المحرر موضوع: ربيع العرب ... خريف الانظمة  (زيارة 744 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل فوزي الاتروشي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 289
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
ربيع العرب ... خريف الانظمة

                                                           
  فوزي الاتروشي
                                                                       كاتب وسياسي كردي

 
   دورة الحياة لا تتوقف والانسان لا يضع قدمه في نفس النهر مرتين كما تؤكد المقولة اليونانية، ولايمكن لقوانين الطبيعة ان تكف عن سريانها. هذا كلام مؤكد في التاريخ وفي تجاربه الغزيرة التي تتوالى، فالامبراطوريات التي فكرت ذات يوم انها ازلية انهارت والحضارات التي تنامت وتسامت شاخت لتحل محلها حضارة اخرى تحمل جماليات سابقتها وتتجنب جوانب قبحها.
   هذا هو ديدن الحياة البشرية والربيع الذي يزدان به الشارع العربي يحمل حتما بذرة خريف انظمة اختارت موتها طوعا بتراجعها وانطوائها وعدائها للانسان ومخالفتها للحرية ونزوعها الى التكبيل والتنكيل وتعطيل وتجهيل المجتمع وترحيله قسرا من الحاضر الى الماضي بدلا من فتح بوابات المستقبل امامه.
   ربيع الشعوب يعني لاعودة الى الوراء وان الارض تمطر وتزدهر والاشجار تكتنز بالثمار والسماء تفصح عن نقائها وصفائها وثمة استحالة لوقف الظاهرة.. وخريف الانظمة يعني ان لا قوة تستطيع منع تداعيها وتآكلها وتعفنها ومن ثم سقوطها فالاوراق تسقط تلقائيا دون تدخل خارجي والجذوع المنخورة تذوب وتتوارى دون حاجة الى فأس او آلة حادة.. الآلة هنا لن تفعل سوى الاسراع والتعجيل في عملية السقوط.
   ربيع الشباب يفرج عن الوانه وعنفوانه والوانه زاهية متنوعة رجالية نسائية والطفولة البريئة لم تعد في هذا الربيع بريئة الى حد السذاجة كما نتصور فالاطفال في المقدمة في الدعوة الى التغيير وانتزاع الحرية ربيع الحرية. زاده كما زاد الربيع في الطبيعة الورد والبسمة والكلام والشعارات الجميلة.. وليس فيه الادوات القاطعة  والاسلحة النارية والضرب والنهب وقتل الآخرين، انه ربيع شبابي لونته المرأة بفيض من الحميمية والجمال.
   وخريف الانظمة عبوس وعدائي وزاده الهراوات والقطع والقتل والاسلحة الجارحة والقاتلة لانه خريف يغزو جسد دكتاتور لايقبل دورة الطبيعة ويرفض سنن الكون. انه خريف لا حواري لا توافقي لا تناغمي يحجم عن فسح المجال لتعاقب المواسم. لان موسم الدكتاتور واحد بلون واحد وتضاريس ثابتة وطقوس محفوظة ورتيبة لا تعلم ان الشمس تشرق وتغرب بعد ذلك والانهار اذا اصطدمت بالسدود تتجاوزها بالفيضان يوما وخلود الدكتاتور هي محاولة اثبتت ملحة كلكامش العراقية الشهيرة انها غير واقعية على المستوى المادي وواقعية جدا على المستوى المعنوي ولكي يخلد النظام والزعيم في الذاكرة الجمعية بشكل اعتباري ومعنوي عليه ان يعترف بدورة الحياة ويرحل فان رحل في موسم اوانه سيرحل الى ذاكرة الشعب ويبقى اخضرا... وان رحل عنوة وبالقوة فانه سيرحل الى مستنقع آسن وراكد يموت فيه وحيدا.
   انه حقا ربيع لا يقبل التراجع.. وهو حقا خريف يعجل اعلان موت الاشجار المتآكلة الجذور لانها جذور ترفضها التربة ولا تمنحها نسغ الحياة.