المحرر موضوع: بشار الأسد - وهم الرعاية الابوية  (زيارة 919 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Mouhamed Ali Habo

  • عضو جديد
  • *
  • مشاركة: 3
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
بشار الأسد - وهم الرعاية الابوية    
                                       

محمد حبو
                                                               
تلجأ الشعوب أثناء أزماتها المصيرية الى  منقذين , يوفرون لها الأمن , مدفوعة, أي الشعوب إلى ذلك  بلا شعور جمعي في  استبدال بنوتهم للآباء البيولوجيين , بالبنوة لأب أنبل وأكثر توفيرا لمستلزمات الحياة /  مأكل وملبس و مشرب /  , ولا تنتهي رغبات الأفراد المنتسبين الى شعب ما , تلك الرغبات اللاشعورية هذه , إلا إذا توفر لهم الأمان العام والحرية التي تشعرهم , بأنهم اصبحوا أشخاصا يستطيعون الإعتماد على أنفسهم , وأنهم أصبحوا  هم آباء انفسهم الحقيقيين

 ,لا يحصل ما أسلفنا ذكره , أي إعتماد الناس على أنفسهم, إلا في البلدان التي تتوفر فيها المواطنة الحقيقية , أي البلدان التي اكتملت فيها المؤسسات , وتوضحت فيها مفاهيم العقد الإجتماعي /مسؤوليات – واجبات – مصالح متبادلة وشراكة حقيقية واضحة بين الدولة والمجتمع / .و لا يعني هذا  أن الرعاية الأبوية تزول نهائيا في الدول التي تتوفر فيها شروط المواطنة وثقة المواطنين بأنهم آباء انفسهم , إذ تظهر الرعاية الأبوية  فيها بين الحين والآخر, حيث يحتاج اليها الأفراد , ولكن الطاعة هنا طوعية وواعية  ولا سيما أثناء الأزمات  /كوارث طبيعية  - تهديدات خارجية – الفشل في تشكيل إئتلافات حكومية لمدد طويلة قد تهدد الوحدة الوطنية او حصول فوضى تهدد الاستقرار العام للدولة او النظام.
 في الدول التي تحكمها أنظمة بطرياركية شمولية تتضخم صورة الأب الراعي , لتنتهي الى نوع من الأبوة الطرزانية  يقابلها طفولة مصابة بإعاقة  عضال  لا شفاء منها بتاتا إلا بثورات فكرية كبيرة تأخذ وقتا طويلا قد تمتد لعقود ان لم تكن قرون , ولما كان للموروث الثقافي المتراكم منذ الاف السنين دورا في تشكل ظواهر من هذا النوع ,فإن البنى التي تشكلت فيها مفاهيم الطاعة  الطفولية لأبوة مقدسة من هذا النوع , بقيت في أغلب الأحيان عصية على التغيير بتأثير عوامل شتى أهمها , النصوص المقدسة  التي أضفت على هذه المفاهيم  هالة  وقدسية  جعلت  حتى التفكير   بالإقتراب منها  كفرا ومروقا, أضف الى ذلك وجود فقهاء حموها من أية تأثيرات خارجية  , وفي الثقافات الشرقية التي أنتجت هذه النصوص , على اعتبار ان النصوص المقدسة أنتجت على مر العصور في الشرق / الأديان -الهرطقات / , في الثقافات السالفة ذكرها كانت هناك أرضية خصبة لإنتاج هذه الظاهرة , أي الرعاية الأبوية بشكلها الغير قابل لأي جدل في شرعيتها أو تبديلها , لما لها من اهمية حسب فقهائها ومنظريها  في حماية الرعية الأطفال القصر - المعاقين من اخطار داخلية وخارجية شتى, فالمفاهيم هنا تترسخ لتقول بعبارة واحدة إما الراعي الأبوي , او الطوفان , وهنا بيت قصيدنا ,إذ نعني بكل ما سلف ذكره ان السلطات التي تعاقبت على حكم هذه الشعوب تتلمذت على بعضها وأنتج منظروها وفقهاءها  هذه المفاهيم التي اجترتها شعوبنا على مر العصور عن رضى , أو على مضض , ورغم تمردات هنا , أو هناك وفي فترات مختلفة على الإستبداد والطغيان الذي كان يتستر بثوب الرعاية الأبوية , رغم ذلك بقي المفهوم شائعا , وأصبحت هذه التمردات ليس في عرف الحاكم فحسب , لا بل في عرف المحكوم أيضا / الراعي والطفل / مروقا وزندقة لا بد من سحقها ,إذ كانت لهذه التراكمات نتائج كارثية على الرعية الذين جبلوا على عادات طفلية مشوبة بصغار / بضم الصاد وفتح الغين / لم يعد الفكاك منه أمرا سهلا , أضف الى ذلك الكم الهائل من الدعاية والتضخيم الذي كان الفقهاء والمتزلفون يضفونه على الراعي الأبوي وصفاته التي لا تتكرر في الآخرين , وأن الأمة  لا محال الى هلاك إن لم يكن  هو من يحكمها , فهاكم ابن هانئ الأندلسي يمدح المعز لدين الله الفاطمي بهذه الطريقة : / ما شئت لا ما شاءت الأقدار       فاحكم فأنت الواحد القهار - وكأنما أنت النبي محمد      وكأنما أنصارك الأنصار / , فالراعي إذن ليس نبيا فحسب , لا بل إلها , لا مجال مطلقا في الخروج عليه , وحكم الخروج عليه مروق , والتقاضي في مسألة المروق يتم في أغلب الأحيان بحكم يصدر عن  الجماهير - الأطفال : / الملقنة بخطابات بلاغية , عاطفية , مثورة  - بضم الميم وفتح الثاء - و متواطئة في قبول ما لا تصدقه , فالأبناء هنا  يدركون نتائج عقوق الوالدين , عقوق : / الزعيم او الراعي الأبوي  , المغتصب للأم الوطن / ولكن هؤلاء الأبناء مجبرون على ممارسة تواطؤهم لحماية  الذات من التعرض للأذى, فكما أسلفنا القول  يصدر الحكم عن الجماهير قبل صدوره عن الحاكم – الراعي الأبوي  ,او محاكمه الصورية.
ما يهمنا من هذه المقدمة هو كيف استخدمت الرعاية الأبوية  بثوبها السوري وكيف كان يتم الإفتاء لتبرير هذه الظاهرة  , وعلى أية أرضية ثقافية استند الفقهاء والآيديولوجيون في تثبيت أركان حكم ظل طيلة خمسة عقود يلقن السوريين الدروس في طاعة  /الأب القائد , المنقذ , راعي المسيرة , المعلم , حامي الحمى , الى آخر المعزوفة التي كان فقهاء السلطان كمحمد سعيد رمضان البوطي ومفتي سوريا الراحل احمد كفتارو, والمفتي الحالي احمد حسون يصفون به حافظ الأسد , فالبوطي يقول عنه : / القائد الفذ, العبقري, المعين الذي لا ينضب, صاحب المواقف التي انبعثت عن الهام رباني / , كما استخدم كم هائل من الدعاية  عن طريق واجهة الراعي الأبوي السلطوية الفاشية , أي  حزب البعث  كي يشرعن لهذه الثقافة التي تم تكرارها على مسامع أجيال لم تعرف في بلادنا إلا ثقافة الراعي – الرعية , المنغلقة على نفسها بحكم المناهل التي استقت منها آيديولوجيتها القومية العنصرية المشبعة بالتراثين النازي والفاشي  وتلقيحها  بتراث من الأفكار والتجارب الراديكالية لمستبدين وطغاة من التاريخ العربي الأموي والعباسي كالحجاج بن يوسف الثقفي الذي قتل من أهل العراق فقط مائة وعشرون ألفا , وعبد الله أبي العباس  الملقب بالسفاح الذي قتل من العائلة الأموية المئات بعد استسلامهم في معركتهم الأخيرة مع العباسيين , وغيرهم  من السفاحين والقتلة كثر لا مجال لذكرهم  , نعود الى  حكم الرئيس السابق حافظ الأسد الذي تعاظم في عهده التسويق لفكرة الأب القائد من خلال استخدام الواجهة الأكثر تأثيرا في  الحياة السورية  , أي حزب البعث, هذا الحزب الذي وضع برامج شتى  وفي كل مناحي ومفاصل الحياة من خلال المنظمات الرديفة للبعث والمشبعة بأفكار عنصرية على نسق الفكر النازي والفاشي في المانيا وايطاليا وتجاربهما المرة في التسبب بالحرب العالمية الثانية , وفي مثالنا البعثي هناك التجربة العراقية الغنية  بمدلولاتها ونتائجها الكارثية على منطقة الشرق الأوسط / حرب الخليج الاولى والثانية , ومن ثم   الحرب الثالثة والتي انتهت بالاحتلال الأمريكي للعراق , و بالعودة الى موضوعنا المتعلق بفكر البعث ودوره في تضخيم ظاهرة الراعي الأبوي , استخدمت ردائف الحزب / منظمة طلائع البعث , واتحاد شبيبة الثورة , والاتحاد الوطني لطلبة سوريا  والاتحاد النسائي , واتحاد الفلاحين , و كذلك النقابات المهنية / عمال – مهندسين – أطباء – محامين فنانين , وغيرها الكثير .. / في الترويج لفكرة الخلاص والجنة العربية الموعودة , أي أن دولة الوحدة والحرية والاشتراكية سوف لن تنجز إلا إذا توفر أب عطوف و قائد ملهم , وفذ  ذو ثقابة وبعد نظر كحافظ الاسد.
 وجدير بنا أن
 نذكر في هذا المجال أن مؤرخو البعث ألقوا بتاريخ سوريا الحديث كله في  سلة مهملات حزبهم , وركزوا على الحقبة البعثية , وفترة حكم حافظ الأسد تحديدا وبتشويه متعمد لحقبة حكم / صلاح جديد- نور الدين الاتاسي/  , حيث تم التركيز في هذا المجال على ضلالات الحكومات السابقة لحافظ الأسد وتآمرها على البلاد , وولوج سوريا الباب العريض  للتاريخ مع حركة حافظ الأسد التصحيحية , ويجدر بنا أن  نذكر أيضا أن نظام حافظ الأسد استفاد في هذه الفترة من الفورة والطفرة النفطيتين , إذ توفر فائض من أموال المساعدات التي قدمتها دول الخليج العربي لسوريا لاستخدامها في مواجهة إسرائيل ,  فخاض النظام حرب تشرين عام 1973 بالتنسيق مع نظام السادات ضد اسرائيل ونجح النظامان المصري والسوري في انتصار نسبي على إسرائيل في هذه المعركة التي استخدم فيه النفط كسلاح فعال, وكلنا نعرف ما آلت اليه الأمور بعد خروج النظام المصري من المواجهة وتوقيعه صلحا إنفراديا مع أسرائيل , واستثمار النظام السوري لموقفه الممانع ضد الصلح الانفرادي بشكل شعبوي  عاطفي في الشارع السوري والعربي  دون ان يخوض حربا أخرى مع الكيان الصهيوني.
 استثمر النظام فائض أموال المساعدات الخليجية في تلميع صورته أمام الشعب السوري , اذ تم تدشين بعض المشاريع  الصناعية والزراعية , وحصل تقدم نسبي في قدرة ذوي الدخل المحدود الشرائية , وفي هذه الفترة بالذات تم تسويق مكثف لفكرة الراعي الأبوي من خلال الآلة الإعلامية / تلفزيون, والصحف السورية الثلاثة  بعث- الثورة – تشرين / , اذ لم تكن تخلو نشرة اخبار واحدة من  كلمة الاب القائد , وكذلك التقارير الاخبارية الصادرة عن الإذاعة ومانشيتات الصحف الرسمية الثلاث المكررة لعبارة الأب القائد , والتي كانت تنشر الصور الضخمة لحافظ الاسد على صدر الصفحة الاولى وخاصة أثناء زياراته الدورية لمدارس أبناء الشهداء لإظهارة أبوته الرمزية تعويضا عن الأبوة البيولوجية التي فقدها هؤلاء الابناء في حرب تشرين,   , كما كانت صوره الضخمة تحتل معظم الصفحات الداخلية لهذه الصحف في المناسبات الرسمية وهكذا ديدن الإعلام الرسمي في تغطية أداء حافظ الأسد للصلوات في عيدي الفطر والأضحى, وتركيزها على تقوى وورع الأب القائد وإلى جانبه مفتي البلاد احمد كفتارو, في جو من الابتهالات والخطب التي تدعو الى حفظ البلاد والأب القائد  , كما استخدم الادب والشعر فيه تحديدا وسيلة لتضخيم وتفخيم صورة  الأب القائد , فالشاعر محسن محمد الجراح  يمدحه كما قال : / يرون فيك أبا سادت محبته , وفارسا عاش بين الصبر والجلد – أيا حافظا سر بالدرب مفتخرا و إننا اليوم بايعناك للأبد . /  ولم يقف الأمر عند هذا الحد , لا بل استخدم الغناء في الدعاية لهذه الظاهرة , فها هو المطرب إلياس كرم يقول في أغنية له : / نحنا أبو باسل علمنا ما نبايع إلا بالدم , بنبصملك بالعشرة هالمرة وكل مرة – منقلك إنت قائدنا قائدنا إنت , إنت البي وإنت الام/
كانت ذروة استخدام مفهوم الرعاية الأبوية  وتوظيفها في الثمانينات من القرن الماضي حين انتصر النظام إنتصارا كاملا وساحقا على المجتمع والدولة معا بعد سحقه لحركة التمرد التي قام بها الإخوان المسلمون , إذ أخذت السلطة تنتهج سياسة تعميم ظاهرة البيعة بالدم للأب القائد راعي المسيرة , إذ روج لها الإعلام السوري وأجبر الطلاب في المدارس , والموظفون والعمال في أماكن عملهم والجنود في السلك العسكري على ترديد شعار:/ قائدنا الى الأبد الأمين حافظ الأسد/  وبقيت  الصورة على هذه الحال الى السنين الأخيرة من استفحال مرض حافظ الأسد , ومحاولات ترويج اسم باسل  الابن الأكبر لحافظ الأسد في الحياة العامة تمهيدا لتكريس صورته , والترويج لاهتماماته الشبابية  وخدماته الجليلة  بغية طرحه كوريث للأب القائد, إلا ان القدر ابتلع باسلا في حادث سير كثر حوله الجدل , ومن ثم جيئ ببشار من انكلترا التي كان يختص فيها في طب العيون وسلم إليه في البداية ملف لبنان , ثم سلم له ملف الفساد الذي كانت رائحته تزكم أنوف  السوريين , ولكنه لم يفلح في التصدي له لأسباب تتعلق بتورط اقرب أقرباء بشار في الفساد , وكان موت حافظ الاسد  في 10/06/2000, إيذانا ببدء مرحلة جديدة مع استلام  بشار للحكم بعد تفصيل المادة المتعلقة بعمر رئيس البلاد على مقاس هذا الشاب  ذو الأربع والثلاثين  ربيعا بشكل صوري في مجلس الشعب  الذي لم يجادل أو يناقش في مشروعية هذه الخطوة أو دستوريتها  وظهر للمراقبين بشكل جلي أن أعضاء مجلس الشعب الذين  كان يفترض أنهم يمثلون ارادة الناس الذين أوصلوهم الى هذا المحفل دمى تحركهم أجهزة الأمن كيفما تشاء, وطغت طفولتهم ويتمهم على الرجولة والمسؤولية المناطة بهم كون أنهم كان من المفترض ان يمثلوا أعلى هيئة تشريعية تحدد مستقبل الشعب والبلاد ورغم  ما حصل  من خرق للدستور ’ وسرعة حرق بشار الأسد للمراحل والمراتب الحزبية و العسكرية والحكومية, إذ أصبح الأمين العام القطري لحزب البعث , ورفع دفعة واحدة الى رتبة فريق أول , ومن ثم القائد العام للجيش والقوات المسلحة , رغم ذلك توسم الناس خيرا بالمرحلة , وراهنوا على أن بشار الشاب سوف لن يكون كأبيه , وأنه سوف يطلق العنان لروحه الشبابية  ويقدم على خطواته الإصلاحية , وبدوره نصحه بعض المستشارين بأن  يقدم على بعض الخطوات في مجال إطلاق الحريات   وكان ما كان من تأسيس للمنتديات السياسية والفكرية  في كثير من المدن السورية , وراهن الكثيرون على أن ربيعا قد أطل على دمشق ,  لكن النظام تراجع عن هذه الخطوة , ومن ثم تم إغلاق تلك المنتديات وزج معظم من من نشط فيها  في المعتقلات, وتبين للمراقبين فيما بعد أنها كانت بالونات اختبار  .
بالعودة ثانية الى مسألة الرعاية الابوية وسلوك الرعية الاطفال سنحاول ان نسلط الضوء على سياسات النظام في عهد بشار الأسد اذ رغم صغر سنه والرهان على أن بشارا لا بد من أنه أثناء إقامته في الغرب قد تأثر بالفكر الغربي وعاش تجربة حياتية في بلد ديموقراطي  , سوف يعمل على إخراج البلاد من قوقعة الدكتاتورية والفكر الشمولي الذي ساد في عهد الوالد , ولكن المراهنون على ذلك أصيبوا بالخيبة  إذ ارتد الرئيس الواعد الى جحر الحزب وأحضان  منظري البعث وفقهاء دين الدولة والنظام الذين راحوا يمارسون نفس الأسلوب المتبع في عهد الأسد الأب , حيث ركز هؤلاء على الأبعاد النفسية في إثارة  السلوك  الطفولي  لشرائح واسعة من  الشعب السوري وميكانيزم بحثها التلقائي عمن ينقذها من العراء العاطفي الذي اطل عليهم  بعد موت حافظ الأسد , واصطرع هذا الشعور مع نقيضه الآخر, اي عدم تصديق اليتامى لما يروج من صفات ومناقب لهذا الأب المفروض  على/ الأم - الوطن/  بشكل قسري  , يشعر الاطفال أن هذا المغتصب ليس أباهم الحقيقي , وهذا ما تؤكده لهم القسوة التي يتعامل به الوالد الطارئ مع الأبناء إذا مارسوا الشطط  والشقاوة أو التمرد على سلوكيات الأب , إن هذا الأب المغتصب يأكل ابناءه كما الطيور الجارحة, وعلى عكس بروتوس الروماني الذي ضحى بأبنائه البيولوجيين من أجل ابنائه السياسيين كما قال مكيافيللي , على العكس من ذلك يقتل الأب المغتصب في الحالة السورية الأبناء بدم بارد , لا بل يؤكد على ممارساته , ويصفهم بالجراثيم التي لا بد للجسم ان يتخلص منها.
باعتبار ان بشار الأسد لم يزل شابا , فإن صيغة الرعاية الأبوية في عهده تختلف عن سالفتها في عهد أبيه , وربما المفهوم هنا , أي مفهوم الرعاية الأبوية تعكس نفسها بالمقلوب نظرا لضعف بشار الذي يحتاج هو أيضا الى أب ينقذه من وقوعه بين أنياب مجموعة التماسيح المسيطرين على المشهد الرسمي للنظام / جنرالات الجيش , مسؤولي الأجهزة الامنية / المتفقين فيما بينهم على رسمية الرئيس القليل الخبرة , العديم الإدراك , والمفتقر الى أدنى درجات الدراية بأصول اللعبة السياسية ومبادئها , وعليه فإن المسؤولية الأساسية في كل التخبطات والسياسات الخاطئة  من عزلة دولية , واقليمية وعربية , وما يترتب على النهب والفساد من ازمات سياسية واقتصادية , تلك التي يمارسها تماسيح النظام واقربائه المقربين يتحمله هو شخصيا , كونه قبل ان يكون مطية لمن أسلفنا ذكرهم , لهذا كله ربما يحتاج بشار الى أب ينقذه هو نفسه من العراء العاطفي الذي وجد نفسه فيه , ورغم ذلك يحاول من حوله من فقهاء دين النظام وسدنة البعث الحاليين , وبعض الدجالين من العروبيين والإسلامويين العرب وبعض المرتزقة والشبيحة اللبنانيون والعرب فيمن يمتهنون بيع أقلامهم ,يحاول هؤلاء نفخ روح الشجاعة في بطلهم المغوار بشار كي  يظهر في الواجهة الإعلامية , كشخصية صلبة وحازمة , ولكن مهما حاول الانسان إخفاء عقده بطلاء ما , فإن الحقيقة والطبع يفضحان الجبلة التي تفصح عن نفسها في الهفوات والذلات . لا أدل على ما نسوقه هنا من هفوات وذلات خرجت من فم بشار في كثير من التصريحات والمقابلات الصحفية , وكذلك في خطاباته سواء تلك التي القيت في ما يسمى بمجلس الشعب أو في الجامعة  و ففي وول ستريت جورنال  قبل ثورة 15 آذار يقول بما معناه ان الشعب السوري غير مهيأ للإصلاحات , وفي خطابه الأول بعد الثورة يصفهم بالمندسين والعملاء , وفي آخر خطاباته يصنف المحتجين الى ثلاثة أصناف : /اصحاب حاجات , الخارجون على القانون , السلفيون الجهاديون / وينعت كل هؤلاء بالجراثيم التي يفرض ميكانيزم المقاومة التخلص منها , أي ان من طبيعة النظام الممانع  في سوريا التخلص من المؤامرات التي تحاك ضد البلاد بقتل المحتجين في الشوارع ودك البيوت على رؤوس اصحابها بحجة ميكانيزم المقاومة , واما الشبيحة ورجال الامن الذين يعيثون في ارض البلاد فسادا وقتلا وتدميرا فهم عناصر مقاومة الجسم للجراثيم   
ورغم محاولة الإعلام السوري  تجميل صورة بشار الشاب وتسويق فكرة حداثيته , فإن الاعمال تفضح الأقوال , وصورته التي بسطت على الأرض وسجد لها الشبان الثلاثة على الفيسبوك وفي اليوتوب تفضح رذائل المفاهيم الذكورية والشمولية , والأفضح من ذلك ما يردده بعض مواليه في الشعار  العامي : / مطرح ما بتدوس نبوس / , وما قيل على التلفزيون الرسمي من قبل احدهم : / اسألوا عن إبائي ..  فأنا البعث ديني , وربي  بشار الأسد / , ألا يعني قبول بشار بهذه السلوكيات الصادرة من مواليه ومؤيديه ,أنه ابن أبيه , ليس بيولوجيا فحسب , لا بل في  الممارسة على أرض الواقع ايضا ؟ .
      ان السلوك الذي يصدر عن الجموع في كثير من الأحيان يتطلب دراستها بكثير من الجرأة وإظهار غريزيتها بغية فهم الالية النفسية وكيفية التحكم بها من قبل المختصين من أ طباء وعلماء نفس تستخدمهم  أنظمة الحكم للسيطرة على الجماهير , وتوجيهها بالشكل التي تراها ضرورية في خدمة مصالحها وديمومة واستمرارية بقائها أطول فترة في الحكم ,  ومن هنا يتخذ  النظام السوري من مفهوم طفولة السوريين وقصورهم عن فهم الاصلاح والديموقراطية  أرضية  مناسبة لإدامة حكمهم بالشكل الاكثر قساوة ووحشية في معاملة الأبناء القصر, ولكن اليس كما قال جون آدامز , اليس من حق الأبناء مقاومة هؤلاء الآباء حين يكسرون عظام ابنائهم؟. هكذا حاول السوريون  مقاومة الأب  المغتصب للأم – الوطن , في احتجاجاتهم منذ الخامس عشر من آذار , إذ بعد ان يفع الشعب السوري ,لم يعد بحاجة الى أب قاس و ومجرم منحل , ومغتصب فقد شرعية أبوته  وتعرى من ورقة التوت التي كانت تستر عورته القبيحة.





      محمد حبو             
          ناشط سياسي كردي مقيم في بلجيكا