أستحداث محافظة في سهل نينوى ؟
يتفق جميع العراقيين بان حقوق الانسان منتهكة, ويعرف المتخصصون منهم في مجال حقوق الانسان ماهو مقدار ونوع التجاوز على هذه الحقوق, وفي الواقع ان مأساتنا لم تكن وليدة اليوم فالتاريخ الذي نشير اليه بالبنان سبب مهم لما نحن عليه فنحن سجناء افكار مسبقة ترتكز عليها خلافاتنا وتناحراتنا ولازلنا لا نمتلك الشجاعة, فنمضي متحررين ممسكين يداَ بيد ومتجاوزين كل العقبات التي تواجهنا. أن التاريخ الذي افرز ارثا من التقاليد والقيم الدينية المتوارثة التي تعمل بمجملها في وضع حدود عدائية بين الجماعات والافراد, لا بد ان ندرسه بكل مصداقية وعلمية ونعلن النتائج الحقيقية بشجاعة, ثم نسن قوانيننا بما يناسب اعادة اللحمة والعلاقات الطبيعية بين ابناء الشعب الواحد وفي المقدمة من هذه القوانين حرية المعتقد ويليها الحريات الاخرى المتنوعة والمتشعبة , فنحن بحاجة الى ان نكون احرار لكي نبدع ونخترع ونبني حضارة انسانية.
أن قراءة منصفة وسريعة واولية للتاريخ تقضي الى حقيقة انحصار غير المسلمين في مناطق محددة في الشرق الاوسط سببه الضغط المتزايد عليهم وعدم المساواة واعتبارهم من اهل الذمة او كفار, وهناك اجتهادات متعددة بخصوصهم لكن افضلها هو غير مناسب للعصر الحديث.
والان بعد المأسي الفضيعة التي حدثت على ارض العراق ادمت قلوب ملايين العراقيين لا بل حتى السماء والارض امسكتا عطاؤهما عقابا على جرائم (اشنع من الوحشية) وتبنيها على ما نحن عليه من واقع مزري للغاية. ترى هل يحق للمسيحين البحث عن ملجأ أمن؟ وهل بقية العراقيين هم في وضع أمن؟.. أن الظلم والمأسي الكبيرة حلت على المسلم قبل غيره فهو ابتداءا لا يتمتع بحرية الاعتقاد عبر تاريخ طويل واليوم ايضا وبحسب دستور العراق الحديث لايتمتع بهذا الحق المقدس ولا اريد ان اتطرق الى المذابح الشنيعة التي ارتكبت بأسم الله والدين بين الشيعة والسنة وما ارتكبه المتطرفون الاسلاميون بحق غير المسلمين من الايزيدين والصابئة والمسيحين.. انها مشكلة عامة يعاني منها كل العراقيين ومن الصعب تجاوزها فنحن حصاد الامس, وحصاد الغد نزرعه نحن الان, ولا يخفى على احد مانزرع سيكون حصاده غدا كارثه غريبة لاننا على كل المستويات نتصرف بروح اللامبالاة والاستهتار وممارسة الاعتداء والافتخار بما هو عار, غير مباليين بالاعداد الغفيرة من الضحايا فنحن العراقيون امام تحد كبير مشترك ولا يحق للمسيحين الهروب الى محمية امنه لاننا في الواقع لا نتمتع بالسلام والنار تحيط بنا, فما بالك لو علمت ان النار تأكل بنا اليوم وصراعاتنا أشد غرابة من اي صراعات اخرى لانها لا تستند الى ثقافتنا واصالتنا.
ولكنني يمكن ان اعطي العذر لبعض المقترحات الغير واقعية فالمسيحيون وغيرهم من الاقليات الاخرى في حيرة شديدة من امرهم ولم يعد الصبر على هذا الحال يؤتي اكله, لان ارض العراق كادت تفرغ من الاقليات الدينية والقومية بل ان اعدادا غفيرة من اخوتنا المسلمين تركوا البلد نحو المجهول, عليه يكون من واجبنا ان ندلو بدلونا بمحبة واخلاص فنسمع بعضنا البعض ونتبادل الخبرات ونبقي الحوار الحر الهادئ متواصلا ونقرن الكلمة بالفعل ونثبت على اسمى القيم المتمثلة بأخوتنا رغم كل الاختلافات التي بيننا.
ومن هذا المنطلق يمكن ان نقول ان الحل هو في النظام الديمقراطي العلماني (عزل الدين عن السياسة والدولة) وهذا ما انجزته ماليزيا ذي الاغلبية الاسلامية وحققت انجازات مهمة عندما غيرت قوانينها واعتمدت العلم والمعرفة والنظام الديمقراطي كمرتكز لنظام الحكم الا ان هذا الحل المقترح لم يصغي اليه احد لان زمام الامور هي بيد قوى دينية طائفية تستخدم الدين كأداة لمأربها الفئوية الشخصية. ويمكن ان نقترح ايضا الى تقسيم العراق على ماهو مقسم عليه بطريقة عفوية.. الشيعة في الجنوب والسنة في الوسط والاكراد في الشمال.. ثلاث ولايات تجرى الانتخابات في كل واحدة منها على حده مما يولد فوز العناصر الكفوءة وانتصار للبرامج النهضوية وهذا ما تحلى في انتخابات مجالس المحافظات, هذه الانتخابات التي افقدت الاحزاب الطائفية شعبيتها لانها لم تتمكن من استعمال الدين او الطائفة كأداة بسبب التركيبة ذات اللون الواحد لاغلب محافظات العراق. الا ان العديد من العراقيين استهجنوا تقسيم العراق الى ثلاث ولايات لاسباب متعددة ومختلفة ويبقى الحل الثالث هو انشاء ولاية جديدة تحت ولاية سهل نينوى (الخميرة في العجين) وقد يكون هذا المقترح الحل الامثل للاقليات القومية والدينية وللعراقيين اجمع وعلى حد سواء والسبب يعود الى وجود اغلبية غير مسلمة لاتعترض على النظام العلماني الديمقراطي ويمكن تحديد هذه المنطقة من قره قوش شرقاَ الى القوش غرباَ مع مراعاة الحفاظ على نسبة الاكثرية لغير المسلمين فتكون التركيبة السكانية لها تشمل كل مكونات الشعب العراقي وقد يكون هذا الحل انسب الى مشروع الحكم الذاتي للمسيحين للاسباب التاليه:
1- هو نموذج يجمع كل اطياف الشعب العراقي في اطار جديد وثقافة متحررة وقوانين متطورة يكون سببا للتغيير في كل العراق بعد ان يحقق نجاحات متلاحقة.
2- يكون الضمانه الحقيقة لحقوق كل المواطنين دون النظر ال خلفياتهم الدينية او القومية والطائفية مما يدفع بالعراقيين الى مؤازرة هذا المشروع واسناده بكل قوة.
3- الثقافة المسيحية الحقيقية لا تسمح بايجاد كيان مسيحي, واذا كان المسيحيون قد انزووا في السابق الى مناطق محددة فبسبب الاضطهاد المستمر, اما الان وفي ظل الحماية لهذا الكيان الملون والجميل لابد لهم ان يمارسوا دورهم الوطني والانساني كمواطنين من الدرجة الاولى, ولا ننسى ان المسيح (له المجد) يشبهنا بالخميرة والملح وهاتان المادتان ليستا للحفظ بل للاستخدام, الاولى في العجين فيختمر كله والثانية في الطعام فيكون له طعما ومذاقا. ولا ننسى ان العراقيين قد عزلوا انفسهم بحسب انتماءاتهم العرقية بسبب المخاوف لدى كل طرف من الطرف الاخر, وقد حان الوقت لبناء الثقة والتجربة النوذجية تكون اولا في منطقة سهل نينوى.
4- ان عزل المجتمع المسيحي عن بيئته العراقية يحوله الى بركة راكدة, الحكم الذاتي المزمع اقامته في منطقة سهل نينوى وفي المناطق المسيحية حصرا هو غاية في الغموض, ولم توضح مضامينه وافاقه خلال السنوات المنصرمة, كما ان الخلافات بين القيادات المسيحية كثيرة جدا رغم هزالة موضوعاتها, فنحن اذا ماضون في مغامرة غير محسوبة النتائج, علما ان القيادات المسيحية لاتمثل المجتمع المسيحي لانها غير منتخبة وضعيفة الجماهيرية.
5- المواطن المسيحي شأنه شأن المواطن العراقي عامة فهو يريد السلام وحق المواطنة, وفي ظل النموذج الجديد المقترح ينال كل ما يريده وبحسب القوانين المتبعة, واخيرا من يفضل شق صغي على بيت كبير؟؟ او حقلا صغيرا على حقل كبير؟؟ اليس الافضل لنا ان نعمل في الساحة الاكبر طالما السلام يعم المكان؟
اما اهم المرتكزات الخاصة بولاية سهل نينوى:
1- من الضروري تحديد منطقة متواصلة جغرافيا تكثر فيها الاقليات المتعددة (وهي الاكثر تضررا) وهي المنطقة المحصورة بين قره قوش شرقا والقوش غربا.. يقطن هذه المنطقة غالبية مسيحية وايزيدية بالاضافة الى الشبك (الشيعة والسنة) وبعض العرب والكرد. يجب مراعاة ان تكون الاكثرية لغير المسلمين لتسهيل النظام العلماني الديمقراطي.
2- الدستور يضمن حقوق الانسان وحرية الاعتقاد ويشجع على الاستفادة من العلم والمعرفة وترسيخ الانفتاح وقبول الاخر كما يضمن وجود احزاب علمانية لها برامج واضحة نهضوية لا علاقة لها بالدين ولا تلجا لاستخدامه في حملاتها الانتخابية.
3- الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية وضمان حرية الصحافة.
4- التربية والتعليم لهم الاهمية القصوى, على مستوى المنهاج يجب ان يفضي الى نتائج في اتجاه بناء الانسان الفاعل المنفتح قادر على الاستفادة مما استقاه من علم ومعرفة, من الضروري جدا عدم الاغراق فيما لاينفع بل على العكس تماما لا بد من ايجاد قوة جذب وفعالية في المنهج المتبع. وعلى مستوى اختيار المعلمين لابد من ضوابط صارمة واختبارات نافعة ودورات صيفية مستمرة وارسال المتميزين منهم الى الخارج للاستفادة من خبرة الدول المتقدمة. كما ان اختيار لغة التعليم يكون بحسب رغبة المواطنين.
5- الشرطة المحلية تكون كفوءة ومدربة تدريبيا عاليا ومتخصصة في مجال عملها علميا وعمليا يسود عليها المهنة العالية, ويتم تكريم المتميزين منهم والاستفادة من انجازاتهم ونشرها كقصص يتم تداولها في الصفوف المدرسية كما يتم تداول قصص ايجابية من المجتمع لبناء الثقة في الجيل الصاعد في انه قادر ان يكون متميزا وفعالا في خدمة المجتمع.
6- الرجوع الى المحكمة الدستورية الاتحادية العليا في الموضوعات الشائكة.
7- اعتماد نظام الانتخابات الديمقراطية من ابسط المستويات الى اعلاها والتي تتمثل بمستشار الولاية الذي يجري انتخابه بالاقتراع السري المباشر وتكون صلاحياته واسعة ولمدة اربع سنوات لكنه يخضع للمسألة والاستجواب عند الضرورة من قبل البرلمان وعلى شاشات التلفزة ليتبين للشعب حقيقة مايجري ويتشجع في المشاركة واتخاذ موقف من كل مايحيط به.
8- تقام الولاية بموافقة الحكومة المركزية وحكومة اقليم كردستان وتكون خاضعة للحماية الدولية.
9- تكون الولاية ملجأ أمن للمضطهدين من ابناء العراق فهي تستقبل الجميع وبالاخص ابناء المنطقة من الاقليات وكل مضطهد ضاقت به الامور, وتخصص لهم ميزانية من الدولة لحين تمكنهم من اعالة انفسهم والعودة الى مناطقهم, ويجب ان تتحمل الحكومات المحلية مسؤولية عدم حمايتها لمواطنيها.
من خلال ما سبق سنبرهن حق المواطنة وفصل الدين عن السياسة فالدين لله والوطن للجميع وسرعان ماتتبدل الثقافة والاجواء العامة نحو الايجابية والوعي ينتج عنه اختبار قيادات كفوءة تخدم مواطنيها ولاتؤمن ان الثراء الحقيقي والنهضة الحقيقية هي في خدمة العطاء.
د.شمعون خمو
شيكاغو