الأمــس واليـــوم وغـــداً
اجتمع في محطةٍ للســفر الأمـس واليــوم والغــد وقلمـا يجتمــع مســافروا الرحـلات المختلفــة فـي محطــةٍ واحــدة لتبـادل الأحاديــث وإن حــدث فمـن النــادر اللقــاء ومــن الروعـة يكــون الحديــث:
الأمـس: مـا هــذه الحيــاة؟! لا نكــاد نذكــر شــيئاً يســتحق الذكــر إلا ومعــه دمعـــة كبيــرة!
اليــــوم: ألا تظــن أن الدمــوع هــي معمــوديتنا ودليــل طهارتنـا؟
الغــــد: الدمــوع ليسـت ســوى قطــرات يشـربها الشــحرور مـع حبــات قلوبنــا ليكمــل بتغريــده نشــيد الحيــاة.
الأمــــس: وهــل فــي الحيــاة مــا يســتحق النشـيد؟
اليــــوم: نعــم يا صــاحبي.. إن كـان هنــاك مـا يســتحق النشــيد فهــي الحيــاة ولا شــيء غيــر الحيــاة.
الغــــد: الحــب.. الإنســان هــو الــذي يخلــق الحيــاة مــن الحــب والحــب فــي الحيــاة.
الأمــــس: والمــوت؟ لا تقــل لــي أن الإنســان أوجــدهُ، فكمــا أن الشــوك لا يثمــر عنبــاً كــذلك العنــب غيــر قــادر علــى إعطــاء وإنمــاء الأشــواك.
اليــــوم: لا تنــسَ أن النــور ينبثـق مــن الظلمــة ومــن الشــتاء الربيــع!
الغــتـد: والمــوت ليــس إلاَ المحطــة الأخيــرة فــي حيــاة ومحطــة أولــى مــن حيــاة أُخــرى.
الأمــــس: المــوت أضعــف مــن أضعــف قــوانا، لكنــه يقهــرنا.
اليــــوم: وهــو الــذي يُرجعــنا إلــى عناصــر الطبيعــة ويكمــل سـلسـلة الحيــاة والمــوت.
الغــــد: وهــل تــرانا اجتمعنــا اليـوم لنتحــدث عــن المــوت؟؟
الأمــــس: تُــرى.. مــا الــذي جمعــنا نحــن الثلاثــة بغيــر ميعــاد؟؟
اليــــوم: بالطبــع هــذه المحطــة التــي نجلــس فيــها.
الغــــد: وكــم انقضــى مــن الســنين ونحــن فـي حــلٍ وترحــال وكــم مــن الدهــور مــرتْ دون أن نقــول كلمــة.
الأمــــس: الكلمــة كانــت موجــودة منـذ الأزل واليـوم تجسـدتْ ألفاظاً ومعـانٍ.
اليــــوم: الـذي جمعــنا هــو أن مـا زرعتــه أنـت حصـدتُه أنـا وسـيزرعُه هـو، والفصـول تــزرع بــذار الفصــول.
الغــــد: إذاً.. نحــن لســنا إلاَ ثـلاث نقــاط فـي بحــر.
اليــــوم: وكــل ثـلاث نقـاط ليسـت علـى اسـتقامة ترسـم دائــرة.
الغــــد: وكــل نقطــة فـي بحــر تحمــل كـل خــواص البحــر.