المحرر موضوع: كيف ولماذا استشهد أمير بولص عطو، وهيثم صليوا ايشو في عنكاوا ؟  (زيارة 6453 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل لطيف نعمان سياوش

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 694
  • الجنس: ذكر
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
من دفاتر الانتفاضة...

كيف ولماذا استشهد أمير بولص عطو، وهيثم صليوا ايشو في عنكاوا ؟

لطيف نعمان سياوش

 31/3/1991  كان اليوم الاول لعيد القيامة ، وهذا التاريخ من كل عام يعد ربيعا اخضرا ..لكن وقتها كانا عيدا، وربيعا احمرين !! احمرين بلون الارض التي ارتوت بدماء الشهداء..
لااذكر اعداد الضحايا ، ولا اسمائهم ، فهم كثر ، وبقيت جثث العشرات منهم مرمية في الشوارع والطرقات  والساحات لعدة أيام ، ليس في عنكاوا لوحدها ، انما في كل منطقة من مناطق اربيل ..
لكني سأقف عند حكاية شابين  لأني أعرفهما ، ولاني كنت شاهد عيان وتمكنت أن أوثق استشهادهما ، ثم اعرج على ظروف تلك الواقعة الاليمة  :-
الشاب هيثم صليوا ايشو، والشاب امير بولص عطو..

مسيحيو العالم كله يحتفلون بعيد القيامة ، الا عنكاوا احتفلت بعرس شهدائها البرره ..
 منذ بزوغ الفجر يوم 31/3/1991  علمنا ان الحرس الجمهوري قد دخل اربيل لقمع الانتفاضة ..وقد افلح النظام وبنجاح ساحق ايصال هذا الخبر الى اهالي اربيل عن طريق وكلائه الكثيرين ..
تنبأنا بأن عنكاوا هي على موعد لتقديم كوكبه من القرابين الاخرى تضاف الى قافلة شهداء الحريه..
وفي قادم الايام انتشر خبر الهجره المليونية في كافة ارجاء المعمورة . تلك الهجره التي هزت ضمير العالم ، حيث مئات الالوف من العوائل تنزح من اربيل الى المنطقه الشماليه :-
 [مصيف صلاح الدين – شقلاوه- والجبال الشاهقة والطرق الوعرة ، وبعضهم وصل الى ايران وتركيا ] ..

برغم الربيع والمفروض ان تعتدل درجات البرودة لكن البرد اصر ان لايسلم عنفوانه على خلاف كل السنين ..وعلى مايبدو ان هذا الربيع ، وهذا العيد اختلف عن سابقاته بكل شيء ..ظروف النازحين كانت قاسيه جدا لشحة الطعام والكساء ، وانعدام الوقود ، حيث توفي اعداد لايستهان بها من الاطفال والمرضى في الطريق ، ودفنوا هناك ..                                             
                                                                ×          ×         ×                                                                                   

 يقيناً هذا الصباح هو نذير شوءم ، حيث بدأ الهجوم  بالطائرات السمتيه التي كانت تحلق على علو منخفض  في سماء اربيل للحد الذي كان بأمكان الطيار سماع صراخ النساء ، وبكاء الاطفال ، وبشكل مركز في سماء عنكاوا ، وكنا نحن نلاحظ وجوه الطيّارين وملامحهم ..
 صارت  تلك الطائرات تقصف وترمي بلا هواده . لاتميز بين طفل ، وأمرأة ، او شيخ ، او شاب  ..
الجميع هدف سائغ لمرمى الطيارين ..
ثم اعقبها القصف الميداني من البر ..
ووسط هذا الرعب وزلزال المدافع ورائحة البارود من كل حدب وصوب كان الناس ينزحون زرافات ، الكثير منهم مشيا على الاقدام ، واعداد اخرى اعتلوا بما تيسر من شاحنات ، وجرارات زراعيه ، كل يحمل رزمة متواضعة في محتوياتها من طعام وكساء .. وعلينا ان لاننسى ان القحط  الذي ساد المنطقه طال بالدرجه الاساس المحروقات ، لاسيما وقود السيارات نتيجة الحصارات المتعددة ..
حصار حتى على افراح العيد ، وطقوس الصلاة والعبادة ..
اى عيد هذا والكنائس اغلقت ابوابها بوجه المصلين وباتت كأنها مهجورة ..
الشوارع خالية من الاطفال الذين كانوا  يملأون  الدنيا ضحكا وفرحا في هكذا يوم انهم يبحثون في احلامهم ..عن دكاكين يتبضعون منها البالونات الملونة والحلوى ..
العوائل اعتكفت في منازلها تحتضن اطفالها المرتعبين من دوي المدافع ، محروم عليها ان تزور الاحبة وتعانق الاقارب  وتبارك عيدهم..
ممنوع عليها حتى تفتح الستائر وتنظر من النوافذ ..
ممنوع عليها ان تفتح الابواب وتستقبل  الضيوف ..
كل شىء صار ممنوع  ..
هــام الجميع على وجوههم صغارا ، وكبارا .. لااحد يعرف كيف سيكون مصيره ، وماذا ينتظره ؟ وجلهم اعتبر من سبقه في هذه القافله في الامام هو بوصلته الى المجهول !!
كنا نحن ضمن العوائل القليله التي بقيت قابعة في بيوتها ، ربما كانت نسبتها ¼ بالقياس لمن غادروها ..

لما كان بيتنا على مرتفع يؤهله السيطره بالنظر لكل مايجري في الساحة  لاسيما خلف بناية بلدية عنكاوا  القديمة ، وحيث بيت الشهيد امير بولص عطو قبالتي وعلى بعد مرمى حجر ..
 كنا ننظر اليه من النافذه ، ونتحدث فيما بيننا :
اية مغامرة هذه ؟ الحرس الجمهوري على وشك ان يدخل عنكاوا ، وامير لازال لحد الآن حاملا بندقية كلاشنكوف!! حيث ان جميع المسلحين رموا سلاحهم ، او اخفوه في مكان ما ، وهربوا بعيدا ..
تصوروا دوي رصاص الحرس الجمهوري وصل مسامعنا ، وهذا الرجل يقطع الطريق ذهابا وايابا ..
 كانت مغامره غريبه لاحكمة فيها البته.. ولم يترك سلاحه الا في اللحظات الاخيرة ..وكان آخر من تخلى عنه .. واختفى عن الانظار ..

                                                               ×           ×           ×

لم تمض دقائق دخل الحرس الجمهوري عنكاوا ، ووصل بناية البلديه القريبة من بيت أمير ، وانتشر في الساحة المتاخمة لها ..
لما كان جيش صدام لا يملك الاعداد الكافية من قوات الحرس الجمهوري لقمع الانتفاضة من اقصى العراق الى اقصاه، استعان  بمجاهدي خلق الايرانيين الذين تمييزوا عن الحرس الجمهوري بلباسهم الذي اقتصر على سروال مرقط ، وفانيله نصف ردن مسترسلة على البنطال..
هؤلاء الاوباش لم يكونوا أقل ظلماً وجرماً من الحرس الجمهوري..
لكن اكثر ما يؤسف له ان المجرم صدام يقتل شعبه بأيادي ايرانية تلتقي معه في بشاعتها .. وقد حذا حذوه في قادم السنين القذافي الذي قتل الليبيين بأيادي افريقية..
الحرس الجمهوري مع مجاهدي خلق ملأوا السماء بالرصاص ، فهم يرمون مذعورين، ليس امامهم او فوقهم اي هدف، انما الغاية من ذلك زرع الرعب في نفوس الناس..

                                                              ×            ×             ×

هدأ الرصاص قليلاً..دفعني الفضول ان اصعد الى سطح الدار لأرى ماذا يحدث في الخارج .. فأذا ببعض افراد الحرس الجمهوري المرابطين في ساحة البلديه على بعد حوالي 170متر يرصدونني ، ويصرخون بوجهي ، ويأمرونني بالنزول ..
فما كان من احدهم الذي يحمل رشاش BKC الاان يرميني بطلقه اخطأتني ، واصابت ستارة السطح على بعد سنتمترات قليله من رأسي آثارها باقية لحد الآن ..
رفعت يديّ الى الاعلى  ونزلت مسرعا لكني اصريت ان اراقب مايجري ، ولكن هذه المره من نافذة المطبخ المطله على مايدور في الساحة ، وكأنني اتنبأ بأن شيئا ما سيحدث لامحال ..

                                                                ×         ×            ×

كان امير بيشمركه شيوعي لايهاب احد ، وكان مغامرا ، ومتحديا ، عرف بطيبته ، ودماثة خلقه ..
وقت الظهيره ولشدة القصف والرمي الذي لم ينقطع منذ الصباح كان الشاب هيثم صليوا ايشو مع امير بولص عطو ومجموعه اخرى من شباب عنكاوا الاشداء ظلوا عالقين ومختبئين في انبوب للمجاري (خلف بيت المرحوم العم بطرس معاون) ، ولما هدأ القصف والرمي ، هام هيثم صليوا ايشو بالهروله صوب بيتهم الذي لايبتعد سوى عشرات الامتار عن مخبأه ، لكن شضية هاون ، او مدفع ، اوصاروخ من طائره لم يعرف احد نوع مصدرها بالتحديد طالت كتفه ، واصيب بجرح عميق ظل ينزف على اثره ..
ماكان من امير بولص عطو [ وهو زوج شقيقته] الا ان يغامر بحياته ويحمله بغية ايصاله الى وحدة الميدان الطبيه للحرس الجمهورى القريبه من المكان ..
 حيث لا يعلم احد من افراد الجيش ان امير قبل قليل كان يحمل سلاحا ..ولكن لما كان الرمي على كائن من يكون في تلك الاجواء امرا مباحا ، ويطال الجميع دون تفرقه ، ماكان من افراد الحرس الجمهوري لمجرد أن لمحا شخصين امامهما الا وأعدمتهما في الحال بوابل من الرصاص ، وبدم بارد!! واضيف هذان الشهيدان الى رصيد شهداء عنكاوا الحافل  بالدماء الغزيرة  ..                                                                                                                                                                                                                                                                                                             ×        ×          ×            ×                                                                                           

لازال الوقت ظهرا ، جثتا الشهيدين الشابين هيثم صليوا ايشو ، وامير بولص عطو مضرجتين بالدماء ، ومثقوبتين برصاصات عديده ، ومرميتين على الارض تغطي جثة كل منها بطانيه ..
العم صليوا ايشو بزيه الشعبي وقف على جثتي ابنه وصهره ينظر اليهما ، ويخاطبهما ثم يلطم بكلتا يديه بما اوتي من قوه على رأسه ، ويصرخ بصوت مخنوق ..
اهل المحله والجيران كل منهم ينظر الى المشهد  من نوافذ منازلهم مندهشا ومرتعبا .. لا أحد يتجرأ الاقتراب منهم ، أو الخروج من المنزل .. لا بل حتى النظر من النوافذ كان يعد مغامرة..
انبرى متحديا الاخ صباح جمعه شيشا ، وجاء بسيارته [ لادا بيضاء] ، وهو جار للشهيد أمير ، وحمل جثة الشهيدين ، واودعهما في الحوض الخلفي للسياره ، ولضيق المكان تعذر عليه ان يغلق بابي السياره الخلفيين ، حيث بقيتا مفتوحتين الى ان وصل المقبرة ، ولم ينس ان يستصحب معه معولا ومجرفه .. وسار في الشارع ..لم يبالي لأنفتاح باب السياره لكون الشوارع خالية تماما من المارة والمركبات..
فـــــي تلك الظروف كانت تعد هذه العمليه بأكثر من مجازفة خطيرة ، حيث ان الحرس الجمهوري لامانع لديه ان يرمي اي هدف مدني ثابتا كان ام متحركا ..
لا اعلم كيف سلم صباح جمعه  شيشا بجلده في ذلك اليوم العصيب ..
من هذا المنبر اسجل شكري واعجابي بشجاعة هذا الرجل الوفي والمغامر..
طبيعي ان عملية الدفن وسط تلك الاجواء الرهيبة تكون خالية من مراسيم الصلاة ، ورجال الكنيسه ، حتى أقرب المقربين اليه ، وما الى ذلك ..
هكــــذا وفي اليوم الاول من العيد ودعنا شابين شهيدين كانا من خيرة شباب عنكاوا ، ومن عائلتين عرفتا بطيبتهما وحبهما للجميع ..
سلاما لكما وانتما تنامان في مضجعكما ..
عذرا لأننا لم نضمد جراحكما ..
عذرا الف مره لأننا لم نسر في جنازتيكما ، ولم نساهم في توديعكما بموكب يليق بمقام الشهداء ..
سلاما لعائلتكما  ..
تبقى عنكاوا تتذكر شهدائها ، ويبقى شهداؤها رفعة رأس ورايات خفاقة في مخيلتنا مادام للعمر بقيه ..

لطيف نعمان سياوش/عنكاوا



غير متصل Sherzad Sher

  • اداري منتديات
  • عضو فعال جدا
  • *
  • مشاركة: 334
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الأستاذ القدير لطيف نعمان...
قبل كل شيء لا بد لي ان احييكم بحرارة واشكركم كل الشكر على هذه الالتفاتة الرائعة، احياء ذكرى استشهاد هذين الشابين الجميلين...
ومن ثم، لا يمكنني عدم التطرق الى ان قبل ايام معدودة جمعتنا امسية معا، نحن مجموعة ممن افنى زهرة شبابه في النضال من اجل غد افضل لشعبنا، ليلة ممتعة ومليئة بإستذكار احداث ووقائع ومأثر مشرفة، سطّرتها كوكبة لامعة من خيرة ابناء عنكاوا...
ومن ضمن ما جرى الحديث عنه كان اقتراحا طرحته على رفاقي واصدقائي حول الطاولة عن الأهمية والضرورة القصوى لإقامة نصب شامخ في وسط عنكاوا، يخلّد كل شهداء عنكاوا على اختلاف اتجاهاتهم وانتماءاتهم السياسية والفكرية، ممن روى بدمائه الزكية ارضها الطيبة.
صرح يمجّد هؤلاء الشهداء عبر كتابة اسمائهم بحروف مذهبة على لوحات تكون جزءا منه..!
انها فكرة او اقتراح اطرحه على كل من يهمه الأمر، عسى ولعل تصل الى اسماع المسؤولين في السلطة وكذلك ممثلي الأحزاب السياسية والمنظمات المدنية في عنكاوا..
مع كل الاعتزاز بكل خطوة على طريق تخليد ابناء هذه البلدة الجريحة...

غير متصل لطيف نعمان سياوش

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 694
  • الجنس: ذكر
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني

صديقي العزيز رابي شيرزاد شير المحترم
شلامي وايقاري
سرني مرورك وملاحظتك الحلوة عزيزي ، واضيف اليها وجهة نظري التي الخصها بالاتي :- أرى أن هناك مسؤولية انسانيه واخلاقيه ووطنيه تقع على عاتق كل مثقف أن يعمل جاهدا في توثيق هكذا حالات من خلال :- (الفيديو كليب - القصيده - اللوحه - المسرح - الدراما - المقال - نصب ...الخ)، وذلك وفاء للشهداء..
 للاسباب التالية :- 
1)لعدم نسيان الشهداء والعوده الى تاريخهم من خلال هكذا توثيق ..
2)تثبيت الوقائع والادلة الدامغة عن كيفية تعامل  نظام صدام المجرم من خلال (الحرس الجمهوري ، ومرتزقة مجاهدي خلق الايرانيين) مع قطاعات واسعة من الشعب من خلال الاحكام العرفية غير المعلنة والتي شهدناها بأم أعيننا ..
شكرا لمرورك العطر صديقي رابي شيرزاد ..
تقبل فائق تقديري ..

لطيف نعمان سياوش / عنكاوا

غير متصل samy

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1162
    • مشاهدة الملف الشخصي
المجد والخلود للشهيدين الشاب هيثم صليوا ايشو، والشاب امير بولص عطو..
 

غير متصل ناصر عجمايا

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 2363
    • مشاهدة الملف الشخصي
المجد والخلود للشهيدين الشابين هيثم صليوا ايشو، وامير بولص عطو..ولجميع شهداء الوطن الغالي من أجل الحرية للوطن والسعادة للشعب..
الف تحية الى كل من يوثق الحقائق التاريخية ويمنح الشهداء حقوقهم وصلابتهم من أجل شعبهم ووطنهم..
منصور عجمايا
8\3\2017