المحرر موضوع: الوطن والوطنية والمواطنة  (زيارة 766 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل زاهـر دودا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 267
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الوطن والوطنية والمواطنة
« في: 19:59 15/01/2012 »
الوطن والوطنية والمواطنة

يوجد لكل دولة دستور يحمي أفرادها , يظللها اسمٌ يَجمعُ جهاتها الأربعة ويربطها بنفس القوة والاهتمام كما يفعل قلب الإنسان بضخ الدم لتغذية كافة أنحاء الجسم لا يفرّق بين الأقسام أو الأعضاء فكل جزء له أهمية بالغة فإذا مرض سيؤثر ويتأثر الكل وتصبح بقية الأعضاء أو الأجزاء الأخرى فريسة سهلة وضعيفة أمام التحديات الخارجية .
تتشابه وتتطابق صفات ذلك الجسم الكبير الذي يحتوي على أعضاء متعددة وأجزاء مختلفة بالــوطـن , ولزاماً يكون على الكل أن يدافع عن تراب وخيرات وكرامة الوطن الذي يحتويها لأنه يخص الجميع بخيرها أو شرها , وتسمى هذه الحالة بالوطنية وهي فوق كل الاعتبارات الثانوية الأخرى إن كانت حزبية أو دينية أو غير ذلك كما لأعضاء الجسم الواحد خصائص وصفات مختلفة لكنها تعمل لأجل الكل ليزدهر ويتقدم ليبقى حراً متعافيا . ولأن الجميع يحملون هوية الوطن ، لذلك تكون حقوق المواطنة مكفولة للجميع بنفس الدرجة ومتساوية فلا يحق لفئة تدّعي أن لها الحق أكثر من غيرها مهما كانت المبررات . ومن لا يصون ويذود عن الوطن فيعتبر خائن مرتكب أبشع جريمة ألا وهي الخيانة العظمى والتي لا تعلى عليها أية جريمة وينال فيها أقصى عقوبة ولا تشمله أية رأفة .   
  ولكن , عندما يُسنّ للدولة دستور يُـفرض على الكل بشريعة دين الأغلبية وهويته تكون من القومية الأكثرية , فـأين يكون موقع القوميات الصغيرة أو للأديان الأخرى المتواجدة في الوطن منذ مئات السنين أو الآلاف  ؟  ألـن تُهضَم حقوقها وتهان كرامة أفرادها في إلغاء وجودها التاريخي ، وان ما يفعله أفرادها للوطن من ازدهار وتقدم لتطويره ، يُسجّل ويدوّن لغيرهم إلى الذين سُجّل الوطن باسمهم , ألــم تسجل أسماء ونتاج اغلب العلماء والمترجمين والكتبة واللغويين في زمن حكم بني العباس للحضارة العباسية أو للأموية ...الخ  , بينما كان ينتمي معظمهم إلى قوميات أخرى ولأديان أخرى لا يربطهم بالحكم والسلطة بشيء وهذا مثال بسيط من تاريخ العراق .
توجد دول تحمل أسماء لإحدى قومياتها , أو هنالك من الدول ما سميت بأسماء الأشخاص أو باسم طائفة دينية معينة رغم وجود في تلك الدول أو الدولة شعوب لها أديان أخرى مختلفة وقوميات أخرى أصيلة معها غير دخيلة لم تأتي لتعمل وتعيش من خيرات غيرها ومتى ما تنتهي أعمالها تعود من حيث أتت , وإنما جذورها في الأعماق وثمار أعمالها تغذت منها جميع الأمم ، وأنارت المعمورة بما قدمته وهي سعيدة بعطائها وسخائها لأن أجدادها زرعوها لأجل العطاء لتهب للبشرية الخير ليعـم السلام .
 عندما تُرَسّخ الطائفية أو القومية أو المذهبية في أذهان أبناء الوطن الواحد سيغلب لديها المصلحة الخاصة التي ستراها من زاويتها ومن جذور فكرها التاريخي الذي سيشدها إليها ويعزلها عن بقية مكونات الشعب ، وهكذا يفعل غيرها وبالنتيجة ستتوسع الفجوة بين الشعب الواحد وستنبثق في مثل هكذا حالة كيانات خاصة وأحزاب تتشكل لتدافع عن الظلم الذي تراه سيقع على أبناءها مما سيؤدي إلى نزاعات تخرج عن إطارها الطبيعي مما ستُـفقد السيطرة على مجريات الصراع لتستحوذ في الأخير فئة على حساب غيرها الذي سيمهد الطريق إلى تفكيك وتمزيق لحمة الوطن .
لنلقي نظرة بسيطة على صفات لدولة تهيمن فيها مجموعة معينة , كأن تكون لقومية ما ، أو دولة تحمل اسم شخص يحكمها أو لدولة مصدر دستورها يستمد من شريعة دين معين يفرض على سائر الشعوب التي تتواجد في ذلك الوطن , فكيف يكون حالها ونشاط شعبها الكلي وازدهارها وهي تحت سطوة القوة والدكتاتورية المتسلطة عليها بمسميات وبصبغات لأحزاب شوفينية تكوّنها لتهيمن من خلالها على مقدرات باقي المكونات , والنتيجة سنلاحظ التخلف والصراع والفقر ناتج عرضي للنزاعات , والانقلابات تتكرر للاستحواذ على الحكم والسلطة لتعويض ما فاتها وحرمت من حكم المجموعة التي سبقتها .
إذا كان فرضا لقومية معينة الأولوية في استحواذها على السلطة والإدارة بطرق وأساليب حضارية نتيجة لانتخابات ديمقراطية نزيهة , عليها أن تشارك معها كافة أطياف الشعب دون تمييز وتقليل من شأن الآخرين وعدم إعطائهم مراكز خدمية ليُجمّلوا الصورة وكأنها تكرمهم وتعطف عليهم . بل على تلك القومية التي تتولى السلطة تقع المسؤولية الكبرى في خدمة ورفع شان الدولة بنكران الذات والخروج من إطارها القومي الخاص , وليس لها الحق في أن تفرض بما كانت تؤمن به على غيرها وتنتهك حقوق المكونات الصغيرة .
نلاحظ في الدول المزدهرة التي تكون الوطنية فيها أولى أولوياتها ودستورها لا يزج الدين في إدارة الدولة لان الدين إيمان يخص الفرد وينبغي أن لا يتعارض وما يؤمن غيره مع إيمانهم بحب الوطن , وأعتقد أن جميع الأديان السماوية أو غيرها لا تتعارض عن واجبات الإنسان تجاه أخيه الإنسان فكيف يكون بالحَريّ ذاك الإنسان ابن نفس الوطن . ونحن في زمن التكنولوجيا المعلوماتية جميع شعوب العالم تعلم بما يجري حولها وتقرأ عن ثقافات ومعتقدات غيرها فلا حاجة لفرض دين أو عقيدة ما بدون الإيمان بها في الفكر لأنه يمكن أن يتغير إذا ما آمنت بغير ما هي عليه كما حدث لشعوب كثيرة بالأمس كانت تدين بدين ما وآمنت اليوم بغيره وربما غدا ستؤمن بفكر آخر . هذا ونعلم أن لأغلب الأديان توجد اختلافات فكرية وفقهية في داخل إطار الدين الواحد وانقسامه إلى مذاهب وطوائف لا يخدم بقدر ما يـمزّق ويـفرّق بين أفراد العائلة الواحدة ( الوطن ) .
أما بالنسبة إلى القومية هناك دول لا تذكر النسبة العددية لقومية معينة ولا يوجد فيها أقلية صغيرة ولا كبيرة في دستورها , فبذلك يكون الكل واحد والفرد الواحد في الكل والعمل يكون لصالح الكل , ومثال ذلك : الولايات المتحدة الأمريكية , بهذا المعيار يكون عطاء الفرد اكبر وينمو دون حواجز تعرقل عمله وطموحه ومن خلال ما يقدمه يُـقيّم فيدفعه إلى المزيد من العطاء لمواكبة عجلة الحياة إلى الأمام لازدهار ورقيّ المجتمع أولا ثم الوطن .
وخلاصة مما تقدم ينبغي إعادة النظر في حقل الديانة أو المعتقد في البطاقة الشخصية التي يحملها كل فرد عراقي والذي يعتز بهويته الوطنية لكي لا يكون التمييز بين أفراده إلا بما يقدمون ويعملون لأجل العراق , وأن لا ندع الأعداء أن تُكافئ أو تَذبح العراقي على الهوية بقراءة خلفيته الدينية أو العقائدية , ولنكن كلنا واحد ومشروع فداء للهوية الوطنية العراقية. لأن الوطن للجميع , والوطنية واجب الدفاع عنه عندما يلتمسوا في المواطنة أن الوطن يدافع ويحمي حقوق الأفراد .

 ــ  زاهـر دودا