المحرر موضوع: أدوار الحكم التركية  (زيارة 919 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل ilbron

  • عضو مميز متقدم
  • *******
  • مشاركة: 6863
  • الجنس: ذكر
    • مشاهدة الملف الشخصي
أدوار الحكم التركية
« في: 13:56 23/01/2011 »
أدوار الحكم التركية


بغداد - ترجمة الصباح


في خريف العام 2009، كانت العلاقات بين صربيا والبوسنة- والتي لم تكن طبيعية أبدا منذ الحرب الأهلية الوحشية في تسعينيات القرن الماضي- تنحدر نحو العداء.
وقد فشلت جهود الوساطة الغربية. فعرض أحمد داود أوغلو، وزير خارجية تركيا، التدخل بين الدولتين. وقد كان دورا معقداً بالنسبة لتركيا، لأسباب ليس أقلها أن البوسنة، مثل تركيا، هي دولة مسلمة بالدرجة الأولى، في حين أن صربيا دولة مسيحية أرثوذكسية والتي كان لها تاريخ طويل من الخلاف مع تركيا.
لكن داود اوغلو كان قد وضع الشكل الطموح للسياسة الخارجية لتركيا؛ وفقا لمبدأ أطلق عليه «تصفير المشكلات تجاه الجيران.» فلا صربيا ولا البوسنة لديهما حدود مع تركيا. ومع ذلك، يضع داود اوغلو تعريفا مفخما لدول الجوار التركي بأنه فضاء واسع من الهيمنة العثمانية السابقة.
فقد اخبرني أوغلو؛ في إحدى المحادثات التي جرت في الخريف الماضي أنه في غضون ستة أشهر، زار بلغراد خمس مرات، وسراييفو سبع مرات، كما ساعد في المفاوضات بشأن أسماء الدبلوماسيين المقبولين، ومفاوضات بشأن لغة الاعتذار الصربية عن الفظائع التي وقعت في سربرينيتسا. فوافقت البوسنة، أخيرا، على تسمية سفير لها في صربيا. ولغرض ابرام الإتفاق، وكما يروي أوغلو القصة بنفسه، إلتقى في مطار سراييفو؛ في وقت متأخر من الليل مع زعيم البوسنة هاريس سيلايجيك. فدخن الزعيم البوسني سيجارته على نحو غاضب.
أما أوغلو، وهو المسلم التقي الذي لا يدخن، فقد قام بعمل استثنائي، ويقول: «لقد دخنت، وهو دخن». ثم قبل سيلاجيك الإعتذار الصربي، وتم تجنب الأزمة. ويصف أوغلو هذا الاسلوب الدبلوماسي بأن «التدخين مثل البوسني».
ولدى أوغلو العديد من القصص من هذا القبيل، كالتي تتعلق بالعراق، وسوريا، واسرائيل، ولبنان، وقيرغيزستان، ومعظمها تبدو صحيحة.
وأكد مسؤول بوزارة الخارجية الاميركية الخطوط العريضة لقصة البلقان. فهو شخصية غير عادية، ذكية، لا تعرف الكلل، ويعتز بنفسه، ودائما يكون هو بطل قصته التي يرويها.
وفي الدفعة الأخيرة من برقيات وزارة الخارجية الأميركية التي كشف عنها ويكليكس، نقل عن أحد الباحثين وصفه لأوغلو بأنه «كيسنجر تركيا»، بينما في عام 2004 نقل عن مصدر آخر وصفه له بأنه «شخصية خطيرة للغاية.»
ولكن قدراته ونظرته للعالم منشغلة بشؤون بلده الذي يقود حقيبته الدبلوماسية، كديمقراطية إسلامية، ودولة نامية مع اقتصاد مزدهر، وعضو في حلف شمال الاطلسي مع قدم في أوروبا والأخرى في آسيا. ويوصف رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان، بأنه شخصية حكيمة، بعيدة النظر، قام بتغيير السياسة التركية بشكل جذري. وكلا الرجلين؛ أردوغان وأوغلو؛ لديهما رؤية مشتركة عظمى، وهي: نهضة تركيا، وتوسيع وإملاء الفضاء العثماني الإمبراطوري البائد.
في عالم لم تعد فيه الولايات المتحدة تهيمن عليه كما كانت في الماضي، سعى الرئيس باراك أوباما لإقامة علاقات قوية مع القوى الصاعدة؛ مثل الهند، والبرازيل.
ومع ذلك، فإن تركيا هي القوة الصاعدة التي تقع في المنطقة الخطرة من الشرق الأوسط، فليس من قبيل الصدفة أن يختار أوباما تركيا كمحطة في أولى جولاته الخارجية، ويتحدث بحماس عن «شراكة نموذجية» بين البلدين. وهذا يتناسب تماما مع طموح تركيا في أن تكون لاعبا عالميا وكذلك اقليميا.
وعلى الرغم من المصالح المتبادلة، وطاقة داود أوغلو وأفكاره المتجددة، فقد وقع شيء ما بطريقة خاطئة جدا، خلال العام الماضي.
فقد باشر الأتراك بقيادة داود أوغلو بمشاريع دبلوماسية مع اسرائيل وايران، فالأولى حليفة لأميركا قبل كل شيء، والأخرى الخصم الاكبر لها في المنطقة، لدرجة أن المسؤولين والقادة السياسيين في واشنطن في حالة غضب. فلم تعد إدارة أوباما تعرف الجانب الذي تقف تركيا عنده.
وتقوم وجهات نظر أوغلو بأن فكرة الوقوف على كلا الجانبين تعود إلى بقايا الحرب الباردة. ويقول «نحن لن نقلب وجوهنا نحو الشرق أو الغرب». ولكن تصفير المشكلات مع الجيران يكاد يكون مستحيلا إذا كنت تعيش في الدول المجاورة لتركيا.
توصف اسطنبول بأنها مدينة أنيقة ومليئة بالمثقفين العالميين، ولم يسمع أحد بأوغلو غير عدد قليل منهم عندما عين مستشارا للسياسة الخارجية لرئيس الوزراء في عام 2002.
ويصفه جنكيز كاندار، وهو كاتب عمود في صحيفة «راديكال» اليومية، بأنه خارج الدوائر الإسلامية، وانه ليس معروفا بشكل جيد؛ على الإطلاق.
فقد كان انتصار حزب العدالة والتنمية الاسلامي المعتدل في الانتخابات البرلمانية 2002 حدثا زلزاليا في تركيا، فضلا عن كونه حدثا ثقافيا وسياسيا. فقد كانت تركيا جمهورية علمانية بصورة مباشرة منذ تأسيسها في العام 1923؛ أما المثقفون الأتراك من ذوي الإتجاه الغربي، والذين يعيشون في المدن الساحلية خاصة في اسطنبول، فكانوا ينظرون للإسلاميين كمتخلفين من مناطق الاناضول النائية. وكما يقول كاندار أن هؤلاء الناس جاؤوا من العدم.
ينحدر داود اوغلو الذي يبلغ من العمر 51 سنة، من مدينة قونية، في هضبة الأناضول، ومع ذلك فإن لغته الانجليزية ممتازة، وغالبا ما يكتب مقالات محددة، في إشارة إلى أنه جاء متأخرا نسبيا إلى اللغة.
كما إن لديه شاربا خفيفا تبدو من تحته ابتسامة رقيقة ومرتبكة. كما إنه ملتزم دينيا؛ فزوجته الطبيبة ترتدي حجابا.
ومع ذلك، فإنه أصبح بشكل مفاجئ ذا شعبية حتى في أوساط النخبة العلمانية في تركيا. وكما يقول كاندار فقد دخل «في أعماق النفس التركية، وهناك شعور بالفخر والعظمة.»
إن تركيا ليست مجرد بلد آخر، فبعد كل ذلك، فهي وريثة الإمبراطوريات، وكذلك الإمبراطورية الكلاسيكية العثمانية، وهي أول جمهورية علمانية في العالم الإسلامي.
وهناك نقطتان، عمل أوغلو الفكري وموقعه كوزير للخارجية. ففي كل من عمل أوغلو الفكري، الذي يجادل فيه لمصلحة حالة استثنائية تتمتع فيها تركيا بفضل تاريخها وموقعها الجغرافي، وكذلك دوره كوزير للخارجية، يعدّ اوغلو بطلا للعظمة التركية.
فقد كان شخصية أكاديمية قبل أن يصبح دبلوماسيا. ويعدّ كتابه «العمق الاستراتيجي» الذي نشر باللغة التركية في العام 2001، مثل بذرة في تطبيق نظرية العلاقات الدولية لتركيا، على الرغم من أن الكتاب يعد عملا مهما في تاريخ الحضارة والفلسفة.
وهذا هو الطموح الفكري لداود اوغلو الذي يعتزم متابعته مع «العمق الفلسفي، والعمق الثقافي والعمق التاريخي.» وقال إنه لم يخرج منها منتقلا إلى غيرها.
وقد انتشر الكتاب من خلال طبعه 41 مرة باللغة التركية، وقد ترجم إلى اللغة العربية في الوقت الحاضر، فضلا عن ترجمته الى اليونانية والألبانية.
وعدد صفحات الكتاب 600 صفحة، وكان كتابا كثيفا جدا، ويكاد يكون معروفا أكثر من مطالعته وقراءته. ويصف أحد مساعدي أوغلو الكتاب بأنه يفتن قراءه ويجذبهم إليه.
أما هنري باركي، وهو باحث في الشؤون التركية في جامعة لاهاي، فيسمي الكتاب بعبارة «مومبو جامبو»، مضيفا أن اوغلو «يفكر في نفسه وكأنه الله.
فالعمق الستراتيجي يقوم بنسج ترابطات وبتفاصيل بين الماضي والحاضر في تركيا، وبين علاقاتها في منطقة الشرق الأوسط والقوقاز والبلقان وأماكن أخرى. ولهذا فإن قراءة الكتاب تأتي بمثابة دعوة لتركيا لكي تتحكم بمصيرها ومستقبلها. وتركيا لديها تلك الإمكانية من خلال طرق كثيرة. فهي واحدة من قصص النجاح الكبير الذي حققته القوى الصاعدة في العالم.
فعند الإلتفات إلى الآثار المترتبة على الركود الاقتصادي العالمي، يبدو أن الاقتصاد التركي كان قد حقق نموا في العام الماضي بنسبة تزيد على ثمانية بالمئة، وأصبح الإقتصاد التركي واحدا من أكبر 17 اقتصاديات في العالم.
فتركيا هي «القوة الناعمة» العملاقة في الشرق الأوسط، وتصدر الثقافة الأفكار الجادة وتجذب الزوار، بما في ذلك مليون ونصف مليون إيراني في السنة.
ومؤخرا، اقترح بولس سالم، الباحث في شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيجي ومقرها لبنان، أن يكون القرن الحالي قرن تركيا، لأنها الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تشير في الوقت الحاضر نحو المستقبل».فنسمع بشكل متزايد عن رأي مفاده أن القوة في الشرق الأوسط تتحول بعيدا عن الدول العربية؛ تجاه القوتين غير العربيتين؛ تركيا وايران. والواقع، ان الصحفي الأميركي ستيفن كينزر كتب تقريرا في صحيفة نيويورك تايمز الأميركية عنوانه «الإعادة: مستقبل إيران وتركيا وأميركا». ويصف الكاتب تركيا وإيران والولايات المتحدة بأنها تمثل «مثلث القوة» المغرية في القرن الحادي والعشرين، المقدر لها أن تحل محل مثلث الحرب الباردة؛ وهي :الولايات المتحدة وإسرائيل والمملكة العربية السعودية. لقد ارتقى داود أوغلو متن الصاروخ التركي. كما إن نجاح تركيا يرفع من شأنه؛ فيما تفعل انجازاته الشيء نفسه بالنسبة لبلده. وقد وضعته مجلة «السياسة الخارجية» الأميركية مؤخرا في المرتبة السابعة ضمن قائمة ضمت مائة شخصية من المفكرين العالميين، وقد كتبت عنه أنه، تحت قيادته، لعبت تركيا دورا دوليا لم تشهده منذ جلوس أحد السلاطين في قصر طوبكابي في اسطنبول.فقد حافظ أوغلو على علاقات وثيقة مع كل من اردوغان والرئيس عبد الله غول، وهو احد القلائل من كبار الشخصيات الذين قاموا بذلك. كما إنه شغل المناصب العليا في وزارة الشؤون الخارجية مع دبلوماسيين يمتازون بعمق التفكير والواقعية العالمية، ويشتركون معه في رؤيته القومية. وقد قاموا بعمل غير عادي في موازنة ماهرة بين طموحات تركيا الإقليمية والعالمية، لتقدم مصالحها من دون تحديد أجراس انذار في العواصم الاخرى. من جهة أخرى، فإنه مبهر حقا، فيقفز برشاقة من بلاد ما بين النهرين إلى الإسكندر الأكبر إلى الوزراء العثمانيين إلى النزعة الاستهلاكية هذه الأيام، راسما صورا غير متوقعة ودروسا مدهشة.بدأ داود اوغلو سيرته المهنية كمستشار للسياسة الخارجية في وقت اصبح فيه طلب تركيا لعضوية الاتحاد الاوروبي هاجسا وطنيا.بالنسبة الى اوغلو واردوغان وغول، فان الانضمام الى الاتحاد الاوروبي يوفر لتركيا منافع اقتصادية حاسمة، وعدا هذا، وهو امر اكثر اهمية، التاكيد على انتساب تركيا الى نادي الدول الغربية. سعت حكومة اردوغان مجتهدة لفرض اصلاحات اقتصادية وسياسية صعبة لتحسن من فرص ترشحها للاتحاد الاوروبي، ومن ثم ثارت غضبا عندما منحت دولا اقل اهلية لكن يغلب عليها الطابع المسيحي مثل قبرص، والتي تمثلها حكومة قبرص اليونانية، وهي الخصم العلني لانقرة، العضوية الكاملة بسرعة رهيبة. ويبدو ان دولا اوربية رئيسة، وفي مقدمتها فرنسا والمانيا، عازمة على اعاقة دخول تركيا في الاتحاد الاوروبي. وفي حزيران الماضي، ادى الامر بوزير الدفاع الاميركي روبرت غيتس لقول كلام يوحي بانه «اذا كان هناك اي شيء يدعم النظرية القائلة بان تركيا تتحرك باتجاه الشرق، فهو نتيجة للضغوط التي واجهتها من قبل البعض في اوربا الرافضين اعطاءها نوع الرابط الدستوري الى ألمجموعة الغربية الذي سعت اليه.»
تعد هذه عبارة متكررة مالوفة جدا، يحاول اوغلو جاهدا ان يدحضها؛ وفي رحلة طيران الى انقرة من بروكسل، حيث قام اوغلو لتوه بحضور اجتماع لحلف الناتو، قام الرجل بالكف عن تناول طعامه وسرد لي ما قاله لنظرائه من وزراء الخارجية الحاضرين لذلك الاجتماع:» اذا كان هذا اليوم يشهد وجود للاتحاد الاوروبي، والذي نشأ تحت المظلة الامنية لحلف الناتو؛ لكن من هي الدولة الاكثر اسهاما فيه خلال الحرب الباردة؟ تركيا. لذلك عندما يقول احدهم:» من خسر تركيا؟» – كان هناك مثل هذا التساؤل، لان الناس قالوا بان تركيا تميل الى الشرق – هذا يعد اهانة الى تركيا؛ لماذا؟ لانها تعني بان هذا الشخص لا يرى في تركيا جزءا من «نحن»؛ وهذا يعني ان تركيا شيئا يتصرف به، وليس شانا يحسب حسابه. نحن لا نريد ان نكون على لائحة المجتمع الدولي نمثل احد المشكلات المستعصية؛ بل نحن نريد ان نكون من ضمن المجتمع الدولي الساعي لحل الازمات.»نريد ان نكون جزءا من «نحن» العالمية – هذا مثل التوضيح الاجلى لطموحات اردوغان واوغلو؛ وهذا هو السبب وراء تلقي تركيا للرفض الاوروبي بمثل هذه المستوى العالي من الاهانة. وكما اشار غيتس، وهو امر واقعي، ففي نهاية المطاف حاولت تركيا رفع منزلتها في المنطقة المجاورة لها. ومن بين اهم الانجازات الدبلوماسية الهامة التي تحسب لاوغلو هو انشاؤه منطقة مفتوحة الدخول من دون تاشيرة بين دول تركيا والاردن ولبنان وسوريا، وبذلك اعيد تكوين جزء من مساحة الدولة العثمانية القديمة. لقد اتفقت الدول الاربع على التحرك باتجاه التجارة الحرة، اضافة الى التنقل الحر فيما بينها. وفي جزء من سياسة تصفية المشكلات، تحركت تركيا نحو ازالة التوترات المزمنة مع قبرص وارمينيا، وبشكل اكثر نجاحا، مع اليونان وسوريا. ووضعت عقود من سياسة القمع للمطالب الكردية بالحكم الذاتي تركيا في خلاف مع الحكومة الجديدة لاقليم كردستان العراق، والتي قامت بايواء مقاتلي المقاومة الكردية؛ الا ان حكومة اردوغان مدت يدها الى حكومة كردستان. واتسمت العلاقات التركية مع ادارة بوش بالضعف منذ 2003 على خلفية تصويت البرلمان التركي على عدم السماح للقوات الاميركية بالدخول الى العراق من جنوب شرق تركيا؛ غير ان الوضع الحالي يشير الى تحمس الولايات المتحدة الى الانتفاع من تركيا كقوة تسخر لصالح استقرار المنطقة. ادى التقارب الحاصل بين تركيا واقليم كردستان بالتالي الى تلطيف اجواء العلاقات مع واشنطن وجعل من تركيا لاعبا رئيسا في الشؤون العراقية؛ واستطاعت الشركات التركية تبوؤ مكانة جيدة ليس فقط في كردستان، بل في كافة انحاء العراق كذلك؛ كما قام القادة الاكراد بتوقيف نشاط المعارضين. وعدت هذه النجاحات كونها انجازات طيبة ومتلاحقة للدبلوماسية التركية.
عن صحيفة نيويورك تايمز الأميركية - جيمس تروب

http://www.alsabaah.com/ArticleShow.aspx?ID=1487