المحرر موضوع: طريقتان لخنق الديمقراطية  (زيارة 665 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل جاسم الحلفي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 358
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
طريقتان لخنق الديمقراطية
« في: 00:15 26/11/2009 »
طريقتان لخنق الديمقراطية
                                                                                              جاسم الحلفي
  كان الحرص على السلطة وتعزيز النفوذ واضحا في نقاش ممثلي الكتل المتنفذة حول قانون تعديل قانون انتخابات مجلس النواب المرقم 16 في 8/11/2009 . ولم تستطع لغة خطاباتهم ان تخفي رغبة الاستحواذ على حقوق الأقليات السياسية والاثنية والدينية وتهميشها. فتأكيداتهم على مبدأ التوافق والحرص على العملية السياسية، وتحذيراتهم من مخاطر الأزمة، والتلويح بعودة البعثيين، والتصريحات التي أدلوا بها قبل وبعد نقض القانون، هدفت الى تمويه  الصفقة التي مرروها على شكل خيارات للتعامل مع النقض في جلسة البرلمان يوم 19/11/2009. 

يبدو ان الديمقراطية وترسيخها في الدولة ليس من اهتمامات القوى المتنفذة في مجلس النواب، فهي تستغل كل فرصة من اجل تعزيز الهيمنة والنفوذ. فقد استغلت قضية كركوك لتمرير تعديلات مجحفة، كما استغلت قضية المهاجرين، بعد النقض، لتمرير تعديلات أكثر إجحافا على حساب الكتل الصغيرة، التي أريد معاقبتها بسلب حقها في المقاعد التعويضية، جراء رفضها الانضواء تحت خيمة ائتلافات هي إعادة إنتاج للطائفية السياسية.  ان سلب المقاعد التعويضية التي خـُصِّصت حصراً للقوائم التي تعبر حد  القاسم الوطني، لكنها لا تحصل على أي مقعد في أي محافظة من المحافظات، يعد خرقا فاضحا للديمقراطية التي تفقد قيمتها حين تتراجع عن حفظ حق الأقليات. والسؤال هنا لماذا سميت مقاعد تعويضية أصلا؟ وهل لتعويض الكتل الكبيرة؟ وتحت أية ذريعة سيتم إعطاء ملايين الأصوات لغير مستحقيها؟ وما ذلك إلا لتمكينهم من سن قانون مجحف بحق الديمقراطية، وليضيفوا لهم مقاعد أخرى يرممون بها ائتلافاتهم التي سرعان ما تتفكك كما حدث سابقا. فالمقاعد التي يحصلون عليها بأصوات ناخبيهم، لم تعد تكفي جشعهم للمزيد من الهيمنة والنفوذ.

 نتذكر المفارقات المضحكة المبكية في مهزلة توزيع المقاعد الشاغرة في انتخابات مجالس المحافظات، ونتذكر مهزلة استحواذ الكتل المتنفذة على مليونين وربع المليون صوت دون وجه حق. وأصبح من حصل على مقعدين في إحدى المحافظات يملك تسعة مقاعد بفضل هذا القانون الغريب. ووصلت قيمة المقعد بضعة أصوات مقابل عدم حصول من حصد خمسة آلاف صوت على مقعد واحد، عبر هذه الطريقة المخلة. ربما لم تكن حركة احتجاجاتنا كافية لمنعهم من تعديل قانون انتخابات مجلس النواب باتجاه الاستحواذ على مقاعد لم يستحقوها، كما حدث في انتخابات مجالس المحافظات، لكن شهوة السلطة والمال كانت أقوى من أي رادع وطني، او وازع أخلاقي يمنعهم من الاستحواذ على الأصوات التي رفضت مشروعهم.
 ان نزعة الاستبداد والرغبة بالسيطرة وتهميش الآخر، لم تقف عند تشريع الاستحواذ على المقاعد الشاغرة في المحافظات، بل تعدت ذلك الى المقاعد التعويضية على المستوى الوطني. ولم تكتف بكل أنواع الانتهاكات والمخالفات الانتخابية وتقنيات التزوير والتضييق على الناخب وتزييف إرادته. ان الأكثرية، وهي التي وصلت عبر المحاصصة واستغلال المال السياسي، والدعم الإقليمي، والإعلام الحكومي ومناصب الدولة، لم تقدم للبلد غير الأزمات، ولم ترفع المعاناة عن كاهل المواطن الذي لازال يعاني من ضعف الأمن وتراجع الخدمات، واتساع البطالة، وهي استطاعت نحر الديمقراطية بامتياز. وضيقت على الأقلية مجال البرلمان، في محاولة منها لإضعاف صوت المدافعين عن قضايا الناس وحاجاتهم، لكن المتنفذين غفلوا، في كل ذلك، عن سبب إحجام الناس عنهم بعد ان خبروهم، وضاقوا ذرعا بسلوكهم وطريقة إدارتهم للبلاد. فهناك سخط واسع ينتشر بين الناس، وعدم رضا، وتذمر واسع، وخيبة أمل كبيرة من ضعف الخدمات وتدهور الأمن والصراع على حساب الحاجة للامان والتعمير.

 يبدو ان المتنفذين لم يتوقفوا امام عزوف الناس عن المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات، نتيجة خيبة الأمل بالقوائم التي انتخبوها، ويتضح ان هناك من عرف ان العزوف ليس هو الطريق المفضي الى الحل بل يخدم محتكري السلطة ذاتهم، انما الحل يكمن في اختيار البديل، والوقوف مع من يمثل مصالح الجماهير بشكل حقيقي. وهذا هو الطريق الوحيد لأحداث تغيير يصب في مصلحة الوطن.

ان صناع البديل المنشود هم الذين لم تتلطخ أياديهم بدماء العراقيين، ومن لم تتلوث جيوبهم بالمال الحرام. هؤلاء الذين تمت محاصرتهم بوسائل شتى بما فيها تشريع قانون يسلب منهم المقاعد الشاغرة، والمقاعد التعويضية، بهدف إسكاتهم بعد فشل محاولات احتوائهم ضمن ائتلافات ستعيد إنتاج الأزمة، فرفضوا الانضواء تحت رايتها واستمروا على الترويج لقيم الخير والسلام والعمل، وميزوا نفسهم وتميزوا عن الآخرين