المحرر موضوع: البحث العلمي ووليمة التفكير  (زيارة 504 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عبد الحسين شعبان

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1291
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
البحث العلمي ووليمة التفكير
   


عبدالحسين شعبان
كان المؤتمر الذي نظمته مؤسسة المستقبل (الدولية) في البحر الميت مؤخراً مناسبة مهمة لتبادل الرأي بخصوص البحث الاكاديمي في إطار المجتمع المدني العربي، ولا شك في أن هذا الأمر فتح الباب أمام اشكاليات كثيرة، حيث تناولت الأبحاث بالدراسة والنقد الأدبيات وواقع ومستقبل المجتمع المدني العربي من شمال افريقيا وحتى الخليج العربي .

وكانت الخبيرة نبيلة حمزة رئيسة “مؤسسة المستقبل” هي المبادِرة لطرح الاشكالية في كلمتها الافتتاحية بالاشارة إلى سؤال مهم وكبير يتعلق بكيف لنا أن نطوّر بحوث ودراسات المجتمع المدني في المنطقة؟ وما هي المواضيع التي يتعيّن علينا الوقوف عندها وكذلك المنهجيات التي حريّ بنا اتّباعها، علاوة على الشراكات التي لا بدّ من بنائها في المستقبل لتحفيز دور المجتمع المدني؟ ومثل هذه الاسئلة لا بدّ من استكمالها بالتوقف عند البرامج الممنوحة، ولاسيما من خلال التجربة العملية:

* الأولى- حقل المشاريع المدعومة في مجال تعزيز المواطنة وحقوق الانسان وارساء حكم القانون وتمكين المرأة .

* الثانية- حقل بناء القدرات لتطوير أداء قياديين واداريين .

* الثالثة- تقديم ونشر أبحاث ودراسات تطبيقية تتعلق بالمسار الديمقراطي .

ولعل الظاهرة التي كشفت عنها بعض الأبحاث والدراسات تتلخص في غياب استراتيجيات وضعف الثقافة الحقوقية، ولاسيما تداخل المهني بالسياسي، والحقوقي بالأيديولوجي، والمدني بالديني والعشائري أحياناً، ناهيكم عن عدم الجاهزية الفكرية، للتعاطي والتفاعل مع المتغيرات والتطورات الدولية من موقع نقدي مستقل .

واللافت أن بعض اشكاليات ومشكلات المؤسسات الرسمية والحكومات بدأت تنتقل إلى المجتمع المدني، وأن بعض “الأمراض” أخذت تنتشر عدواها في صفوفه أحياناً بسرعة كبيرة، رغم حداثة عهده .

إن الجهر ببعض العيوب والمثالب والأخطاء لا يستهدف التشكيك بمؤسسات المجتمع المدني أو التجريح بها، بقدر ما يستهدف التصويب والتصحيح والنقد، والتفكير بصوت عال وجماعي في الأزمة التي تستفحل، بهدف سدّ النواقص والثغرات كي لا تنفذ منها القوى المعادية لحركة المجتمع المدني، ناهيكم عن أن القراءة الانتقادية للواقع ومحاسبة الذات من خلال الشفافية والنقد الذاتي يستهدفان تعزيز وتطوير دور مؤسساته، فضلاً عن كونه مشاركة في الجدل الدائر والنقاش العلني، الذي لا يمكن اغماض العين عنه أو اغفاله، ورمي كل الأخطاء والخطايا على الحكومات والجهات التي لا تريد خيراً بالمجتمع المدني وحدها .

الاشكالية الأولى تتعلق بالدور التنويري لمؤسسات المجتمع المدني، ولاسيما بنشر ثقافة التسامح والسلام ونبذ العنف والاقصاء والعزل والدفاع عن حقوق المرأة والأقليات والفئات الضعيفة وغيرها، وهذه المسألة لا تزال محدودة وضعيفة جداً، ولاسيما أن الأمر يتطلب كفاءات وقدرات و”إخلاص” بعض قياداته .

الاشكالية الثانية، كيف يمكن لمؤسسات المجتمع المدني المساهمة في نشر الثقافة الحقوقية الديمقراطية، ولاسيما في ظل صعود التيارات المتشددة والمتعصبة والمتطرفة، خصوصاً أنها من دون عدّة فكرية وعملية كافية، ناهيكم عن اختلال موازين القوى في معظم الأحيان، إن لم يكن دائماً؟

الاشكالية الثالثة- تتعلق بضعف وغياب المبادرة، ولاسيما في الجوانب الفكرية أو العملية، خصوصاً أن الأمر يتطلب منها دراسات للظواهر الجديدة، في ما يتعلق بالعولمة والحداثة والتدخل لأغراض انسانية، وبما يعزز دورها الحقوقي والانساني بعيداً عن الانخراط في تطويع وترويض الخصوم المحليين أو الدوليين .

ان أغلب مؤسسات المجتمع المدني وبخاصة منظمات حقوق الانسان تنصرف للبحث والنشاط في الحقوق السياسية والمدنية وتهمل إلى حدود كبيرة الحقوق الاقتصادية الاجتماعية والثقافية، ولعل اغلبها يبحث في الانتهاكات واساليب وآليات الاحتجاج، في حين تغفل الجانب الاقتراحي، وقلّة منها تهتم بالدراسات والابحاث التنموية أو مشاريع القوانين واللوائح أو غيرها .

ظلّ موضوع الخصوصية والعالمية هاجساً للكثير من أبحاث ودراسات المجتمع المدني ونشاطات مؤسساته، فالبعض يريد بحجة الخصوصية التملص من المعايير الدولية، والبعض الآخر بحجة المعايير الدولية يريد قطع الصلة بالتراث وبأية خصوصية، طالما يعتبر فكرة المجتمع المدني تنتمي إلى الحداثة والليبرالية والعقلانية والعلمانية، الأمر الذي لا يعني رفض رافدنا المعرفي والثقافي للتطور الدولي على هذا الصعيد، وبالتالي مراعاة الخصوصية في إطار العالمية والكونية والانسانية التي تشكل القاسم المشترك للجميع .

إن واحداً من جوانب الرفض أو الارتياب الرسمية أو المجتمعية لفكرة المجتمع المدني تتعلق بالتعصب والانغلاق ورفض الآخر بحجة الاختراق الثقافي ونشر الرذيلة وكأن مجتمعاتنا ترفل بالفضيلة، إذ لا يمكن اعتبار كل ما هو قادم من الغرب هو اختراع مشبوه، فليس الغرب “كلّه شرٌّ” مطلق ونزعات للهيمنة وفلسفات وآيديولوجيات عنصرية واستعلائية، فهناك بالمقابل مستودع لخير ما أنجبته البشرية من ثقافة وعلوم وتكنولوجيا وآداب وفنون وعمران وقواعد قانونية عصرية تقوم على أساس المساواة بغض النظر عن الدين أو الجنس أو العرق أو اللغة أو المنشأ الاجتماعي، ناهيكم عن التعاطف مع حقوقنا العادلة والمشروعة .

ولعل أهم استنتاج مشترك عام يتم التوصل اليه بعد نحو 30 عاماً من الممارسة، هو أن المجتمع المدني العربي لا يمتلك عصا سحرية للتغيير المنشود، خصوصاً أن بعض العاملين فيه توهموا ذلك، وأن هناك من راهن عليهم أحياناً في الغرب، لكنه في الوقت نفسه ليس بعيداً عن مشاركة فاعلة في أي تغيير حقيقي، وهو الدور الذي يمكن التطلع اليه، كما حصل في أوروبا الشرقية والى حدود معينة في أمريكا اللاتينية .

ولكي تكون مؤسسات المجتمع المدني مؤثرة وقادرة على المشاركة ينبغي أن تكون مستقلة وسلمية ولا تنخرط في الصراع العقائدي، مثلما يُفترض فيها أن تكون غير وراثية وغير ربحية، وبعيدة عن الاعتبارات العشائرية والمذهبية والدينية، لتتمكن من دعم أي مشروع للتغيير السلمي الديمقراطي، ولاسيما إذا تهيأت مستلزماته عبر بيئة تشريعية وتعليمية واعلامية وثقافية وحقوقية مناسبة .

باحث ومفكر عربي