المحرر موضوع: من قصص اللجوء  (زيارة 1908 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل شمعون كوسا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 201
    • مشاهدة الملف الشخصي
من قصص اللجوء
« في: 18:21 05/02/2013 »
من قصص اللجوء

شمعون كوسا

ان الآراء السديدة والافكار الجميلة بصياغاتها المتناسقة تأتيني عادة عند النوم ، فاقوم احيانا لتدوين بعضها ولكن في اغلب الاوقات أتقاعس عن النهوض معتمدا على ذاكرتي ، فامسك بالفكرة او الجملة بقوّة في ذهني ، لكي اعيدها بسهولة ، ولكني عند الصباح أرى صفحة الليل قد محاها النهار كليا . أعود واغلق عينيّ واضعا نفسي في ظلام الليل واجوائه ، فألمح بعض اطراف تلك الفكرة او أحرف تلك الجملة ، ولكني بمجرد الاشارة اليها ، أراها تولّي هاربة وتختفي وكأنها بحظرة شرطي يحمل لها مذكرة توقيف .

لقد تطرقت قبل الان وبصورة عابرة لبعض ما يُروى عن اللجوء ، ولكن الموضوع واسع بسعة المعمورة وسعة مئات الالوف من الناس الذين لبسوا ثوبه ، موضوع نعود اليه لا إراديا كل يوم .
لا يخفى على أحد بان لِلّجوء متطلبات اساسية لا بدّ من توفيرها وهذه المتطلبات الاساسية تفرضها ظروف البلد الذي ، في حالة العراق ، ذهبت الى ابعد مما هو مطلوب . وهناك ايضا متطلبات ثانوية اخرى ظرورية كتلطيف بعض الاجواء وتأزيم غيرها وتدوير بعض الزوايا وزيادة حِدّة البعض الآخر منها ، وايضا تحوير بعض المعلومات والاكتفاء ببعض أجوبة عشوائية قصيرة من شأنها تسهيل الكثير من الامور ، لانه لولا هذه اللمسات الخفيفة الثقيلة ، لكان الشعب العراقي باكمله قد استحق اللجوء ونال هذه الصفة بسهولة لان الموجودين هناك مرّوا بنفس الظروف الصعبة ويعيشون مضايقات قد تكون اقسى ، ولكن ظروفهم المادية وبعض الاسباب العائلية واعتبارات كثيرة اخرى منعتهم من مغادرة البلد أو حتى التفكير فيه .
وطالبُ اللجوء عادة ، يستشير من سبقه في هذا الشأن ، لتجنّب بعض الاخطاء وايضا لتصويب الامور وتقديمها بشكل يقبله ذوو القرار . يتمّ التركيز مثلا على المسار البري او الجوي الفلاني الذي سلكه اللاجئ لان بعض مسارات معيّنة تدعو للريبة . كما يتم اختيار التنظيم أو الحزب المعارض الفلاني للاسهاب في امتداحه ، وهذا يتطلب معرفة نظامه الداخلي واسماء مسؤوليه مثلا . ومِن بين هؤلاء ، أناس يختارون نقطة انطلاقهم من مدينة معينة دون ذكر أي شئ عن مسقط رأسهم ، وإذا صادف وان قال لهم احد : أولستَ أنت من هذه المدينة ؟ يبسط امامك ، على منضدة طويلة ، كافة الأيمان رابطا كل يمين بكتابه المقدس ، وهو واضع يده على صدره وبنبرة الواثق من نفسه يحلف ويقول : ان هذه المدينة التي ذكرتَها ، لم أعش فيها يوما  ولم تطأْها قدماي !!
يتمّ تقديم الملفُّ الى الجهات المختصة ، وبعد عدة أشهر من المقابلات والتحقيق والتدقيق ، يحصل طالب اللجوء على النتيجة . فاذا كان الجواب ضوءً أخضرَ ، يرفع اللاجئ يده عن قلبه ويوشوش للاذين الايسر أن يخفّف من دقاته ، ويبدأ بعملية استنشاق طويلة لانه لم يبقَ هناك سبب للخوف ، فالزوايا الحادة والاجوبة المختصرة مرتّ بسلام والقرار سيظهر بعد ايام في الجريدة الرسمية . يقوم صاحبنا حينذاك باخراج رُبعيّة عَرَقِه من جيبه الداخلي ، وبرشفة واحدة يوصل السائل الى نصفه . وعندما يكتسب اللجوء درجته القطعية ، تزول الخشية من إلغائه ، ما لم يكن ، صاحبُ الربعية ، قد فقد عقله وأقدَمَ على ارتكاب جريمة .
كلامي هذا كان عاما جدا ، ولقد دخلتُ بعض المسالك الوعرة لاصل الى منعطف يتيح لي سرد حادثة عشت حيثياتها في سفارة خارج العراق . في أحد الايام ، قدِمَتْ الى السفارة امرأة بصحبة مع ابنتيها وعبّأت طلبا للتأشيرة مدّعية بان زوجها لاجئ في بلد اوروبي . تقدمت المرأة بجوازها الاردني لانها كانت فلسطينية ، وبعد ان استعلمت عن المدة المتوقعة لاستلام الجواب ، غادرت السفارة .
بعد ثلاثة اشهر عادت المرأة الى السفارة وطلبت نماذج تقديم جديدة ،  وعند طلب اوراقها ، اخرجت من جيبها اوراقا عرقية . كانت تحمل هويات ووثائق عراقية اخرى حديثة الاصدار. استغربتِ الموظفة المسؤولة عن التأشيرات ، وعندما سألتها عمّا  جرى لها لكي تغير هويتها ، لانها سبق وان تقدمت للسفارة كفلسطينية وبجواز اردني ؟ غضبت المرأة وانكرت بانها فلسطينية ، وقالت بان كلّ ما تقدم كان خطأً ، وهي عراقية تماما وهذه اوراقها . إتصلت الموظفة بالمتشسار الذي أدخل طالبة التأشيرة حالا في مقابلة خاصة وطلب مني القيام بالترجمة . بدأ المستشار يطرح عليها بعض الاسئلة ، فاجابت في حدود المعلومات التي كان قد أطلعها عليها زوجُها ، ولكن عندما تعددت الاسئلة وتطلبت اجوبة مفصلة وواضحة ، لم تعُدِ المرأة تعي لما تقول ، فأتت أغلبُ أجوبتِها متناقضةً ، فكانت تكتفي بالقول :  العنوان الفلاني هو قرب مدينة المنصور أوبجوار معسكر الرشيد ، الى ان رأت نفسها في ورطة واصابتها حالة هستريا وقالت : لماذا تمنعون عني التأشيرة ، زوجي عراقي وليس لديكم حقّ في رفض طلبي او التحقيق معي ، واني قدمت الى هنا بعد ان حصل زوجي على الاقامة.
كتب المستشار تقريره الى وزارة الخارجية . بعد هذا بفترة قصيرة ، زار السفارةَ زوجُ المرأة المخولة بتغيير جنسياتها ، وقال بانه قادم ليصطحب زوجته الى حيث يقيم . بعد تقديم اوراقه الثبوتيه ، تم ابلاغ المستشار بالموضوع ، وهذا رآها فرصة مناسبة لاخضاع الزوج ايضا للمقابلة . دعاني للدخول معه لـتامين الترجمة ، خاصة واني عراقي وسأكتشف الكثير من الامور . لبّيتُ طلب المستشار مرغماً لمعرفتي التامة بحساسية الموضوع ، ولكنه لم يكن لي أيّ خيار في عدم القبول لاني كنت  المترجم الوحيد .
بدأ الزوج المقيم يتكلم بلهجة شبه عراقية ، كان قد اعتاد على اللهجة بحكم عمله لمدة طويلة في الكويت . إدّعي بان أباه كان عسكريا مهما يحتل مسؤولية في الجيش العراقي وبانه تمّ أعدامه مع الشخصية الفلانية ، وعندما قلت له بان فلان لازال على قيد الحياة ، إعتذر وذكر اسما آخر غير معروف .
بدأ المستشار يُمطره بالاسئلة ، فاستفسر عن مدرستة الابتدائية والمتوسطة وسأله عن موقع محطة الاذاعة والتلفزيون ، وعنوان الوزارة الفلانية وموقع المستشفى الفلاني والبريد المركزي والحيّ الذي يضمّ بعض الدوائر الاخرى ، كان صاحبنا قد وسّع دائرة معلوماته ولكنه اضطر كزوجته تكرار نفس الاجوبة المتناقضة وفي النهاية التزم الصمت رافضا الاجابة على اي سؤال  ، متوعّدا بتقديم شكوى لدى عودته .
بعد أن ناقش معي بعض الامور، كتب المستشار تقريره الذي كان يؤكد في صفحاته الاربع  ويكرر بان الزوج هذا ، على الاقل ، ليس عراقيا كما يدّعي . توقّع المستشار بان تقوم الوزارة بالغاء لجوئه او إعادة دراسة موضوعه ، غير ان الجواب وَرَدَ للسفارة بسرعة البرق وكان مفاده : لقد تمّ مقابلة اللاجئ هذا ثلاث مرات قبل الان وحصل على صفة لاجئ ولا سبيل للتراجع ، إمنحوا زوجته التأشيرة .

هذه احدى قصص اللجوء الغريبة . انها حالات نادرة ولكن هناك اشخاص استغلوا ظروف العراق واستطاعوا ان يخدعوا نزاهة المحققين .
لم يكن لي موضوع آخر افكر به فاكتفيت بسرد هذه القصة .

 



غير متصل ليون برخو

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 2141
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رد: من قصص اللجوء
« رد #1 في: 00:20 07/02/2013 »
شماسنا العزيز شمعون

عثرت بالصدفة هذا الأسبوع على فيديو يوتيوب تؤدي فيه النشيد السرياني الخالد alap alpanmaran . إنه أبدع أداء سمعته في حياتي. وإن قلت لك وأنا المغرم بالموسيقى أنني حاليا لا أسمع إلا هذا النشيد بأداء صوتك الشجي الذي أقول وبإعتزاز انه يدخل القلب دون طرق لما صدقتني.

لقد شذبت أدائي لهذا النشيد إستنادا إلى صوتك الشجي وطبقتك الذهبية وسأنشده على أنغام الكمان والعود وأذكر فضلك علي فيه.

والذي يشك  في مديحي لشماسنا المبدع ما عليه إلا سماع النشيد بصوته الشجي على هذا الرابط:

http://www.youtube.com/watch?v=RQJ3iEq3ABo

بارك الله فيك.