المحرر موضوع: نواب كسبوا الراتب وخسروا المصداقية  (زيارة 904 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل فوزي الاتروشي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 289
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
نواب كسبوا الراتب وخسروا المصداقية
فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة

   ليست مزحة بل حقيقة ناصعة ان عدداً كبيراً من اعضاء البرلمان العراقي ينطبق عليهم قول الشاعر(( كالطبل يكبر وهو خال اجوف)). فهذا البعض يعتبر عضويته نعمة نزلت عليه من السماء وهدية لم يكن يحلم بها في المنام. دون ان يلتفت حوله لحظة ويفكر ان صوت الناخب وارادة المواطن هي التي اهلته لموقع هو ليس اهلاً له اصلاً، نعم صوت المواطن وليست صوره وشعاراته وصراخه وثرثرته البغيضة وبلاغته التعيسة هي التي جعلته يجلس تحت قبة البرلمان.
    أغلبهم لا يفكر واذا فكر لا يبدع لان خلفيته الثقافية ضحلة للغاية ومستواه السياسي   متدني ولو حمل شهادة دكتوراه لا يعلم احد من اين اتى بها.
   لذلك نجدهم لا يجمعون على شئ ويختلفون في يوم ويغيبون اكثر الايام ويكلفون رئيس كتلتهم بالحديث عنهم الذي يصادر عقولهم طوعاً. ولكن حين يتعلق الامر برواتبهم وامتيازاتهم وحماياتهم وايفاداتهم وجوازات سفرهم الدبلوماسية نجدهم صوتا واحدا لا نشاز فيه. انهم لا يحركون ساكنا ولا يرمون صخرة في البركة بأستثناء عدد قليل منهم .
الوقت الذي تطحن المشاكل الوطن ويضرب الارهاب في اكثر من (10) محافظات وتعلو رائحة الفساد وفي كل مكان وتغرق بغداد في جحيم الحر والظلام بسبب غياب الكهرباء. نجد هؤلاء يشغلون انفسهم بمسلسل تلفزيوني انتشر اصلا عن طريق الاقراص والفضائيات في كل منزل وغدا منعه ضربا من الاستحالة، ونجدهم ايضا كالعادة يرفضون تخفيض رواتبهم دون ان يدركوا انها سابقة خطيرة لم نجد لها شبيها في كل العالم.
    ان النائب في كل الدول الديمقراطية هو جسر التواصل اليومي بين المواطن والسلطة وهو الذي يداوم ليل نهار ويتجول بين المواطنين ويزور المناطق للوقوف على الشكاوى وتحري الحال وجمع المعلومات على الارض والضغط على كل مفاصل الحياة في الدولة لتحقيق ارادة المواطن دون ان ينتظر شكرا ًمن احد. اما الغالبية العظمى من نوابنا فلا نجدهم الا على الشاشة ووطنهم هي المنطقة الخضراء التي لم تعد خضراء بفعل ما نشروا فيها من سيارات وكتل اسمنتية وحمايات.
   رحم الله البرلمانيين العراقيين في العهد الملكي فكل واحد منهم كان علماً على رأسه نار وكان حديثهم وانشغالاتهم هي مايدور في رأس المواطن من احلام وآمال ولم يكن احد منهم يجرأ على الخروج عن إرادة الذين صوتوا والذين لم يصوتوا له. إن غالبية اعضاء البرلمان آنذاك كانوا شخصيات سياسية اجتماعية ثقافية رفيعة المستوى لم ينظروا الى الرواتب والامتيازات بقدر نظرتهم الى خدمة المواطن ولم لا يصدق ذلك عليه مراجعة سجلات الجلسات والمصادر التاريخية العديدة التي تعنيه.
   إن المواطن العراقي لم يعد مهتماً بجلسات البرلمان لانه يدرك ان لا شئ ينتظر الحل هناك والقامات والالقاب الفخمة هي مجرد بالونات هواء منتفخة. فالعشرات من مشاريع القوانين مازالت معلقة وكل المسائل الاشكالية تزداد اشكاليتها يوما بعد يوم. والكهرباء لا احد قادر على التنبوء بموعد وصولها ومع ذلك فالبرلمانيون العراقيون ملأوا فضاءات بغداد المتربة بتراب اكثر تلوثاً هو الكلام واجترار الخطابات والبلاغة الفارغة والتصريحات العديمة النكهة والطعم والرائحة.
   ان اي عضو في اي برلمان اوروبي سيضحك طويلاً طويلاً حين يجد النائب العراقي يستجدي الراتب والامتيازات ولا يقدم على اي موقف يثبت صدق مقولتنا التي نكررها دوماً وهي (( الرأي قبل شجاعة الشجعان))