبيرةٍ، مذهولة بهذا الانسجام المفاجئ!

ستوكهولم: 5 ـ 11 ـ 2007

5 ـ نكهةُ النّعناع

لملمَ حاجاته الضرورية، وضعها في حقيبةِ سفر، كان اللَّيلُ غائصاً في ألغازِ الرَّحيل، رحيلُ الإنسان في صباحٍ نديٍّ نحوَ جبالٍ مكلَّلة بأقاصيص القممِ والطموحِ، حائراً في رحلةِ عبورِ الإنسان إلى ما وراءِ البحارِ، بحثاً عن وسادةٍ مريحة لقفصِ الرأسِ، غالباً ما تكون رحلات مهتاجة على أجنحةِ الضَّباب!
حالما عبرَ ساحة الدار، تراءَت أمامه ذكريات الطفولة، مشاكساته مع أخته، حبّه الأول، لقاءاته مع الأحبة الأصدقاء، دراساته، سارَ شاردَ الذّهنِ، تاركاً خلفه أوراقاً تداعب محطَّات عمره، كتاباته، أشعاره، دمعةٌ خرّتْ فوقَ خدّهِ، وأخرى انسابت نحوَ ظلالِ الرُّوحِ، تذكّرَ مناجاته لنجمةِِ الصَّباح خلال ليالي الصَّيف، حالماً في أوجِ المناجاةِ، أن يرتمي بينَ أحضانِ عاشقة تفوحُ من نهديها نكهةُ النّعناع!

6 ـ فوقَ ضفافِ القلب

فجأةً قفزَتْ إلى ذهنه مشاهدُ تدريبٍ على دبكةِ "باكيِّة وآهي لا يوني"، من قبلِ مدرّبةِ رقصٍ طافحة بالحنان، تاركةً صدرها الحنون يندلقُ على مرافئ قلبهِ كلَّما يستديرُ ليتقدَّم خطوتين نحوَ الأمام، كم كان يتمنّى في حينها أن يمتدّ التدريب إلى مدى العمرِ، طالما كان يرافقُ ايقاعَ التَّدريبِ ارتعاشة لذيذة فوقَ ضفافِ القلبِ!

ستوكهولم: 6 ـ 1 ـ 2007

7 ـ مَطَرْ مَطَرْ قيقيْ

هطلَ المطرُ قبلَ انبلاجِ خيوطِ الدُّفءِ، نهضَ بتكاسلٍ نحو نافذةٍ تكسوها غربةً باذخةً، أزاحَ السِّتارة بهدوء، صمتٌ هجين بدأ يغلّفُ أجواءَ المكان، تراقصَتْ حبّاتُ المطرِ على أوجاعِ نافذتِهِ، تذكَّرَ بيتَه العتيق، كيفَ كانَ المطرُ يهطلُ بغزارةٍ هائجة، ينظرُ إلى "بَقْبَقْوكاتِ الرَّبيع"، إلى فقاعاتِ الدَّوائرِ المتشكِّلة من تدفُّقاتِ زخَّاتِ المطرِ، وتذكَّرَ مقطعاً عذباً، من أنشودةٍ طفوليّة كانوا يردِّدونها أثناءَ هطولِ هكذا زخّاتٍ مطريَّة، " مطرْ مطرْ قيقي  رشّْ عَلْ دنيبيقيْ ..."، (: أيُّها المطر، أهطلْ على ضفائري، ...)، وفيما كانَ يردِّدُ هذه الأنشودة، تربَّصتْ دمعتان في محجريه، شهقَ شهيقاً عميقاً، متمتماً بصوتٍ ايقاعيٍّ خافت، "مطرْ مطرْ قيقيْ، رشّْ عَلْ دنيبيقيْ، ..."، أسدلَ السِّتارة، عائداً إلى نومِهِ، طافحاً في عبورِ خمائلِ الحلمِ، لعلّه يغفو على اِيقاعات حبّاتِ المطرِ التي تراءَتْ له من بعيد، مسربلةً بذاكرةٍ لا تمحى!

ستوكهولم: 7 ـ 11 ـ 2007
صبري يوسف
كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم
sabriyousef1@hotmail.com
www.sabriyousef.com












غير متصل اياد ياقو الديربوني

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1263
  • ارحمني يارب برحمتك
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رد: قصّ جانح نحوَ وميضِ الشِّعر
« رد #1 في: 21:34 28/09/2009 »
عاشت الايادي وردة