المحرر موضوع: مذكرات بيشمركة/46 الملح .. المر ! علقم !  (زيارة 1728 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل سعيد الياس شابو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 253
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
مذكرات بيشمركة/46
الملح .. المر ! علقم !

سعيد الياس شابو/كامران                                                                                           
2012.6.17                                                                                         
 
البناء والعمل المتنوع .. كان يحتاج الى جهود وطاقة وهمة .. وكل من طرفه أي البيشمركة لا يبخلون بتقديم الأفضل والمزيد وبالرغم من نوعية المواد الغذائية وشحتها .. إلا أن عزيمة الأنصار البيشمركة كانت الأقوى متجاوزة حالة الحصار وشحة المواد الغذائية ورداءة نوعيتها وتقنين الاداريين للحصة ومفاهيمهم المتغيرة من نصير الى نصير .. لذا كانت معانات الاداريين لا يحسد عليها ! العمل اليومي يتطلب النهوض الصباحي المبكر .. التحطيب .. نقل الأحجار لغرض البناء ومن مسافة .. نقل الأشجار المقطوعة للبناء .. قطع ( الجلو ) لاستخدامه في عملية البناء ( للتسقيف ) ، حفر وتجميع التراب وجبله أي عمل خبطة ليصبح طينا صالحا متماسكا للبناء .. العمل من أجل ترتيب حقل صغير لزراعة الخضروات الصيفية ، الطماطم ، القرع ، البصل الأخضر ، الخيار وما يتوفر من شتلات و البذور التي يمكن الحصول عليها ، وتهيئة وجبات الأكل .. العجن والخبز .. الحراسات النهارية والليلية وغسل الملابس وعملية الحفر والبناء .. جلها مطلوبة ! وخلال الشهرين أيار وحزيران 1980 من القرن المنصرم كان العمل لا يقبل التأجيل ولا التأويل ، والمطلوب الأكثر أهمية هو تدبير المواد الغذائية لأكثر من ثلاثين (30) نصيرا في قاعدة كوستة .
 
بين فترة وأخرى نقوم بزركة .. يتم تشكيل مفرزة صغيرة من مجموع أربعة أو خمس رفاق ليتجولون في بعض القرى في كوردستان توركيا للحصول على الأرزاق الذخيرة سواء كانت محمولة على البغل / الحيوان أو حاملين الأرزاق على ظهورنا ولساعات ثلاث وأكثر .. وبحوالي ( 30-40 ) كيلو للنصير الواحد من أن يحملها ..  أرزاق- أي مواد غذائية منها الدقيق/الطحين والعدس والفاصولية اليابسة والسكر والبعض من المواد الأخرى ....... وآخرهم الملح المر !
 
قصة الملح المر !                                                                                                     
..........................                                                                                                       
 أتذكر قصة الملح المر التي جلبناها وحاملينها على ظهورنا ومعتزين بها أكثر من كل شيء آخر .. لكونها الملح هي ديمومة الحياة وحياة البشر .. ولا يجوز تناول وجبات الغذاء بدون الملح !!! والمشكلة الأتعس والتي دمرتنا لمدة شهر ألا وهي ( الملح الحيواني المر )!
في نهاية فصل الربيع وبداية الصيف يقل مخزون الفلاحي القروي للمواد الغذائية المخزونة لفصل الشتاء ، وبعد حصولنا على ملح الذي يستخدم للحيوانات الماشية ، ملح خشن وليس ناعم .. كان الملح مرا .. علقما .. لا ينجرع ! كلما يقول الرفيق الاداري أبو سلمى للنصير الخفر .. اليوم لا تستخدم  .. بعد الملح عن الطعام !! فالطعام طعمه غريب .. لا ينجرع .. يشكل عند الانسان وضعا تعيسا .. فكيف بالبيشمركة الذي يعرق جسده وهو بحاجة الى الطعام المالح ؟! فكيف يكون الحال الطعام بدون ملح ؟! ومن ثم في اليوم الآخر .. يقتنع الاداري ومعه الرفاق ................................... بوضع الملح في الزاد والطبخ .. فيصبح الطعام ( قزل قرتا ) وبعيدا عن أحترام الزاد والطعام ... ثم يأتي توجيه في إضافة السكر على الطبخ المقسوم لكي توازن المعادلة .. فيخرح الطعام أصخم وأتعس ! فلا ينجرع .. ما يقارب الشهر تحملنا في كوستة الملح المر !
 
وخلال الشهرين أيار وحزيران من عام 1980 ، كانت الوضعية أثرت على الرؤية  وضعية النصير وذلك بعدم الفرز ومعرفة وتشخيص الفرد ، وهذا ما أثرنا به لأوقات قصيرة .. وكانت قد أثرت علية شخصيا ، أي لا أميز الانسان لأمتار معدودة قليلة جدا ! وكنت لا أبوح ولا أشكو من ذلك .. إلا بعد افصاح بعض الرفاق عن واقع الحال من ذلك الأمر .. أي هم يعانون من القصر في البصر نتيجة سؤء التغذية والعمل المستمر وقلة الراحة ..  ! تحية للرفاق الذين تحملوا وعانوا من الملح المر في قاعدة كوستة !
 
قصة الكبرة !                                                                                                         
.....................                                                                                                         
الكبرة .. عادة يرتكز بنائها على أربعة ( أستوندات ) جذوع قوية لعمل الكبرة ويحمينا في الحراسات من حر الصيف ومن ثم يصلح للمنام في الصيف تحته لكونه يشكل ظلا ويحافظ على مقاومة حرارة القيض الملتهبة والتي تصل أحيانا الى أكثر من 45 أربعين درجة مئوية في المناطق الجبلية  .
 
كلما نبني الكبرة ونسقفه- ها- بعناية والطين فوقها .. إلا أنها بعد ساعة أو أكثر .. تسقط الكبرة ! ولمرات ثلاثة خلال اسبوع واحد .. زعل وأغضب الرفاق والرفيق أبو على الشايب أكثر من الجميع لكونه مهتم به أكثر وذلك من أجل قضاء ساعات تحت الكبرة .. وأخيرا تركنا الكبرة لوحدها وكأنها مقصوفة بالطيران وأصابها الخراب والدمار!
 
أنجز بناء غرفة المخابرة والجهاز بعده لم يعمل بسبب عدم وجود الشحن أي مولد كهربائي يستخدم لشحن البطاريات ، تم بناء موقع للتنور ومن صخور كبيرة مسطحة صنعت خصيصا .. لتستخدم بدل التنور العادي ، والحمام أكمل بنائه (( على الطراز الغربي ))!! المتطور تدريجيا بحيث طورناه فيما بعد أن حصلنا على جدورة / قدورة كبيرة تستخدم لإحماء الماء داخل الحمام والموقد يكون خارج الحمام / الطريقة الأنصارية المتطورة .. قليل من الدخان يدخل الى الحمام بحيث أن لا ينزعجون الرفيقات والرفاق من حمام كوستة الشهير عند الاستحمام وغسل الملابس .
وفي ذلك الصيف واُثناء موسم زرع الخضروات والفضل يعود للرفيق أحمد شامي / مام طه / مام هزار  حرف الزاء بثلاث نقاط .. أي علمنا وعلمني الاهتمام بهذا الحقل المهم في الحياة الأنصارية لما له من أهمية غذائية ومردود جيد على الواقع الحياتي للأنصار ... ، حفرنا الأرض بأظافرنا أن صح التعبير .. لكون المقر فيه القليل من المواد التي تستخدم في حراثة الأرض .. مجرفة تحفر ولا تحفر !! ..هيم / باري ، ما أدري من أين حصلوا عليه الرفاق ؟! ربما كان موجودا منذ فترة !
فأما المحصول في ذلك الصيف الذي ساعدنا بتناول الكثير من الخيار والطماطة والخضروات الطيبة الذيذة .. بعيدا عن المواد الكيماوية .. خالصة من كل الشوائب المؤذية .. بحيث في ذات يوم من شهر آب اللهاب .. حسبت ( 45 ) طماطاية  في شتلة واحدة منها محمرة ومنها من هي خضراء وذات أحجام متفاوتة .. نوعية جبلية تقاوم .. مياه نقية وباردة .. السقي صباحا أفضل من مساءا .. كانت الطماطة والخيار الوجبة .. كاملة الدسم ! في الصيف وخاصة بعد حصولنا على الملح الصالح للطعام .
 
كانت الأشجار قد أثمرت .. البعض منها كالتوت ونوع من الفاكهة في دور النضوج .. الكوزه لة تستخدم بدل الكرفس والرشاد .. صيد الاسماك الصغيرة في وسائل و طرق بدائية .. المناقشات حامية .. التهيئة للسفر الى رضائية لشراء مولد كهربائي من الجارة .. الجمهورية الاسلامية الايرانية / جمهوري اسلامي ايران ، والمفرزة المرتقبة المتكونة من مجموعة رفاق .. مام خضر روسي ، أبو داود ، كامران ، ملا عثمان ورفاق آخرين ..!! .
 
ما فائدة جهاز اللاسلكي دون العمل ؟!                                                                               
...........................................                                                                                 
شكلت المفرزة السريعة لتكون ذات مهمة سريعة وعاجلة !! قطعنا المسافة من كوستة الى كجلة ومن ثم زيوة .. المجمع السكني بمدة يومين سيرا على الأقدام وبهمة واصرار وفي طريق لم نسلكه من قبل.. في السابق وحسب الوصفة .. والطريق الذي لا يمكن من أن نسميه طريقا .. لكثرة صعوداته ونزولاته ووعوراته وتعرجاته وسنونه الصخرية وخطورته الحدودية ! وصلنا الى قرية كجلة .. للمرة الثانية في غضون شهرين .. نزلنا الى مجمع زيوة نبحث عن أصدقاء ومعارف ومن يقدم لنا يد العون .. كلها أمور شرعية وطبيعية عندما يحتاج الانسان ويقع في الغربة .. !!
كانت زيارتنا الأولى لبيت البيشمركة المناضل وعائلته المضحية .. أهل رواندوز التأريخية .. كاك سعيد ميرخان وزوجته الحنونة الأخت الكبيرة ( خونجة ) وابنه آزاد وأفراد عائلته الموقرين / تحية من القلب وشكرا لكم أيها الطيبون الكرماء  ساعدتونا وأنتم محتاجين .
 
كانت ضروف معيشية صعبة .. آفاق وأحلام وهموم مشتركة .. عائلة العم سعيد ميرخان كانت على معرفة مع الرفيق مام خذر روسي في رواندوز .. عندما كان مام خضر كادرا في رواندوز أيام العز ! استقبلونا بحيث أن نخجل من أنفسنا .. رحبوا بنا أجمل ترحيب .. الحمام وغسل الهدوم تغير الملابس .. القسمة من طبخ الوالدة أم آزاد .. وبين لحظة وأخرى يرحبون بنا .. به خير بين سه ر جاوان ! علرأس وعل عين ... وهكذا طول الوقت . وفي السيارة .. الى المدينة الجميلة رضائية وفي الفندق مكثنا يوم واحد وفي اليوم الثاني .. حصلنا على مولد  أكبر من الحجم الصغير .. تم شرائه من محل بعد متاعب كثيرة لكوننا لم نجيد التجوال في المدينة ، ((( ومن اللطافة في الفندق وبعد العشاء .. طلبنا شاي .. أي استكان شاي ! ومن ثم جلب عامل الفندق قوري شاي خفيف خفيف ... وبعد طلب الشاي السنكين الطوخ !! فحار العامل ومن ثم صاحب الفندق .. فجاب أكياس الشاي ليبتون .. لكل فرد كيس .. وسرعان ما طلب الرفيق أبو داود .. المزيد من الأكياس والمزيد من السكر الناعم .. وهذا ما أغصب صاحب الفندق .. وحسب بأنه سيستفلس في حال بقائنا لمدة طويلة كنزلاء الفندق !!!! وفي اليوم التالي عدنا الى  مجمع زيوة .. حاملين المولد الى بيت العم سعيد ميرخان ومن ثم بقاء يومين آخرين في المجمع ومن ثم العودة الى قرية ( كجلة) الحدودية محملين بعض الأرزاق للمقر عبر تأجير البغلين من القرية ليجلبا البضاعة أصحابهما بعد أيام الى مقر كوسته مقابل أجور .
 
وفي العودة مساءا أي بعد أن أظلمت الدنيا بعض الشيء وصلنا الى منطقة المثلث ونحن نازلين الى مدخل وادي المؤدي الى العين الشهيرة ومياهها المعدنية العذبة ( كاني خاسكى ) ، مياه وفيرة تخرج من الجبل .. باردة نقية .. كميات وافرة .. تدخل الرافد المؤدي الى كوستة .. مخيم لأصحاب المواشي أهل كويستانات النشامى .. استضافونا في ره شمالاتهم / خيمهم المنسوجة من شعر الماعز .. عدة كاملة .. فراش وكأنه نيام في فندق المدينة .. عشاء خاص .. الرز وللحم وفي هذا المكان المثلثي المعزول عن عالم الحضارة .. أناس يستحقون كل التقدير والاعمار والمكافئة ، من كثر البرد وخرير المياه ونباح الكلاب الحارسة للماشية .. بالكاد من أن تغطس عيونك وتقودك للمنام .. ليس بالمهم المنام وأنما البطن شبعانة .. وفي الصباح الباكر .. لم يكن بمقدورنا من غسل وجوهنا بمياه العين والرافد الجاري !! .. الفطور كان جاهزا .. بعض الديوكة نهضت متأخرة .. وكأننا في قرية .. عصرية .. وجبة ريوك كاملة الدسم .. نار وجمرات حارس الغنم الراعي لا تزال موقدة .. حطب وفير لا ينتهي .. جبال شامخة .. تمنينا من أن نصبح أصحاب البلم واليخت وننحدر مع انحدار المياه وليس العودة في الطريق الذي قادنا للوهلة الأولى المواقع العاصية والمتعبة ، ومن ثم واصلنا المسير في طريق العودة وبمحاذات النهر صعودا ونزولا .. وكانت في أحيان كثيرة نساعد البغل على محنته وعدم وقوعه من القطوع ونمسك بذيله محاولين ومقدمين له مساعدات مباشرة ... فأما البغل ونحن .. طر ... وآنه طر .. فيخبط تنفيسنا ويقودنا الى الارتياح وتطهير البطون من الغازات القاتلة والله يذكرك بالخير يا رفيق عباس على السوالف !!
 
عدنا محملين بالمولد والبطارية الأخرى وبعض الحاجيات الضرورية المتنوعة للمقر ومنها المجارف والمعول والطبرات وو..... الخ . وفي العودة .. كان كاك حميد أفندي وبيشمركته قد شاهدونا ونحن راجعون من السفر والاستفسار عن الأحوال .. وتبادل الحديث والوقوف عندهم لدقائق عشرة .. استرخصنا وواصلنا الى المقر .. وبعد برهة كان الرفيق النصير هيوا أبو شوقي في طريقه الى  ... ، شاهده ماموستا حميد أفندي ... مستفسرا مازحا .. من تكون أنت ؟! وسرعان ما جاوب هيوا .. بيشمركة الحزب الشيوعي .. ومن ثم استمر حميد أفندي .. لم أراك من قبل ؟! ومن ثم .. رد .. هيوا أنا في مقر مام خدر ! وأستفسر كاك حميد أفندي ثانية ؟ .. طيب فيما لو أنت بيشمركة مام خدر ؟ أين مام خدر الآن ؟! فجاوب كاك هيوا .. مام خدر في ايران ! فقال حميد أفندي .. لعد أنت كلش ما تعرف ! مستغربا هيوا .. مكملا الاستاذ حميد أفندي ... لو أنت صدق بيشمركة الحزب وتعرف مام خدر .. لعلمت وين مام خدر !! فسرعان ما علم هيوا بأننا عدنا الى المقر من الجانب الآخر .. الاستاذ حميد أفندي بيشمركة وقائد وشخصية تحملت في حينها الكثير والكثير في جبال كوردستان الشماء