المحرر موضوع: حقوق الأقليات في ضوء القانون الدولي  (زيارة 5513 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل أبرم شبيرا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 396
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
حقوق الأقليات
في ضوء القانون الدولي
                                                                                                                                أبرم شبيرا
توطئة:
من الهوايات المحببة، بل إن صح التعبير، من الواجبات الإساسية لي، هي الغوص في المكتبات لساعات طويلة والبحث عن كل ما يغزر وعينا من كتب ووثائق تخص مواضيع تاريخ أمتنا "الكلدانية السريانية الآشورية" وثقاقتها ويوسع من إدراكنا في أساليب حمايتها وضمان إستمرارها نحو آجال أبعد وأبعد حتي يستمر تواصلها لقرون آخرى. ومن هذه المكتبات المهمة والتي يكثر فيها مثل هذه الكتب هما المكتبة الشرقية في بيروت ومكتبة جامعة روح القدس في كسليك في لبنان. وقد كنت في الآونة الآخير محظوظا نوعا ما في هذا السياق عندما حصلت على آخر نسخة من كتاب "حقوق الأقليات في ضوء القانون الدولي" للدكتور رياض شفيق شيًا من مكتبة جامعة كسليك. وقبل أن نبحث في هذه المسألة المهمة خاصة في هذه الأيام الصعبة التي تعجز الحكومات الوطنية في منطقتنا وخاصة في وطننا العراق من حماية أقلياتها، أعرض الكتاب بشكل مختصر وفي سطور قليلة مع  بيان بعض من ملاحظاتنا وتعليقاتنا فيما إذا أستوجب ذلك على كل فصل من الكتاب، خاصة فيما يتعلق بموضوع حقوقنا القومية والوطنية والإنسانية في وطننا العراق. مؤلف الكتاب هو الدكتور رياض شفيق شيًا، وهو عميد ركن في الجيش اللبناني ... تبوأ مراكز عسكرية قيادية وأكاديمية مختلفة حائز على شهادة دكتوراه في القانون الدولي وصدر له عام 2003 عن دار النهار للنشر كتاب إتفاقية الهدنة اللبنانية – الإسرائيلية لعام 1949 في ضوء القانون الدولي إضافة إلى كتاب موضوع بحثنا والذي من المحتمل أن يكون رسالته الجامعية في نيل شهادة الدكتوراه. الكتاب صدر من قبل دار النهار للنشر – بيروت ,الطبعة الأولى ، حزيران، 2010 ومن يرغب الحصول عليه يمكن الإتصال بها على : ص.ب: 226 – 11 – بيروت – لبنان فاكس 561693 -1 – 961.
darannahar@darannahar.com

مسألة الأقليات واحدة من المسائل التي أرقت ضمير الإنسانية قروناً طويلة. فمع تفاقم إنتهاك حقوق الأقليات وفشل القوانين الوطنية في التعاطي مع المسألة بشكل عام، باتت الإنظار، لإسباب إنسانية، متجهة ناحية القانون الدولي كوسيلة للحماية... ولما كان لكثير من الأقليات علاقات وإمتدادات تتعدى النظاق الداخلي للدولة، بحكم إرتباطها الإثني أو اللغوي أو الديني بدول أخرى تماثلهم نفس الصفات، أفسح ذلك المجال أمام التدخلات الخارجية بذريعة الدفاع عن الأقليات... وتسعير الكثير من النزاعات بين الدول المجاورة. واستمرت الأقليات أحد مواضيع أهتمام القانون الدولي، سواء بعد الحرب العالمية الأولى مباشرة أو في النصف الثاني للقرن العشرين. فمعظم الصراعات الداخلية والدولية عكست وجود الأقليات في أساس تلك النزاعات، مما يبرر الحجة الدائمة إلى مجموعة كاملة من القوانين الخاصة التي ترعى هذه المسألة. إن العقبة الأساسية أمام تقدم القانون الدولي في إحاطته بمسألة الأقليات ومعالجتها بصورة جذرية هي إصطدامه بكيانات الدولة القائمة. فالخوف من أن يودي الإندفاع في تلبية طموحات الأقليات إلى زعزعة الإستقرار العالمي وإلى زيادة النزاعات الدولية والداخلية لا يبرر عدم الإهتمام بها أو المعالجة الخاطئة لها، لأن ذلك يبقي مسألة الأقليات مصدر توتر دائم (من متن الكتاب).

الكتاب في سطور مع ملاحظاتنا:
الكتاب يشمل 386 صفحة من القطع الكبير ويقع في بابين، الأول (تطور نظام حماية الأقليات) مقسماً إلى ثلاث فصول، الأول (حقوق الأقليات في ظل عصبة الأمم)، ويتناول هذه الحقوق وضماناتها في عهد عصبة الأمم ومن ثم فشلها وسقوطها. وكملاحظاتنا يمكن أن نقول بخصوص هذا الفصل بأن عصبة الأمم أهتمت إهتماماً كبير بمسألة الأقليات ولكن من جهة أخرى أيضا أستغلت هذه المسألة من قبل الدول الكبرى المنتصرة في الحرب الكونية الأولى، خاصة بريطانيا وفرنسا، إستغلالاً تعسفياً وفضيعاً بحيث أفرزت عنها نتائج مأساوية فرضت عنوة على الشعوب البسيطة والمقهور وتقرر مصيرها بموجبها، فالمسألة الآشورية في العراق في الثلث الأول من القرن الماضي، مثال على هذا الإستغلال الإجرامي والتلاعب بمصير الشعوب من دون مراعاة لأية حقوق المشار إليها في تشريعات عصبة الأمم والتي أودت بالأخير إلى فشلها ونشوب الحرب الكونية الثانية وقيام المنظمة العالية الجديدة، هيئة الأمم المتحدة، بعد وضع الحرب أوزارها. وهنا لابد من الإشارة إلى المسيحيين في العراق حيث تنتهك أعراضهم وتسلب ممتلكاتهم ويهجروا من بيوتهم ويغتالوا ويدمرون كنائسهم من دون أي وازع قانوني وأخلاقي فشريعة الغابة هي التي تحكم في مثل هذه الأوضاع وليس القوانين والتشريعات الدولية في حماية الأقليات.   

أما الفصل الثاني (حقوق الأقليات في ظل الأمم المتحدة)، فيتناول فيه صلاحية الضمانات المتعلقة بالأقليات بعد الحرب العاليمة الثانية، وحقوق الأقليات وميثاق الأمم المتحدة ومعاهدات السلام والأعلان العالمي لحقوق الإنسان ثم يتطرق إلى العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي أصدرته الأمم المتحدة في عام 1966 وبالأخص المادة 27 منه ومدى إلزامها ثم يلي ذلك إعلان حقوق الأشخاص المنتمين لأقليات قومية أو إثنية، دينية ولغوية الذي صدر في عام 1992 والذي يشرح فيه ديباجة الإعلان ومحتوى المواد العملاتية ومدى تطبيقه . وكملاحظاتنا يمكن أن نقول بخصوص هذا الفصل بأن تجربة عصبة الأمم فيما يخص الأقليات وفشلها الذريع أثر ذلك كثيرا على مؤسسي الأمم المتحدة وعلى مشرعي ميثاقها مما قادهم إلى تجنب أي تطرق إلى مسألة الأقليات وحمايتها لذلك لا توجد أية إشارة في ميثاق الأمم المتحدة إلى موضوع الأقليات وحماية حقوقهم فحتى محاولات تشريع معاهدة خاصة بالأقليات في مؤتمر السلام المنعقد في لندن عام 1946 قد فشل في هذه المسألة. إن الأمم المتحدة أعتمدت على فلسفة جديدة قائمة على أعتبار أن حماية حقوق الإنسان سوف يعطي بالنتيجة حماية لحقوق الأقليات وكنتيجة لذلك شرع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 من دون أن تكون هناك أية إشارة إلى الأقليات. فخلال تلك الفترة نرى بأن كل المحاولات التي قامت بها الحركة القومية الآشورية برعاية قداسة بطريرك كنيسة المشرق مار شمعون إيشاي رحمه الله عن طريق الأمم المتحدة في بداية تأسيسها عام 1945 والسنين اللاحقة لم تفلح وكل الطلبات والتظلمات التي قدمها إلى الأمم المتحدة بخصوص حماية الآشوريين في العراق وإيران وإيجاد تسوية عادلة لقضيتهم لم تجد أذان صاغية لها، وهذا مثال قريب علينا من بين مئات الأمثلة في تلك الفترة.

في الفصل الثالث (حقوق الأقليات في المنظمات الدولية – الإقليمية)، يتناول مسألة الأقليات في أهم أربعة منظمات وهي المجلس الأوربي و منظمة الأمن والتعاون الأوربي و منظمة الدول الأمريكية وثم منظمة الإتحاد الأفريقي. وتعتبر المنظمات الأوربية رائدة في مجال حماية حقوق الإنسان والأقليات حيث صدرت عن منظمة الأمن والتعاون الأوربي عدد من المعاهدات والبيانات بهذا الخصوص وأشهرها وثيقة هلسنكي ووثيقة فينا ووثيقة كوبنهاكن والتي تعتبر من أرقى الأشكال التشريعية في حماية حقوق الإنسان والأقليات.

أما في الباب الثاني (حقوق الأقليات) فالكاتب يبتعد عن التشريعات الخاصة بحقوق الأقليات ويبدأ في هذا الباب بتفسير وتحليل الكثير من المفاهيم المتعلقة بالأقليات. ففي الفصل الأول (مفهوم الأقليات) يتطرق إلى الحاجة إلى تعريف الأقلية والمساعي التي بذلتها المنظمات الدولية والإقليمية والكتاب والباحثين والمعايير الموضوعية والذاتية المعتمد في التعريف  ثم يعرج على أهم الإتجاهات النظرية المعاصرة لتعريف الأقلية. والإهم من كل هذا يتطرق الكاتب في الفصل الثاني (الحقوق المفصلة للأقليات)، مفهوم هذه الحقوق وأنواعها منها القانونية والإنسانية والجماعية ثم الحقوق الخاصة بالأقليات فيشير إلى أهمها منها الحق في الوجود والحق في الهوية وكذلك إلى حق الأقليات بعدم التمييز والتشريعات الدولية الخاصة بهذا الموضوع وأخيرأ في الفصل الثالث (حقوق شعوب السكان الأصليين) ومدى علاقتهم بالأقليات والتعريف بهم والمنظمات الدولية التي وضعت معايير في حقوق السكان الأصليين ثم يفرد صفحات عن الأمم المتحدة والأعلانات والمواثيق التي أصدرتها بهذا الشأن. وهنا أود أن أشير إلى طروحات بعدض من كتابنا وسياسيونا ومنظماتنا القومية عندما ينعتون الآشوريين أو الكلدان أو السريان بالسكان الأصليين للعراق أو لبلاد الرافدين وهذا خطأ ينم عن جهل سياسي وقانوني في هذه المسألة... فالسكان الأصليين (Indigenous People ( لهم صفات وخلفيات أنثروبولوجية وظروف بيئية خاصة وفريدة بهم ويعيشون في حياة مغلقة أو شبه مغلقة ولهم مقومات بدائية لنمط حياتهم لا يشاركهم فيها غيرهم، في حين يعيش أبناء شعبنا "الكلداني السرياني الآشوري" في ظروف مختلفة تماما ولهم صفات قومية وتراثية ودينية وخلفية حضارية إنسانية معروفة تميزهم عن غيره ويعيش الكثير منهم في حاضر المدن أو القصبات المفتوحة للعالم الخارجي وينطبق عليهم بكل معنى القانوني والسياسي مفهوم الأقلية القومية وليس بالسكان الأصليين، فأصالتهم في بلاد الرافدين مستمدة من عمق حضارتهم وتواجدهم التاريخي الطويل على هذه الأرض ومساهمتهم الكبيرة في الحضارة الإنسانية وليس من البيئة الأنثروبولوجية التي يعيشون فيها.
     
ولما كان موضوع الأقليات وحق تقرير المصير من المواضيع المهمة والتي يدور حولها جدلاً قانونياً وسياسياً واسعاُ فقد أفرد الكاتب له فصل خاص به شمل أكثر من (40) صفحة حيث يبدأ بالجذور التاريخية لمبدأ حق تقرير المصير ونمو القومية ونشوء الدولة – الأمة و الأقليات القومية والظهور العلني لتقرير المصير. ثم يتطرق إلى اهم التشريعات القانونية في تقرير المصير منها ميثاق الأمم المتحدة وإعلان حقوق الإنسان وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية وأخيراً يتطرق ألى موضوع تقرير المصير والجماعات الأثنية ومدى علاقة تقرير المصير بالإنفصال وأخيرا إشكاليات الأقليات في تقرير المصير. للمزيد عن موضوع مبدأ حق تقرير المصير ومدى إنطباقه على أمتنا "الكلدانية السريانية الآشورية، أنظر كراسنا المعنون (حقوق الآشوريين السياسية في العراق – في ضوء حق تقرير المصير – دار عشار، لندن، 1966، ص 28).

خاتمة وإستنتاجات:
للكتاب خاتمة وفيها يصل المؤلف إلى إستنتاجات مهمة وهي خلاصة الجهد الذي بذله في بحثه هذا وبإعتقادنا هي إستنتاجات مهمة وفق الكاتب فيها بشكل كبير نستخلص منها مايلي:

البعد الإخلاقي للقانون الدولي:
المعروف في القانون الدولي بأنه مجموعة قواعد يحكم علاقات الدول وينظمها بينهم ولكن مع هذا يجب أن لا يوثر هذا التفسير على المحتوى الإخلاقي للقانون الدولي ... صحيح أن الدول ليست أفراد ولكن مع هذا أن الدول تشمل الأفراد وبدونهم لا يمكن أن تقوم لها قيامة لذلك فالبعد الإخلاقي الذي توصل الكاتب إليه في القانون الدولي يشمل حماية الأقليات وهو السبب الذي جعله أن يعنون بحثه بعنوان (حقوق الأقليات في ضوء القانون الدولي).

حقوق الأقليات وحقوق الإنسان:
يتفق الكتاب مع العالم القانوني (سييغرت) في القول بأن حقوق الإنسان إنما وجدت من أجل حماية الأقليات، فالحقيقة التي يعتمدها الكاتب هي أن حقوق الإنسان وجدت لصالح الضعيف، المعرض للإنتهاك بإستمرار، فاقد مقومات الصيانة والعاجز عن التعبير والتصريح بما هو عليه وبما يفكر به ويؤمن به. أما القوي فحاجته لحقوق الإنسان قد تكون شبه معدومة. ولما كانت الأقليات متصفة بهذه الصفات الضعيفة لذا فإنهم معنيين مباشرة بحقوق الإنسان. وبرأينا أن الأمر ليس كذلك عند تفسير مضامين حقوق الإنسان خاصة عندما يتأثر هذا التفسير بالعوامل السياسية لهذا السبب كان يستوجب على المجتمع الدولي أن يكون أكثر صراحة ومباشرة في معالجة مسألة حقوق الأقليات. لذلك ففي عام 1966 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي أكد على حق الشعوب في تقرير مصيرها دون إستثناء وفرض على الدول التي توجد فيها أقليات إلتزامات بضرورة حماية حقوقها القومية والدينية. وفي عام 1976 دخل هذا العهد حيز التنفيذ وأصبحت له قوة القانون حيث صادقت عليه 87 دولي حتى عام 1987 ومنها دولة العراق. كثير من الدول التي يتواجد فيها أقليات قومية ودينية أنتهكت المواثيق الدولية الخاصة بهذا الشأن فكان ذلك موضوع نصب عيني الأمم المتحدة لإصدار تشريع أكثر قوة وإعداد صك دولي بشأن حقوق الأقليات وإقرار أليات وأجراءات معينة لإلزام الدول بحمايتها وصيانته، فجاء صدور "أعلان بشأن حقوق الإشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو أثنية وإلى أقليات دينية ولغوية" لعام 1992 لغرض تعزيز حقوق الأقليات وحمايتها إذ أكد الأعلان على حق تمتع الأقليات بثقافتها والمجاهرة بدينها وممارسة وإستخدام لغتها وإقامة الإتصالات مع سائر أعضاء جماعة الأقلية عبر الحدود ومع مواطني الدول الأخرى الذي تربطهم معهم صلات قومية أو دينية أو أثنية أو لغوية. كما ألزم الأعلان الحكومات المعنية على إتخاذ تدابير إيجابية لتعزيز الحريات الأساسية للإشخاص المنتمين إلى الأقليات ومنها التعليم والثقافة، كما طالب البيان هذه الدول بضرورة حماية وجود الأقليات وهويتها القومية أو الأثنية والدينية واللغوية وفرض عليها ضرورة إتاحة الحرية لأبناء الأقليات للمشاركة الفعالة في شؤون الدولة وفي إتخاذ القرارات المتعلقة بالأقليم التي يقيمون فيها وفي القرارات التي تخص الأقلية نفسها، كما ألزم البيان الدول على تعديل قوانينها بما تضمن هذه الحقوق.
ومن الأهمية الإشارة إليه بخصوص هذا الأعلان، هو أنه صيغ بعقلية أوربية متطورة جداً في فهم حقوق الإنسان والأقليات وبعيدة كل البعد عن العقلية الشرق الأوسطية وخاصة عقلية رجال الحكم والسياسة في الأقطار العربية وتحديداً في العراق. إذ أن أعطاء للأقليات حق إقامة الإتصالات مع سائر أعضاء جماعة الأقلية عبر الحدود، أي مع الدول الأخرى، هي جريمة خطيرة في هذه البلدان وفي العراق وعقوبها تصل إلى الأعدام.

الإطار الفردي لحقوق الأقليات:
يتفق الكاتب مع مقولة بأن معظم الحماية الممنوحة للأقليات الإثنية، الدينية واللغوية هي ذات طبيعة غير مباشرة، أي بما معناه بأن كثير من النصوص القانونية ذات الصلة لا توجد إشارة إلى الأقليات نفسها... أي أن القانون الدولي يتردد في تسمية الجماعات الأقلية كصاحبة للحقوق التي يمنحها بل يفضل تنسيبها إلى الإفراد المنتمين للجماعات الأثنية والأقليات القومية والدينية، فمثلاً أهم قرار في هذا الشأن هو إعلان حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو أثنية الصادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1992، والمار ذكره في أعلاه. إذ الإشارة إليه هي للأشخاص وليس الأقليات أو الجماعات. ومرجعية الإطار الفردي لحقوق الأقليات ترجع بالإساس إلى إستحواذ فكرة حقوق الإنسان الشاملة للأقليات أيضاً. غير إن التشريعات المتعلقة بمكافحة التمييز العنصري وحماية سكان الشعوب الأصلية والقبلية كلها إشارات واضحة إلى الجماعات وليس إلى الأفراد. الكاتب في هذا الموضوع لم يبين سبب الإطار الفردي لحقوق الأقليات رغم أن تطبيقه يكون جماعياً وإختلافه عن الإطار الجمعي لبقية التشريعات المتعلقة بالعنصرية والشعوب الأصلية ولكن بإعتقادنا الخاص يقوم على فهم طبيعة عقلية المشرع في فهم نوعية الإنتماء. إذ أن الإنتماء إلى أقلية قومية أو دينية يقوم بالأساس إلى الشعور والوعي الذي يجعل الفرد إنتماءه إلى هذه الجماعة أو تلك، في حين أن إنتماء الفرد إلى عنصر (عرق) معين أو إلى أسلوب الحياة التي تتصف بها الشعوب الأصلية هو إنتماء جماعي مقرر سلفاً لا قرار له فيه. فعلى سبيل المثال قد يكون أحد من أبناء شعبنا "الكلداني السرياني الآشوري"  غير واعياً بإنتماءه إلى أثنيته ويقر بإنتماءه العربي أو الكردي أو أية قومية أخرى فمثل هذه الحالة لا يعالجه أي تشريع يخص حماية الأقليات. في حين أن الزنجي أو الأمازوني لا يمكن أن يكون إلا واعياً بطبيعة عنصره (عرقه) أو بمنط حياته الخاصة في الأمازون لأنه يستمد وعيه من إرتباطه المباشر والعضوي بالجماعة التي ينتمي إليها وبالتالي تأتي التشريعات الخاصة بحمايته في إطارها الجماعي.     
 
 والكتاب في نهايته يتضمن ملحق رقم (1) وهو النص الكامل لإعلان حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو دينية وإلى أقليات دينية ولغوية الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 18 كانون الأول 1992 وأيضا ملحق رقم (2) الخاص بالنص الكامل لإعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية والذي أعتمد ونشر في 13 أيلول 2007. وكبقية البحوث والكتب، يدرج المؤلف عدد مهم من المصادر المعتمدة في البحث حيث أعتمد على (144) مرجع أجنبي وعلى (6) مرجع عربي أثنان منها مترجمة من اللغات الأجنبية، تصوروا الفرق الهائل بين الرقمين والذي له دلالات سياسية خطيرة تؤكد عدم إهتمام العقل العربي السياسي والثقافي بمسألة حقوق الإنسان وحماية الأقليات. والأغرب من كل هذا هو مسألة وزارة حقوق الإنسان التي هي ضمن تشكيلة مجلس وزراء في بعض الدول العربية ومنها العراق... لا أدري هل الحكومة العراقية هي جاهلة وليس لها مستشاريين سياسين وقانونيين يقولون لها بأن الحكومات هي  بالدرجة الأولى التي تنتهك حقوق الإنسان وتضطهد الأقليات بشكل مباشر أو غير مباشرة وإنها لا يمكن أن تكون المتهم والقاضي في عين الوقت. إن مهمة  الدفاع عن حقوق الإنسان والأقليات هي من إختصاص منظمات المجتمع المدني وليس الحكومات التي لا تعترف أصلا بحقوق الإنسان ولا بحق الأقليات في ممارسة حقوقها السياسية والقومية.     
         
وأخيرا:
أود أن أوصي هذا الكتاب لجميع الطلاب والباحثين في مسألة الأقليات وحماية حقوقهم لإقتناء نسخة منه من دار النشر المذكورة أعلاه، لا بل أيضا أوصيه لإبناء أمتنا للإطلاع على التشريعات الدولية التي تحمي حقوقهم وتشرعن مطالبهم خاصة في هذه المرحلة الحرجة التي نمر بها. فالكتاب هو دراسة نظرية عن القوانين والتشريعات الدولية بهذا الشأن وليس هناك أية أشارة أو تلميح إلى أية أقلية أو مجموعة أثنية معنية في العالم، فهو إطار نظري لكل من يطلب العلم كمنهج لدراسة حقوق الأقليات ووسائل حمايتها. كما أود أن أذكر نقطة مهمة لها تأثيرات مباشرة على الكثير من أبناء الأقليات ومنهم أبناء أمتنا وتنظيماتهم السياسية. فالكثير يعتقدون بأن إستخدام مصطلح الأقلية أو الأقليات له دلالات سلبية ودونية تنقص من قيمة الأقلية ومكانتها ولكن هذا غير صحيح بتاتا لأن للأقلية معنى قانوني متداول في التشريع الدولي ومقبول فليس لإستخدامه دلالات سلبية بل له مضامين موضوعية تبين موقع الأقلية من الأكثرية وهذا هو عين الممارسة الديمقراطية بالنسبة للديمقراطيين الحقيقيين وليس للمحاصصيون. إن إستخدام مصطلح المكون أو المكونات الدارج على الساحة السياسية العراقية هو إستخراج جديد غير صحيح في نعت الأقليه به لأنه مصطلح لا معنى سياسي وقانوني له في التشريع الدولي.