المحرر موضوع: سفر يونان سفر الله  (زيارة 1015 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل غازي عزيز التلاني

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 79
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
سفر يونان سفر الله
« في: 00:07 06/02/2010 »
سفر يونان سفر الله
   
الأب يوحنا عيسى

قد يستغرب القارئ، لأول وهلة، من هذا العنوان متسائلاً : "ترى ، أوليست كل أسفار الكتاب المقدس أسفار الله ومن الله ؟" ولكن قبل أن نجيب إلى هذا السؤال الوجيه، يجدر بنا الحديث أولاً عن هذا السفر الثمين وإن بإيجاز من أجل التعريف به
.
1.   سفر يونان.
   إن سفر يونان واحد من أسفار الكتاب المقدس . وهو سفر قصير بل من اقصر الأسفار الواردة فيه. ولكنه سفر ثمين نظراً إلى مضمونه ومحتواه أو بتعبير آخر نظراً إلى رسالته إذ يحمل قيمة دائمة وثابتة - وهذا ما يهمنا - تصلح لكل الناس ولكل الأزمنة والأمكنة . من هنا تتأتى أهميته.
   وقد يكون هذا السفر من أشهر الأسفار ليس فقط بسبب ظرافة وفكاهة القصة التي يرويها وإنما بسبب علاقة يونان بالمسيح ورمزيته إذ يرمز يونان وهو في بطن الحوت إلى المسيح في القبر .
   إلا إننا نجهل كاتبه. ولكن بوسعنا القول بأنه لاهوتي بارع وممتاز من الطراز الأول إذ يطرح لاهوتاً متقدماً متخطياً بذلك الجدلية الخاصة بارميا وحزقيال، جدلية الخطيئة -التوبة -الحياة   إذ لا يرد ذكر في آخر السفر ، للتوبة . يكتب الأب ﭭنسان قائلاً :" إنه لافت حقاً للنظر أن لا يبدي يهوه أي تلميح إلى توبة النينويين . ويظهر أن توبتهم هذه لا تدخل في حساب خلاصهم . فالله لا يترك البشر يقودونه . وارتدادهم ليس السبب الحقيقي " لرجوع الله " كما كان يظن في السابق (3/10).
   أما زمن كتابة هذا السفر فهو يعود إلى أواسط الجيل الخامس قبل المسيح نظراً إلى أسلوبه والمفردات الآرامية التي يستخدمها كاسم الموصول ش الذي يكشف عن تأثير آرامي . وكذلك عبارة السفينة والقرار الإلهي .
   وفضلاً عن ذلك، فإن هذا السفر يقتبس عن يوئيل والنبي ارميا خاصة . وهو معروف لدى يشوع بن سيراخ (49/10).
   ولقد كان أسلوبه الأدبي وما يزال موضع جدال كبير بين المفسرين ، فبعضهم يعتبرونه قصة تاريخية حدثت في زمان ومكان معينين .
إلا أن هذا الرأي يفتقر إلى الأدلة والشواهد كالكتابات الآشورية حيث لا يرد فيها ذكر لتوبة قام بها أهل نينوى مع اعترافنا بوجود عناصر تاريخية في هذا السفر كوجود نينوى وأهلها وشخصية يونان التاريخية ( 2ملوك 14/25) .
   أما آخرون، ويزدادون أكثر فأكثر، فهم يرون فيه حكاية لاهوتية ليس إلا شأنها شأن رواية الخلق. يكتب الأب ﭭنسان مورا قائلاً:" غير إن التحليل السابق يجيز لنا التأكيد على أن هذا السفر لا يدخل ببساطة في فن الأسطورة ( فمن يكون بطله عندئذ؟) ، أو في فن الحكاية الدنيوية ، أو في فن الشعر التعليمي ، بل هو حكاية لاهوتية تستخدم مواداً كتابية أصيلة من أجل تأوين كلام الله"  .

2.   الله موضوع هذا السفر.
   إلا أن هذه الحكاية لا تتناول عدة مسائل أو مواضيع في آن واحد كالرسالة والنبوءة والخطيئة والتوبة ذلك أن قصد الكتاب لا يمكن إلا أن يكون واحدا بل يتطرق إلى مسألة واحدة ومحددة إلا وهي مسألة الله وفيه يدافع الله عن ذاته إزاء الموقف الذي يتخذه منه يونان النبي . من هنا جاء عنوان هذا المقال " سفر يونان سفر الله " .
   بيد إن هذه الحكاية لا تتناول مسألة الله من زاوية وجوده أو وحدانيته فهذا أمر مفروغ منه بل من زاوية تماثله وتماثل عمله في العالم .
   فالله ، في هذا السفر ، يريد أن يكون إلهاً للجميع، سواء كانوا يهوداً أم وثنيين. كما إنه يريد أن يكون عمله في العالم واحداً ، متجانساً وشاملاً ألا وهو خلاص الجميع ،هذا الخلاص الذي يقدمه ويمنحه لليهود والوثنيين على حد سواء ليس بسبب أعمالهم كقيامهم بالتوبة وإنما بسبب هويته كونه إلهاً محباً ، رحوماً وحنوناً . فلأنه يحب الجميع فهو يود خلاصهم إذ يمنحهم الغفران . إنه إله قريب من إله وأب يسوع المسيح الذي يطلع شمسه على الأشرار والأخيار وينزل المطر على الأبرار والفجار ( متى 5/45).
   إلا ان هذا التماثل في الله وفي عمله هو الذي لا يعجب يونان بل يرفضه بقوة وبالتالي يرفض حمل الرسالة إلى الوثنيين ، هذا الرفض الذي يقوده إلى التمرد والعصيان وإلى الدخول في عراك وجدال وخصام ونزاع مع الله ذلك أن يونان يريد أن يكون إلهاً محباً رحوماً وحنوناً لليهود في حين يكون منتقماً لأهل نينوى ، مدخلاً بذلك في الله وفي عمله تناقضاً وازدواجية ، الأمر الذي لا يرتضيه الله لنفسه إذ يود أن يكون كما هو وليس كما يريده يونان أن يكون . تلك هي المشكلة الدائمة والقائمة.مشكلة الإنسان مع الله من جهة ومشكلة الإنسان مع أخيه الإنسان من جهة أخرى ، هذه المشكلة التي لم تجد طريقها إلى الحل إلى يومنا هذه.
   إلا أن الله ، من دون أن ييأس ، يسعى إلى النهاية إلى إفهام وإقناع نبيه بالقبول به كما هو وبالتالي بتغيير تصوره عنه من خلال طرحه السؤال عن ذاته . ولكن من دون جدوى . وما سفر يونان إلا سؤال من الله عن الله . يكتب الأب ﭭنسان قائلاً :"وهكذا نلمس في الرواية إن كل الثقل وكل الحركة يقودان إلى السؤال الأخير: سؤال من الله عن الله " .
   وسيبقى هذا السؤال مفتوحاً ومطروحاً . وعلينا أن نجيب إليه : ترى ، من هو الله وما عمله ؟ ، الأمر الذي يحتم علينا أن نقوم ، غالباً ما، بتغيير في قناعاتنا وتصوراتنا الخاطئة عنه .
   ومن الجدير بالذكر هنا ان يونان إن هو إلا شخص مسخر إذ يرمز إلى اليهود العائدين من الجلاء ، هؤلاء المتعصبين ، المتزمتين ، المتطرفين والمنغلقين على أنفسهم . أما أهل نينوى فهم يرمزون بدورهم إلى كل الأقوام والشعوب .

3.   نحن وهذا السفر.
   قد يكون ما يهمنا، في هذا السفر نحن أبناء هذا الزمان ، هي هذه الحكاية اللاهوتية لما لها من قيمة دائمة وثابتة وليست القصة التاريخية التي بوسعنا أن نعجب بها برهة ولكنها لا تعنينا بشيء بل تعني التاريخ إذ تعود إلى الماضي. فهي قد حدثت وانتهت . لذا فإن القصة التاريخية تحمل قيمة آنية بعكس الحكاية اللاهوتية .
   أما الحكاية اللاهوتية فهي تعنينا لأنها قصتنا كما كانت قصة يونان وهي قصة كل إنسان في كل زمان ومكان . فقد نشبه نحن أيضاً يونان، ذاك النبي الذي يطلب شراً لا خيراً لأعدائه . كما إننا قد نرفض مثله إعادة النظر في قناعاتنا وتصوراتنا عن الله بالعودة إلى إله وأب يسوع المسيح باعتباره إله الجميع وأب الجميع . وكذلك لكي نحب كل الناس ، مثله وعلى غراره .


_________________________________________________

  سفر يونان ، الأب ﭭنسان مورا ، دار المشرق _ بيروت ص 52 .

  المصدر نفسه ص 51

  المصدر نفسه ص 40

  المصدر نفسه ص 9