المحرر موضوع: دولتنا مثلنا .. بشخصية مزدوجة  (زيارة 439 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عدنان حســـين

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 669
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
شناشيل
دولتنا مثلنا .. بشخصية مزدوجة

عدنان حسين

تعيّن على عالم الاجتماع الراحل علي الوردي أن يكرّس حياته كلها، وأن  يطلب العلم  في الجامعة الأميركية في بيروت (البكالوريوس) ثم في جامعة تكساس بولاية تكساس الأميركية (الماستر والدكتوراه) خلال النصف الأول من القرن الماضي، وأن يرتحل بين مدن ومناطق مختلفة من العراق لكي يكتشف ويثبت أن الشخصية العراقية ازدواجية، تحمل في دواخلها قيماً متناقضة هي قيم البداوة وقيم المدنية.
ومن دون التقليل من المنجز الفكري والعلمي الكبير والمتميز للوردي، فان زائراً عربياً استطاع أن يتوصل، خلال زيارة واحدة إلى عاصمتنا دامت بضعة أيام، إلى النتيجة نفسها التي انكبّ الوردي طوال حياته على دراسة وتحليل مقدماتها ومظاهرها وأسبابها وعواقبها. ذلك الزائر أعرب لمضيفيه في بغداد عن دهشته مما رأته عيناه من عناية بائعي الأحذية العراقيين بعرض بضاعتهم شديدة النظافة واللمعان خلف واجهات زجاجية محكمة فيما باعة الأطعمة يعرضون بضاعتهم مكشوفة للشمس والغبار والحشرات الطائرة والدابّة!
نعم هذه إحدى المفارقات الكثيرة الكبرى في حياتنا الاجتماعية، نحن العراقيين، فحتى هذا اليوم، التاسع من الشهر الأول في العام الثالث عشر من الألفية الثالثة، لم نزل نحرص على شراء ولبس الأحذية المحفوظة في "جامخانات" موصدة، ولا نتردد في أن نأكل الكباب والكص (الشاورما) والباجة والمسكوف والرز والمرق والخبز المعروضة في الهواء الطلق المشبع بالغبار والهوام والجراثيم!
دولتنا هي أيضاً، بخاصة الحالية، على صورتنا هذه. فكل مسؤولي هذه الدولة، من الرؤساء الثلاثة ونوابهم الى أعضاء البرلمان والحكومة والوكلاء والقادة العسكريين والمحافظين واعضاء مجالس المحافظات والمدراء، بمن فيهم مدراء البلديات، وأعضاء السلطة القضائية والهيئات "المستقلة" التي أصبحت تابعة للحكومة، يحرصون أشد الحرص على الظهور في أبهى وأزهى صورة، فيما البلاد التي يديرونها كلها تغرق في الأزبال والمياه الآسنة والمشاهد والمناظر الصادمة للأعين والأنوف والآذان، فضلاً عن الفساد المالي والإداري والفقر والبطالة وسوء الخدمات العامة.
يظهر هؤلاء المسؤولون أمام الكاميرات ببدلات أنيقة وقمصان ناصعة الألوان وربطات عنق مزركشة وأحذية لمّاعة، بينما لا تنخدش حواس بصرهم وشمهم بما يترامى أمام أنظارهم خلف الكاميرات من تلوث بيئي خطير.
وكما يهتم مسؤولو دولتنا بمظهرهم المرتّب يعتنون باختيار الألفاظ المنمقة للحديث عن الوطن ومصالحه والشعب مطامحه وعن نذر أنفسهم لخدمة الشعب والوطن وابتغاء مرضاة الله، لكن لا يخدش حياءهم ولا يُوخز ضمائرهم إنهم يكذبون علينا في كل ما يقولون، والدليل هذا الخراب المتفاقم على أيديهم للعام العاشر على التوالي .. والى أعوام أخرى ممتدة.