المحرر موضوع: العراق: المشهد السياسي والحالة الزئبقية..!  (زيارة 953 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل باقر الفضلي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 495
    • مشاهدة الملف الشخصي

العراق: المشهد السياسي والحالة الزئبقية..!

باقر الفضلي

ما يحير في صورة المشهد السياسي العراقي اليوم، هي هلامية وضبابية ما هي عليه الحالة السياسية الراهنة؛ من عدم الوضوح والرجرجة والإضطراب المتواصل، التي تتسم بها كل أطراف العملية السياسية الآخذة على عاتقها مستقبل تلك العملية؛  وذلك من حيث التواصل والإستقرار والتطور، الى جانب ما يرافقها من التشبث بالمواقف والمواقع، وكأنها إرث مَنَّ به السلف السياسي الغابر، على الخلف السياسي الحاضر.. فلا من مكترث لشكوى العباد، أو مهتم بمصير البلاد؛ فإن أشرقت أو أغربت، فثمة أرضه، ومن عليها عبيده، حيث يأمر فيطاع، وله في كل ارض باع..!؟


إحتكموا لدستور كتبوه، فلما نضج الأمر بينهم خرقوه ، وإمتطوا "الديمقراطية" ناقة للوصول، فلما أوصلتهم عقروها؛  فالدستور معطل والبرلمان معطل، والحكومة حكومة تسيير أعمال.. وهكذا الحال على هذا المنوال..!!


في الأمس القريب جرى الحديث عن ما يسمى ب"الكتلة النيابية الأكبر" وأفضنا في الحديث، وإنتهينا الى القول : بأن " الطائفية السياسية" هي من تتحكم اليوم بمصير العراق السياسي والديموغرافي، وثمة نتيجة لا تقبل اللف والدوران، ولا التأويل أو البطلان؛ فالطائفية السياسية هي سيدة المكان، وهي من تحتاج الى المزيد من الرجرجة والتلون والمزيد من الجهد والزمان..!!


فلا عجب أن طال الوقت، أو نفذ الصبر، فإن لم تنجز "الطائفة الأكبر" أمر تشكيل "كتلتها الأكبر"، فسوف لن يحسم الأمر، ويظل البرلمان الجديد في سباته المستديم، حيث هكذا إتفق كاف وميم..!!؟؟  ولا عجب أيضا، أن تُهدر المزيد من الدماء، لتسبح رصاصات كاتمات الصوت في كل سماء، وليتساقط رسل وأنبياء الصحافة والإعلام، في كل زاوية ومقام؛  أما عويل الثكلى ولطم صدور الأمهات، فلا حساب له عند إخوتنا الحكام، ولا حتى عند متفقهي الدين أو مناصري السلام..!؟


فاليوم أعلن ما يسمى التحالف الوطني "للكتل السياسية ذات اللون الطائفي الواحد"، بعد زيارات تلتها زيارات الى الجارة "الحبيبة" إيران من قبل أقطاب في هذا التحالف، عن توصلهم الى الأمل المنشود، حيث بات حقيقة ناصعة؛ أن أصبح الترشيح لمنصب رئيس الوزراء من نصيب "طائفتهم" بإمتياز، على حد تصريح النائبة السيدة (حنان الفتلاوي) من إئتلاف دولة القانون، بعد أن أعلن الإئتلاف الوطني الذي يتزعمه رجل الدين  السيد عمار الحكيم عن تسمية مرشحهم لذلك المنصب، وهو نائب رئيس الجمهورية السيد الدكتور الإقتصادي عادل عبد المهدي، في منافسة رئيس الوزراء السيد نوري المالكي المرشح عن إئتلاف دولة القانون، الطرف الثاني في "التحالف الوطني" المشكل حديثاً لأغراض إنتخابية ترتبط بتشكيل ما يسمى ب" الكتلة النيابية الأكبر" لمجاراة نص المادة/76 من الدستور، وللذهاب الى مجلس النواب بمرشح واحد، وكنتيجة منطقية لذلك، فسوف يُستبعد ترشيح السيد أياد علاوي لهذا المنصب، إذا ما سارت الأمور وفق ما خطط لها من قبل إطراف التحالف الجديد، رغم فوز كتلته الإنتخابية بالإغلبية في الإنتخابات الأخيرة، وليس أمام المرء إلا أن يترقب بعد الآن، صولات جديدة ومماحكات عتيدة بين كتلتي المرشحَين، للوصول الى الإتفاق على المرشح الواحد والوحيد للتحالف المذكور، لتعلن كتلة الطائفة الأكبر إنتصارها المرتقب، وليشهد العراق ولأول مرة في حياته النيابية الجديدة، كيف يتم تنصيب رئيس للوزراء وفقاً لآلية "الطائفية الديمقراطية" الحديثة..!!؟؟


هكذا وبهذه الطريقة التي عقر بها السادة من أبرز "علمانيي" الإئتلاف الوطني برئاسة رجل الدين السيد عمار الحكيم،  والسادة من أبرز "علمانيي" إئتلاف دولة القانون برئاسة السيد نوري المالكي، المبشر بلا "طائفية" تكتله المذكور، ناقة "الديمقراطية" التي أوصلتهم الى حيث هم فيه من أمكنة السلطة، فإنقلبوا عليها، معلنين جهاراً عن تمسك تكتلاتهم السياسية ب"الطائفية السياسية"، بإعلانهم عن تشكيل "التحالف الوطني"، ليكون البديل لمقولة الكتلة الفائزة في الإنتخابات، وليجعلوا منه حصان طروادة الذي بواسطته يمكنهم من سحب البساط من تحت أقدام كتلة العراقية بإعتبارها تمثل الكتلة الفائزة الأولى في الإنتخابات، طبقاً لقرار المفوضية العليا للإنتخابات وتصديق المحكمة الإتحادية العليا على القرار،  إذا ما كان هناك من شرعية دستورية وقراءة موضوعية لنتائج تلك الإنتخابات..!!؟؟


إنه ورغم ما قيل وما يقال، وما دبج من مقالات، بأن العراق؛ بلد لا زال جديد عهد ب"الديمقراطية"، وأن تلك الديمقراطية ينبغي ان تُحقن له على شكل جرعات كجرعات الدواء من قبل الطبيب المعالج، كما يعتقد البعض، فإنه حتى لو صح مثل هذا الإفتراض، مع معرفة الغالبية من الناس لطبيعة التركيبة السكانية ومكوناتها المتعددة للمجتمع العراقي في الماضي أو الآن، فإن ما جرى بعد إعلان نتائج الإنتخابات الأخيرة في آذار/2010، من مناورات تاكتيكية من قبل أطراف "التحالف الوطني"، كل من كتلتي الإئتلاف الوطني العراقي، وإئتلاف دولة القانون، لتنتهي بتشكيلهما لذلك "التحالف" ولهدف معروف ومقصود، إذ لا يخرج على صعيد الواقع العملي، عن كونه يسجل سابقة تأريحية غير محمودة العواقب في الحياة النيابية الجديدة، غايتها تثبيت حكم "الطائفة الدينية"، بكل ما فيه من مساويء ومثالب مرفوضة، لا تتفق مع روح نصوص الدستور الجديد المفترضة والمبتغاة، رغم ما فيه من مثالب ونصوص خلافية، لا تستقيم مع ما يعلن عنه دائماً حول إرساء قواعد المنهج الديمقراطي في الحكم والدولة، والتي أثبت الواقع العملي صعوبة التعامل معها بيسر وحكمة، إن لم يجر التحرك بإتجاه تعديلها أو إعادة صياغتها أو حتى إلغائها، ناهيك عن ما تعنيه تلك المناورات، من كونها محاولة مفضوحة، لقبر الديمقراطية وهي بعد في المهد، ولا أدري بأي وسيلة يراد بها بعد الآن، تعويد الناس على التمسك بالنهج الديمقراطي، والقبول بما تأتي به أحكامه، فكيف إذن يمكن إعادة لحمة المجتمع، وإستعادة بناء مواطنة الفرد العراقي، التي مزقتها كوارث الزمن ومنها "الطائفية" المقيته، والمسيرة لما تعد في بداياتها..!!؟؟


 أما ما يجري الحديث فيه، من الكلام الكثير عن "الديمقراطية"، فلم يصمد في الحقيقة أمام الواقع الذي أفرزته نتائج إنتخابات آذار/2010 ، لتعود الحال الى ذلك "الطاس والحمام" الذي خبرناه؛  فلا "ديمقراطية" كما توقعها الناخب العراقي وذاد عنها في يوم الإنتخابات؛  لينطبق عليها وصف المثل العراقي الشهير: " تريد أرنب أخذ أرنب، تريد غزال أخذ أرنب"، وهذا ما جرى توقعه مباشرة بعد ظهور نتائج الإنتخابات، وكيف جرى التعامل معها من قبل القوائم الإنتخابية الفائزة، ومحاولة البعض منها تجيير الفوز لصالحه، بإعتباره يمثل الكتلة الطائفية الأكبر في المجتمع؛ من خلال تمييع النصوص الدستورية وتسييسها، وتكييفها وتفسيرها طبقاً لما تبحث عنه المصالح وتستهويه النفوس؛ ولا أدل على ذلك الحال، أكثر من هذا الجمود والإضطراب السائد في العملية السياسية،  والذي لا يعكس إلا حالة الصراع بين إطراف تلك العملية، المبني أساساً على قاعدة التناحر الطائفي لحشد التأييد والفوز بمركز السلطة، الذي يتجلى في الفشل المتواصل لتشكيل الحكومة الجديدة وتفعيل دور مجلس النواب الجديد، ليرسم حالة زئبقية لواقع المشهد السياسي العراقي المتقلب في شتى الأماكن  والإتجاهات؛  ولمزيد من الإطلاع يمكن الرجوع الى المقالة الموسومة " إشكالية الكتلة الأكبر"   زيادة في الإيضاح..! (*)
(*)   http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=222244