المحرر موضوع: ماذا تعرف عن النانوتكنولوجي؟ ( القسم الأول  (زيارة 1963 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Dr. Daniel Mammoo

  • عضو
  • *
  • مشاركة: 10
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
ماذا تعرف عن النانوتكنولوجي؟
( القسم الأول )




بقلم الدكتور دانيال ممو / شيكاغو
dmammoo@aol.com


قبل أكثر من عام  قام شقيقي الاديب ميخائيل ممو في زيارة خاصة متوجهاً الى الولايات المتحدة الامريكية وبالذات مدينة شيكاغو، وذلك بدعوة من الموقع الألكتروني خابور كوم، للمشاركة في حفلة تكريم أقيمت على شرف أربعة ادباء متميزين لعام 2009 وكان من ضمنهم الاديب ميخائيل ممو.
في تلك الزيارة، سنحت لي الفرصة وحالفني الحظ في عدة مناسبات ان انفرد معه لنتبادل الاحاديث العامة. وفي يوم ما دعاني ان اصطحبه لزيارة احد الاصدقاء الساكن في احدى ضواحي شيكاغو ، وبالفعل رافقته، ومن خلال قيادتي السيارة متجهين صوب الموقع المقرر ، وكالعادة ناقشنا مواضيع شتى تخص ابناء جلدتنا، وعادة ما كنا نتفق على الكثير منها بالرغم من سلبياتها اوايجابياتها ، وعلى حين غرة غزا السكوت او الصمت فيما بيننا، ومن خلال نظرتي الخاطفة اليه وجدته منهمكاً بالتقاط بعض الصّور لمعالم الحياة في  المدينة الجميلة المعروفة باسم " مدينة  الرياح" ، وخلال تلك اللحظات، خطرعلى بالي وانتاب مخيلتي موضوع علمي فيه نوع من الغرابة ، فحثني الشوق ان افصح له بما يجول في خاطري وباشرت بالقول :
يا اْخي، هل تعلم بان هناك بحوث علمية جادة في صنع ملابس خاصة للجنود ميزتها خفه الوزن وواقيه للجسم كالدرع؟!  وهل تعلم بأن الغريب في المهمة المناطة لها في حالة إصابة الجندي بجرح ما يكون من واجبها القيام بمهام أخرى؟! ومنها  ـ على سبيل المثال ـ تزويد مركز المعلومات الخاصة بتقارير تخص نبض او دقات قلب الجندي ، قياس ضغطه ، قياس درجة حرارة جسمه ، اضافة الى تسليط الضغط على المكان المصاب لإيقاف النزيف ، تدليك القلب في حالة توقفه لإعادة النبض ، وتزويد جسم الجندي بالدواء اللازم.
كما وهل تعلم بانه اصبح بالإمكان صناعة ملابس تقوم بعملية التصليح بنفسها في حالة حصول ثقب او شق فيها؟!  ومن السمات الاخرى لها بانها عازلة للحرارة ولا تحترق، ويمكن استخدامها كزي لرجال المطافئ ، اضف الى ذلك قابليتها عدم التأثر بظاهرة إمتصاص الماء او أن تبتل منه. 
فجاْة قاطعني هنا مستفسراً ، والإبتسامة مرتسمة على محياه ، ليخاطبني قائلاً: هل انك تمزح معي؟ فاْجبته لا يا اْخي ... إسمع وصدق ... دعنا نترك الملابس،  دعني ان اقول لك شيئاً آخر. هنالك تقنيه حديثه ومن خلال تطبيقاتها سوف تحدث ثورة علمية كبيرة في كافة المجالات المختلفة ،  فإود ان آخص بالذكر طريقة حديثة مهمتها الكشف عن بعض الخفايا في علاج الامراض السرطانية عن طريق أجهزة روباتيه صغيرة جدا لا ترى بالعين المجردة ، يتم ادخالها أو غرسها في جسم الانسان ، وتصل هذه الروبوتات الى الخلايا السرطانية ليتم القضاء عليها من دون اعراض جانبية تؤثرعلى الخلايا السليمة.
وأما في حقل علوم الحاسبات الالكترونية " الكمبيوتر" فستكون احجامها صغيرة جدا ولا تتعدى السنتمتر مكعب وذات كفاءة عالية جداً خارقة الاداء تفوق ما هو عليه اليوم .
وهنا قاطعني مرة آخرى ، وملامح الاستغراب على محياه ، مبدداً صمته بالقول:  ياللغرابه من أقاويلك ، أجبني بصراحه ... هل كل ما ذكرته هي حقائق علمية ام مجرد نسج من الخيال العلمي ؟ فاْردفته قائلاً:  هناك الكثير لم اذكره لك ، وكل ما قيل هي حقائق علمية تعود الى البحث والتقدم والتطور العلمي الحاصل في التقنيات الحديثة ومنها المسماه " النانو تكنولوجي" أو " تقنية النانو" أو كما يسميها البعض " تكنولوجيا النانو" او" تقنية المنمنمات " أو" التكنولوجيا المجهرية الدقيقة ".
بالرغم من اقتراب وصولنا الى الموقع المقرر لزيارة الصديق ، راودني الشك كاْستنتاج مبدئي بان العدد قليل جداً لمن لديهم اطلاع او معلومات عن هذه التقنية ، وبصورة عامة ، حيث أن القسم الاكبر يجهل هذا العلم الحديث ، ونظراً لاْهمية الموضوع ، وجدت من ضرورة التطرق اليه ، واعطاء فكرة مبسطة بقدر الإمكان عن هذا الرافد العلمي بغية إثراء معلومات القارئ الكريم.

    النانوتكنولوجي هو عبارة  عن مصطلح مركب من كلمتين ، وكمفهوم لغوي فإن الكلمة الأولى نانو (Nano) هو عبارة عن تعبير مشتق من كلمة نانوس(Nanos)  الإغريقية وتعني القزم  (Dwarf)او الشي المتناهي الصغر. أما في مفهومها الفيزيائي او الرياضي فتعتبر أصغر وحدة قياس مترية ، وتساوي جزء واحد على بليون جزء.  وتستخدم كوحدة قياس للجزيئات المتناهية الصغر. فإذا قلنا على سبيل المثال: نانومتر فتعني بأنه يعادل واحد من بليون من المتر ، اي بمعني آخر ، إذا قسمنا المتر الى بليون جزء متساوي فإن الجزء الواحد يساوي واحد نانو متر، علماً بان أصغر الأشياء التي يمكن الانسان رؤيتها بالعين المجردة يبلغ قطرها  10,000 نانومتر.  وللتوضيح فإن النانومتر هو عبارة عن وحدة قياس صغيرة جداً ، فمثلاً قطر شعرة واحدة من رأس الانسان تساوي 80,000  نانومتر، وسمك الورقة التي هي بين يديك تبلغ 100,000 نانومتر، وقطر كريات الدم الحمراء يبلغ  7,000  نانومتر ، وطول جُزَئ الحامض النووي  (DNA)10 نانومتر وعرضها 2,5 نانومتر تقريباً.
وفي حالة ترتيب عشر ذرات من عنصر الهيدروجين فان طولها يساوي نانومتر واحد ، علما بان النانومتر يعادل عشرة اضعاف وحدة القياس الذري والمعروفة بالانغستروم  (Angstrom).                             
أما الكلمة الثانية تكنولوجي (Technology) فتعني التقنية او التطبيق العملي للعلوم وهنا يمكننا القول باْن            مصطلح النانوتكنولوجي (Nanotechnology) يعني تقنية المواد المتناهية في الصغر.

بناءً للبحوث العلمية المتواصلة والإستنتاجات ، ظهرت تعاريف متنوعة وعديدة لمصطلح " تكنولوجيا النانو" وذلك من قبل الاخصائيين  والخبراء والباحثين إستنادا لخبراتهم  ومؤهلاتهم العلمية وأغلب هذه التعاريف متقاربة ومتشابه من حيث المضمون والمفهوم الخاص والعام . لذا وجدنا من المفيد هنا أن ندرج بعض هذه التعاريف ، وكما وردت في الكثير من المقالات المنشورة ، ليكون القارئ اللبيب على علم ودراية ومعرفة بما تتظمنه هذه التعاريف :                                                       
  تكنولوجيا النانو :
ـ هو علم يختص بأبحاث وتطوير أشياء حديثة أحجامها تقع في إطار مقياس النانو.
ـ هو علم يختص بهندسة الاشياء اصغر من 100 نانومتر. 
ـ هو علم يهتم بدراسة ابتكار تقنيات جديدة تقاس أبعادها ما بين 1  و100  نانومتر.
- هو البحث والسيطرة أو التحكم على المادة في المقياس الذري والجزيئي ، وعموماً تتعامل مع بنيات أحجامها ما بين 1 و100 نانومتر وذلك بتصنيعها وبمراقبتها وقياس دراسة خصائصها.
- هو مقدرة الانسان على تصنيع المادة والأجهزة والأنظمة عند مقياس النانو .
- هو انتاج وتطويرأدوات وأجهزة متناهية الصغر في الحجم عن طريق التحكم في ترتيب الذرات والجزيئات داخل المادة .
- هو مجموعة من الأدوات والتقنيات والتطبيقات التي تتعلق بتصنيع بنيه معينة وتركيبها باستخدام مقاييس في غاية الصغر.
وبموجب الاتفاق الصادر من قبل لجنة المبادرة الوطنية لتكنولوجيا النانو في امريكا ،
The U.S. National Nanotechnology Initiative (NNI)
عمدت على إعتبار تعريف تكنولوجيا النانو أكثر شمولاً في الأوساط العلمية عندما يشمل في مضمونه على ما يلي:
1-  تشمل الابحاث والتطورات التقنية للبنيات ، ولها بعد واحد على الاقل وتتراوح أبعادها ما بين 1 و100    نانومتر.
  -2إحداث (خلق) واستخدام البنيات والأجهزة والأنظمة التي تملك خصائص ذات وظائف جديدة وذلك                     نظراً لصغر أبعادها في المقياس النانو متري.
3- القدرة على التلاعب او التحكم في المقياس الذري.
         
من هنا نستنتج باْن جوهر تكنولوجيا النانو بصورة عامة هو الإهتمام بتصنيع مواد وأجهزة ذات خصائص جديدة ومختلفة من المادة الاصلية ، وذلك عن طريق التحكم في الذرات والجزيئات من خلال تقسيم المادة الاصلية الى ذرات وجزيئات صغيرة لمعرفة حالتها في المقياس النانو متري من بغية الاستفادة منها في التطبيقات العملية.
يعتبر العالم الفيزيائى ريتشارد فاينمان  (Richard Feynman) والحائز على جائزة نوبل عام 1965 رائد تكنولوجيا النانو ، ويعود تاريخ هذه التقنية الى عام 1959 ، وذلك من خلال القاءه لمحاضرته الشهيرة والموسومة تحت عنوان " هناك الكثير من الغرف في الاسفل " أو " هناك مجال واسع في الأسفل " (There’s Plenty of Room at the Bottom) ، وبالرغم من عدم اشارته بصورة مباشرة لمصطلح تقنية النانو في محاضرته ، فإنه تطرق الى المبادئ الاْساسية ، وعرض نظرياً فكرة جديدة تخص هذه التقنية بوصفه لها قائلاً:  اْنه بالآمكان تصنيع اجهزة وآلات دقيقة تعمل بمقياس النانو ، وذلك عن طريق التحكم في الذرات والجزيئات المنفردة ، وتتصرف بشكل مختلف عن حالتها عندما تكون في الحجم المحسوس وأوضح من خلال مفهومه باْن معظم الخصائص للمواد عند مستويات النانو تتغير كلياً عن حجمها الاْصلي .

كما وينبغي الإشارة بأن العالم نوريو تانكيشي (Norio Taniguchi) يُعتبر أول من عبّر وأدخل مفهوم النانو تكنولوجي كمصطلح علمي في هذا المجال العلمي ، وذلك من خلال محاضرته في طوكيو عام 1974 قائلا " ان تقنية النانو تتركز على عمليات فصل ، اندماج ، وإعادة تشكيل المواد بواسطة ذرة واحدة او جُزَئ".
وفي عام 1986 قام المهندس الامريكي ايرك دريكسلر (Eric Drexler) من تطويرتكنلوجيا النانو الجزيئية في تصنيع الآلات  النانويه من خلال نشر كتابه المعنون " محركات التكوين : عصرتقنية النانو القادم ".
Engines of Creation: The Coming Era of Nanotechnology).) إضافة الى تبسيطه الاْفكار والمفاهيم الاْساسية لعلم النانو .
نظراً للتطورات التي حصلت في اختراع مجهر المسح النفقي ( Scanning Tunneling Microscope) ومجهر القوة الذري ( Atomic Force Microscope)  في الثمانينات من القرن الماضي كتطبيق عملي وحقيقي لتكنولوجيا النانو ، واللذان استخدما لغرض التقاط الصّور ورؤية الذرات والجزيئات والتحكم عليهما عن طريق المراقبة وتحريكها من مواضعها أو ترتيبها وفق ترتيب ذات أنماط معينة ومختلفة ، تحتم بناء بنيات او هياكل جديدة اضافة الى انتاج مواد نانوية غير معروفة من قبل تتمثل بخصائص مختلفة كلياً عما عليه عن اصل المادة . والجدير بالذكر لقد تم استخدام مجهر القوة الذرية (AFM) وتم ترتيب 35 ذرة من ذرات الزينون لكتابة الحروف الثلاثة من اسم شركة  (IBM) على سطح بلورة النيكل.

وفي عام 1991 اكتشف الباحث الياباني سوميو ليجما ( Sumio Lijima) أنابيب الكاربون ذات القياس النانو متري , وهي عبارة عن أنابيب إسطوانية مؤلفة من ذرات الكاربون ومرتبة على شكل خماسي أو سداسي ، وتتميز هذه الانابيب بقوتها التي تفوق قوة الفولاذ بعدة مرات وأخف مئة بست مرات ، ونظراً لتركيبها المتماثل وخصائصها المتميزة فإنها تلعب دوراً كبيراً وواسعاً من حيث استخداماتها العملية وخاصة في التطبيقات الصناعية ، الاجهزة الألكترونية الدقيقة والأجهزة الطبية .

نكتفي هنا بهذا القدر من تناولنا لهذا الموضوع الهام ، ونستميح القارئ عذراً على تجزءته في جزئين متتاليين لصعوبة استيعاب مضامينه الغريبة على الذين يجهلون معرفتها ، على أمل أن نوافيكم بالقسم الثاني وبأقرب فرصة ممكنة ، مع شكرنا لكم سلفاً بمروركم على قراءته.