المحرر موضوع: كيف يجب أن يكون القادة والمسؤولين في المفهوم المسيحي؟  (زيارة 639 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Al Berwary

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 94
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
كيف يجب أن يكون القادة والمسؤولين في المفهوم المسيحي؟

بقلم :المهندس نافع شابو البرواري


الجزء الثاني
ان الله منح الجنس البشري سُلطانا هائلا ليكون مسؤولاً عن كل الأرض (الحيوانات ، النباتات ، البيئة ، المياه ، الطبيعة) ولكن السلطان العظيم الذي أعطاه للأنسان تلازمه المسؤولية العظيمة أيضاً .
نعم  قد تكون لنا أشياء نمتلكها ولنا السلطان أن نعمل بها ما نشاء ولكن علينا مسؤولية رعايتها والعناية بها فما بالك بالأنسان الذي من المفروض ان نعتني به في الصحة والمرض وان نتعامل معه بالحكمة والرحمة !! لأن الله خلقنا على صورتهِ مُكللين بالمجد والكرامة .
ركّزنا في مقالتنا الاولى على ثلاثة مبادئ يجب على القائد والمسؤول الحكيم ان يلتزم بها وكانت باختصار ما يلي :
الرب يسوع المسيح يجب ان يكون قدوة لقادتنا ومسؤولينا ،
الكتاب المقدس يكون دستوراً لهم ومنبعاً ومُلهماً لحكمتهم ،
والروح القدس يكون مرشدهم ومُعينهم في اتخاذ القرارات الصائبة .
سوف نتطرق في مقالتنا اليوم الى مُميزات وسمات القادة والمسؤولين الناجحين.
لو نرجع الى الكتاب المقدس لقرأنا عن قادة روحانيين وقادة مدنيين وانبياء غيّروا حياة شعوبهم وكانوا قدوة حسنة ومُخلصين وامناء على رسالتهم ومراكزهم  واتخذوا قرارات لازلنا ونحن في القرن الواحد والعشرين نستلهم منهم العبر والدروس الغنية روحيا وانسانيا وحتى سياسيا ، ومن امثال هؤلاء القادة الذين يجب ان نقتدي بهم
آبائنا ابراهيم ويوسف وموسى و يشوع وداود وسليمان الحكيم و عزرا ونحميا ومردخاي وأستير و راحاب ودبورة و جدعون في العهد القديم  والرسولان
بولس وبطرس في العهد الجديد .
اما القائد الاعظم وبدون منازع هو الرب يسوع المسيح ملك الملوك ورب الأرباب
وكل هؤلاء القادة العظام كان لهم نقاط القوّة وأيضا كان لهم نقاط الضعف وسقطوا في اخطاء كثيرة إلا الرب يسوع المسيح الذي  لم يستطع حتى أعدائه ان  يلزموا فيه اي عيب او خطيئة وقال لرؤساء اليهود (الكتبة والفريسيين )(فمن منكم يقدر أن يثبت عني خطية)(يوحنا 8:46 ) .
من خلال دراسة شخصيات العهد القديم نستطيع ان نُلّخص بعض الحقائق الجوهرية لصفات   القادة  في الامور الروحية والطبيعية منها :
1- القائد الحكيم يطلب ألأرشاد من الله ليقوده الى تحقيق رؤيته وأهدافه وأن يطيع الله لا الآخرين عندما يكون هناك حسم لموضوع  يدعو الى التنازل عن المبادئ السماوية والأنسانية والأخلاقية ، فالأنسان  الذي يرى الأخطاء عليه أن لا يسمح لنفسه بأن يتزحزح عن موقفه في الدفاع عن الحق والتمسك بالصواب مهما كان الثمن والتضحيات.
وعلى القائد الحكيم أن يتجنب المنازعات والحروب بكل الوسائل الممكنة وهذا ما فعله ابينا ابراهيم ، فعندما كانت هذه المنازعات محّتمة كان يترك لخصومه أن يضعوا القواعد لتسوية المنازعات ، ان الصراع قائم مع العالم وسلطانه أحيانا يكون حتميّا ولا مفر منه بالنسبة لنا كمسيحيين (يوحنا 15:18) فهناك مواقف لايمكن فيها أن نطيع الله والأنسان معا وهذا ما حدث للرسل(اعمال5:9) ، عندما خُيّروا بالتبشير بالرب يسوع المسيح والسجن أو الموت عندها قال الرسول بولس جملته الرائعة المشهورة (ينبغي أن يُطاع الله لا الناس)(اعمال5:29) .
 هكذا كما فعل اصدقاء  دانيال النبي(شدرخ وميشخ وعبدنغو) عندما خُيّروا بين السجود لتمثال الملك نبوخذنصر أو طرحهم ورميهم في أتون النار  فاختاروا الموت بدل السجود لآلهة الوثنيين اوالملك (دانيال 3:20) .
هكذا اليوم يجب أن نعيش نحن المسيحيّين في سلام مع الدولة طالما الدولة تسمح لنا أن نعيش حسب معتقداتنا الدينية وايماننا فكما نخضع نحن المؤمنون للكنيسة روحيا هكذا علينا الخضوع للسلطات في المجالات الحياتية(الطبيعية) (على كل انسان أن يخضع لأصحاب السلطة ، فلا سلطة إلا من عند الله) ، (روميا 13:1)فالمسيحيّة ليست فوق القانون بل ان نعيش في سلام كمواطنين صالحين ولكن علينا أن لا نتنازل عن حقوقنا مقابل واجباتنا ولا نتنازل عن القيم والأيمان على حساب التنازل للحاكم المستبد.
2- من أعظم التحديّات للقادة هي تدريب اخرين ليكونوا قادة ، والأمثلة كثيرة حيث يخبرنا الكتاب المقدس عن قادة عظام لكنهم فشلوا في تهيئة وتدريب قادة ليستلموا القيادة من بعدهم فلم تتحقق الرؤية ولم يتحقق حلم ذالك القائد (راجع صموئيل الأول كيف فشل في أن يكون قدوة لأبنيه يوئيل وأبّيا فلم يسلكا في طريقه) ، (صموئيل الأول 8:3).
بينما يخبرنا الكتاب المقدس كيف أن موسى اختار مساعدين ومستشارين وأمناء ومتفانين في الواجبات والمسؤوليات امثال يشوع بن نون الذي اصبح قائدا عظيما من بعده واستطاع أن يدخل بالشعب الى ارض الموعد) .
اما في العهد الجديد فنرى الرسول بولس يُهيئ تلميذه تيموثاوس ليحمل الأمانة من بعده اي رسالة البشارة وان يكون قدوة للأخرين (راجع الرسالتين الأولى والثانية الى تيموثاوس) .
ولا ننسى أن الرب يسوع المسيح  حمّل التلاميذ مسؤولية حمل رسالة الفرح الى العالم كله( متى 28:19,20)   وقال للرسول بطرس (ارع خرافي)(يوحنا 21:15)
3- القائد الحكيم يجب أن يكون له مستشارين حكماء ، فعندما يكونوا مستشاري القائد على دراية وحكمة ومعرفة وفهم وخبرة وأهم من ذلك الأيمان بقضيتهم ونكران الذات والتضحية والصدق والأمانة والأندفاع للعمل وعدم المحاباة عندها يكون المجتمع الذي يحكمه هذا القائد بخير ، يقول كاتب سفر الأمثال(بغير هداية يسقط الشعب ومن كثرة الواعظين(المستشارين)يخلص)(امثال11:14) .
4- قد يكون للقائد أو الملك مواهب عديدة وعليه أن يستغلها للبناء وليس للهدم وكثيرين من القادة لهم ذكاء وفطنة وفهم ومعرفة وقد يكون القائد ناجحا في القيادة وحكيما في المعرفة والفهم لكنه قد يسقط ويفشل في الأمور التي تُسعد وتُفرح وتخدم شعبه وسليمان الحكيم خير مثال على ذلك . 
الله منح الحكمة لسليمان ومنح امكانيات عظيمة كملك لشعب الله  ولكنهُ ارتبط بتحالفات ومسؤوليات مرفوضة من الله كزواجه بالوثنيات ، وهكذا عجّل بفساد الأمة روحيا واثقل كاهل شعبه بالضرائب وأعمال التسخير  ، لقد نجح في الأولى وفشل في الثانية. وعندنا عبر من التاريخ الكثيرين من امثال النبي سليمان فالعظمة الشخصية لاتعفي الشخص من الخطأ وعواقبه ، فقال الرب لسليمان :(بما أنّك لا تحفظ عهدي ولا تأمر بفرائضي التي أمرتك بها فساخذ المملكة من يدك وأعطيها لرجل من رجالك)(1ملوك11:11) .
ان شهادة الحياة للقائد هي التي تؤثر على الأخرين سلبا أو ايجابا  فليس المهم نجاحات القائد بل الأهم هي اطاعة الله وخدمة الأخرين.
ان  العطش والنهم للسلطة أو العجرفة والكبرياء تدّمر القائد وبدوره يدّمر المجتمع  او الدولة التي يحكمها. فتصرفات القائد الشخصية واخلاقه  قد تقود الناس الى الخير  أوتكون هذه التصرفات سببا لتدمير كل ما بناه .عندما يتباهي القائد بقوته وسلطانه يحمل في داخل هذه القوّة بذرة السقوط والفناء ، فالغرور والكبرياء مرضان قد تؤدي بصاحبهما الى الجنون (جنون العظمة)وخير مثال على ذلك في العهد القديم (نبوخذنصر)(راجع سفر دانيال 4:37) فبالرغم من ايمان نبوخذنصر باله دانيال ورفاقه  لكنه عاد وسقط في فخ الشيطان(الكبرياء) لما سمح لمستشاريه السيئين ان يقنعوه بالأنتقام من دانيال ورفاقه ،  ووصل غروره وداء العظمة فيه الى حد الجنون لمدة سبعة سنوات .
وهكذا التاريخ يخبرنا عن نيرون قيصر روما مضطهد المسييحيين عندما قال قوله المشهور(طالما انا اقوم بكل هذه الأفعال الشنيعة ولا احد يحاسبني اذن انا هو الله)
 والتاريخ يخبرنا انه وصل الى حالة الجنون .
5- ان التسلسل الألهي للسلطة يرتكز على الأيمان وليس على المنصب (1صموئيل 3:8,9)(تكلم يارب فأن عبدك يسمع) فالكثيرين من القادة المحرّرين عاشوا حياة الراعي البدوي وعاشوا مع هموم الناس وأختبروا الهوان والفقر والجوع  فاصبحوا بعد ذلك قادة خالدون لأنهم عرفوا الناس وعرفوا الحياة المتقشفة فأعدهم الله سواء للقيادة الروحية او قيادة الشعب .
الله لا ينظر الى قدرة الأنسان ولا على عمره ولا على شكله الخارجي ولا على مهنته او حتى خبرته والكتاب المقدس يخبرنا عن ناس بسطاء مثل الرعاة والصيادين والفقراء  لكنهم اصبحوا قادة ايمان  ورسل وملوك ومبشرين وقديسين ، فرسالة الله للقيادة تتوقف على ايمان الشخص بالله وبرسالته وليس بالسلطة والقدرة  فالله يبحث عن أمناء صادقين ومكرّسين حياتهم من أجل خدمة الله والناس(راجع شخصيات العهد القديم  أمثال ابونا ابراهيم عندما كان  مؤمنا وواثقا أن الله  معه حتى وسط الضيقات وان الله يحافظ على مواعيده حتى ان لم يحافظ الانسان على هذه  المواعيد وهكذا داود الملك الذي كان راعي غنم ولكن ايمانه بالله كان عظيما حتى اثناء سقطاته).   
اما في العهد الجديد خير مثال كان التلاميذ اغلبهم حرفيين وصيادي سمك ويسوع الرب كان نجارا ، الرب يسوع المسيح كانت له سلطة على كل الأرض والسماء لأنه هو نفسه مصدر السلطة الواهبة للأخرين ومع ذلك تواضع وأخلى عن سلطته لحين  باطاعة أبيه السماوي .
6- على القائد أن يتعلم من خبرة الحياة ولا يكرر الأخطاء .
فالقائد الحقيقي قد يخطأ ولكن المهم أن يرجع ويتوب ويعتذر ويتعلم عبر ودروس من هذه الأخطاء وهكذا فعل داود النبي أعظم ملوك اسرائيل فقد كان مستعدا للأعتراف بأمانة بأخطائه فيعالجها بعد أن يرجع الى الله ويتوب ويتكل عليه(راجع مزمور 51)
7-  أهم مميزات القائد ايضا هي: الصراحة والحسم والعمل والسيطرة ، وأن يكون القائد شجاعا في دفاعه عن شعبه  وان لايتهرب من المشاكل والثبات في وجه المصاعب ، العزيمة والعمل بمهارة ، محترما عند الآخرين والأهم من كل هذه هو اطاعة الله بدون النظر الى الثمن  و عدم التعامل مع الناس بالأنحياز والتمييز أو المحاباة (يعقوب 2:1) فيسوع المسيح لم يأتي للأغنياء فقط أو الوجهاء أو ذوي السلطة بل جاء للجميع ، الفقراء والمهمشين والمرضى أيضا ، فلا انبهار بالمركز والجاه أو المُلك او الشهرة .
ان التمييز والتحيّز خطيئة ، لأن الله يعتبر كل الناس سواء(لانكن مخاصمين بل لطفاء يعاملون الجميع بوداعة تامة)(تيطس3:2).
8- على القادة ان يعيشوا في النقاوة والوقار والكلمة الصحيحة التي لا تلام  جاعلين من أنفسهم قدوة للآخرين ولا يكون عملهم واجب أو وظيفة  بل طواعية حتى يرى الآخرون أعمالهم الحسنة ويقتدوا بها ، فشهادة الحياة هي اقوى من الكلمات الرنانة التي ينطق بها القائد ولكن لايعيشها.وقد كان القادة الدينيّون اليهود (الكتبة والفريسين والصدوقيين ) يتمسكون في المظاهر الخارجية للشريعة والناموس وكانوا يحفظون الشريعة امّا أعمالهم وحياتهم الشخصية فكانت بعيدة كل البعد عن الله والناس حتى وصفهم الرب يسوع المسيح باولاد الأفاعي .
اما الرسل الأثني عشر فحياتهم تشهد عليهم فقد وضعوا حياتهم حتى الأستشهاد والتضحية من اجل رسالتهم التبشيرية ولم تقف امامهم كل الصعوبات والأضطهادات وحتى الموت لانّهم كانوا مؤمنين بقائدهم وملكهم ربنا يسوع المسيح.
10- على القائد أن يقبل النقد البنّاء ليعرف نقاط الضعف عنده ويحاول تجاوزها ولا يصر على اقناع الآخرين  بمجادلات ومماحكات لا طائلة لها وغير نافعة(تيطس 3:9) وللأسف الكثيرين من القادة (وخاصة الشرقيين ) يعتبرون النقد البناء انتقاصا لشخصيتهم او تجريحا لهم ، ان الانسان مهما كانت درجته فهو معرّض للأخطاء لان الأنسان محدود الأمكانيات وليس كاملا وهذا يعرضه لأن يسقط في اخطاء .
على القائد أن يستمع للنقد البنّاء ولكن عليه أن لايشغل وقته وطاقته الثمينة في الأنشغال بالذين يعارضونه بل عليه التركيز على الذين هم على استعداد ورغبة في المعاونة.
يجب على المؤمنين احترام مراكز اصحاب السلطة ، سواء في العمل ، أو في الكنيسة ، أو في الحكومة  ونجد في (1تسالونيكي5:12,13) تعليمات باكرام القادة في الكنيسة ، وفي (روميا 13) ، تعليمات فيما يخص بالقادة في الحكومة ،
شُكراً والى مقالة أخرى .